كتب: محمد بركات
تحت سماء إيران، وفي البلد الذي اختلف في كل شيء، من نظام الحكم والمذهب وحتى العادات والتقاليد، نجد أن هذا الاختلاف قد دبت جذوره في النظام التعليمي أيضا. فقد مرت إيران بعديد من التقلبات السياسية نتج عنها تغير مستمر في النظام التعليمي، واستمر هذا الأمر حتى بعد قيام ثورة الخميني 1979، فلم تأت الثورة ببرنامج واضح من البداية لأي مرفق من مرافق الدولة، وحتى بعد الخروج من حرب الخليج الأولى، الحرب التي قامت بين إيران والعراق واستمرت ثماني سنوات من العام 1980 وحتى 1988، لم يكن للدولة تصور عن رؤية النظام التعليمي، فعلى الرغم من وجود المثقفين والمتعلمين في أروقة الحكومة، والذين كانوا جزءاً من الرعيل الأول للثورة مدفوعين بروح ووعود التغيير، فإن الحكم الثيوقراطي المتمثل في طبقة رجال الدين لم يسمح بتطبيق رؤاهم في العملية التعليمية، وصبغ المناهج التعليمية بأيديولوجيته الخاصة.
هيكل النظام التعليمي الإيراني في بداية الثورة:
في بداية الثورة، شهدت جميع المؤسسات في البلاد تغييرات جذرية. شملت التغييرات الرئيسية في قطاع التربية والتعليم من عام 1979 إلى 2005 بشكل رئيسي وزارة التربية والتعليم، ورغم ذلك فلم يكن هناك اهتمام جاد بتحسين الجودة أو المناهج الدراسية. فعلى سبيل المثال، في عام 1979، كانت وزارة التربية والتعليم تضم 8 إدارات رئيسة، 25 إدارة عامة، و3 منظمات، ولكن مع مرور الوقت، تحولت هذه الأقسام في عام 2005 إلى 6 إدارات هي: التعليم الابتدائي، والتعليم الثانوي، والتربية والثقافة، والتربية البدنية والصحة، والشؤون القانونية وشؤون البرلمان، والتخطيط وتطوير الموارد، إضافة إلى 37 إدارة عامة و9 منظمات.
فمنذ الأيام الأولى للثورة، كان إحداث تحول في قطاع التربية والتعليم بهدف تعميق واستمرار الثورة الثقافية هاجسا لدى قادة النظام والمسؤولين الكبار في الحكومة الوليدة، وأكدوا ضرورته في أكثر من مناسبة. واستجابة لذلك الهاجس قام المسؤولون عن العملية التعليمية بتنفيذ العديد من الإجراءات المختلفة على عدة مستويات بهدف مواءمة هذا القطاع المؤثر في عملية نمو الفرد والمجتمع بشكل أكبر مع أهداف الثورة وأحلامها وأهدافها.
وجدير بالذكر أنه في عام 1988 تم التصديق على أول مشروع قانون لتغييرات التعليم من قبل البرلمان الإيراني، فوفقا لهذا القانون، تم تقسيم النظام التعليمي إلى قسمين رئيسيين: الأول هو التعليم الإلزامي العام الذي شمل مرحلتين: مرحلة التعليم الابتدائي لمدة 6 سنوات، سنة تمهيدية واحدة و5 سنوات ابتدائية، ومرحلة التعليم الإعدادي لمدة 3 سنوات. أما القسم الثاني فهو التعليم شبه الخاص والذي قُسم إلى مرحلة التعليم الثانوي لمدة 3 سنوات ويتضمن المسارات النظري، والفني والمهني، والعمل والدراسة.
استقرار النظام التعليمي بعد العام 2011:
شهدت التحولات الرئيسية في التعليم والتربية بعد الثورة نمطا أكثر وضوحا منذ العام 2000، وبلغت ذروتها في العام 2011، حين قرر مشرعو الدولة، بعد صياغة الوثيقة الوطنية للتعليم، تقسيم المراحل التعليمية إلى قسمين: الابتدائي والثانوي، تمتد هاتان المرحلتان إلى 12 سنة (6 سنوات للمرحلة الابتدائية و6 سنوات للمرحلة الثانوية)، فيما تنقسم المرحلة الثانوية إلى ثلاث مراحل: المرحلة المتوسطة الأولى، الإعدادية، وتمتد 3 سنوات، والمرحلة المتوسطة الثانية، الثانوية، وتمتد ثلاثة سنوات، تسبقهم مرحلة تمهيدية، رياض الأطفال، وفيما يلي عرض لهذه المراحل:
المرحلة التمهيدية (رياض الأطفال): وتعتبر مرحلة غير إلزامية تمتد لسنتين، وتغطي الأطفال في الفئة العمرية من 5 إلى 6 سنوات بالبرامج التعليمية والتربوية. يفترض في هذه البرامج أن تكون مرنة وتتوافق مع خصائص الأطفال، في حين يختلف مدى حضور الأطفال في هذه المراكز التمهيدية وفقا لاحتياجاتهم.
المرحلة الابتدائية: يلتحق بها الطالب وهو في سن 6 سنوات، يتم تصميم المناهج الدراسية للسنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية بشكل مرن، مع مراعاة قدرات والفروق الفردية للطلاب، كما تُقدم برامج تحضيرية وتعويضية خاصة للأطفال من المناطق المحرومة والمناطق ثنائية اللغة.
المرحلة المتوسطة الأولى (الإعدادية): تأتي بعد أن يتم الطالب المرحلة الابتدائية بنجاح، ويدرس بها الطالب لثلاث سنوات.
المرحلة المتوسطة الثانية (الثانوية) أبرز ما بها أنها تنقسم إلى ثلاثة فروع: النظري، والفني والمهني، والمهني التطبيقي. يحتوي كل فرع على تخصصات يتم تحديد تنوعها بناءً على احتياجات المجتمع ومتطلبات الوقت وإمكانية التنفيذ.
ويبدأ العام الدراسي في إيران في شهر سبتمبر/أيلول من كل عام ويستمر حتى نهاية شهر سبتمبر من العام التالي، وتكون ساعات التعليم لكل مرحلة تعليمية على النحو التالي: المرحلة الابتدائية 925 ساعة، بواقع 25 ساعة أسبوعياً، المرحلة المتوسطة الأولى 1110 ساعات، بواقع 30 ساعة أسبوعياً، والمرحلة المتوسطة الثانية فرع النظري 1295 ساعة، بواقع 35 ساعة أسبوعياً، وفرع الفني والمهني 1480 ساعة، بواقع 40 ساعة أسبوعياً، على أنه يتم تخصيص 50 ساعة للأنشطة خارج الفصل والمدرسة حسب متطلبات المنهج الدراسي، و50 ساعة أخرى تكون تحت تصرف الأقاليم والمناطق والمدارس وفقا لظروفها البيئية.
وتبلغ مدة كل حصة 45 دقيقة في السنوات الثلاث الأولى، و50 دقيقة في السنوات الرابعة والخامسة والسادسة. أما المرحلة المتوسطة الأولى، فتبلغ مدة الحصة 50 دقيقة، والمرحلة المتوسطة الثانية تبلغ مدة الحصة بها 50 دقيقة.
أما عن المناهج الدراسية فبغض النظر عن تصدير الكتاب بصورة كبيرة للخميني أو خامنئي أو أحد رجال الدين المعروفين، فلا تختلف كثيرا عن المتعارف عليه في باقي الدول، باستثناء مواد مخصصة لفنون الشعر والنثر؛ وذلك نظرا إلى ثراء اللغة الفارسية بتلك الفنون، ودروس الخط الفارسي وهي الصنعة التي برع فيها الفرس على مر العصور حتى إن هناك أحد أنواع الخطوط مسمى نسبة لهم، ومواد دينية لدراسة المذهب الشيعي، كذلك بعض مضامين الدروس التي تتناول أحداث الحرب الإيرانية العراقية، والتي يسمونها حرب الدفاع المقدس، وتمجد الجنود الذين قتلوا في تلك الحرب، وكما أشرنا مسبقا، فإن التغييرات الكبرى في التعليم كانت ترتكز أكثر على الكم التعليمي، ولم يتم إيلاء اهتمام كبير للتغييرات النوعية أو للمناهج الدراسية. وعلى الرغم من التقدم النسبي في زيادة أعداد الطلاب وتوفير التعليم الأساسي للأطفال والكبار، فإن النظام التعليمي الإيراني لم يحقق نجاحا في الوصول إلى أهداف التعليم النوعي، التعليم النوعي هو الذي يتوافق مع تنوع مواهب واحتياجات الأطفال والمراهقين وتوقعات المجتمع المعاصر، كذلك هو الذي يعزز القيم والمواقف والمهارات لدى المتعلمين، وييسر النمو الاجتماعي، وقدرتهم على التعلم الذاتي وفهم المفاهيم.
التعليم الجامعي:
تنقسم الجامعات في إيران إلى ستة تصنيفات رئيسية: الجامعات الحكومية، جامعة آزاد الإسلامية، الجامعات غير الربحية، جامعة بيام نور، الجامعات التقنية والمهنية، والعلمية المهنية، وتتميز الجامعات الحكومية بجودة أعلى مقارنة بجامعات آزاد وغير الربحية، وتوفر مرافق بحثية وتعليمية أفضل، وتعتبر تلك التقسيمات مألوفة بالنسبة لباقي النظم التعليمية باستثناء نوعين من الجامعات، وهما:
جامعة بيام نور (رسالة النور): وهي جامعة تعتمد نظام التعليم عن بعد، حيث تعقد محاضرات دراسية أقل خلال الفصل الدراسي، وهي تتبع وزارة العلوم والتكنولوجيا.
جامعة آزاد الإسلامية: هي جامعة خاصة ولها فروع في معظم مدن إيران. بعض فروع جامعة آزاد لديها تصريح لاستقبال الطلاب الدوليين.
وتكون مدة الدراسة في مرحلة البكالوريوس 4 سنوات، وفي مرحلة الماجستير سنتان، وفي مرحلة الدكتوراه من 4 إلى 5 سنوات، مع إمكانية تمديد مدة الدراسة بموافقة الجامعة.
مشكلات النظام التعليمي:
عند النظر في أسباب ضعف جودة التعليم في إيران وبطء عملية التطوير في النظام التعليمي مقارنة بالمؤسسات الاجتماعية الأخرى، نجد أن هناك العديد من العوامل خارج البيئة التعليمية مثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطلاب والتي تسبب تلك الحالة، ذلك بالطبع إضافة إلى العوامل الداخلية في المدارس والنظام التعليمي. فما تتعرض له إيران من عقوبات اقتصادية خارجية وفساد المحليات في الداخل قد ألقى بظلاله على المجتمع، حيث جعله غير قادر على توفير الظروف المناسبة لإتمام العملية التعليمية، ويمكن تلخيص تلك المشكلات في الآتي:
غلاء التكاليف الدراسية:
أدى ارتفاع الأسعار، والتضخم، والفقر إلى ظهور مشاكل في المنظومة التعليمية وزيادة في معدلات ترك الدراسة بإيران. فلقد تراجعت القوة الشرائية للناس إلى درجة أن أصبح شراء اللوازم المدرسية للأطفال في بعض الأسر من الأولويات الثانوية للوالدين. وبحسب تصريح رئيس اتحاد بائعي الأدوات المكتبية واللوازم الهندسية في طهران لموقع بي بي سي فارسي، فإن المبيعات قد انخفضت بنسبة تقارب 30% هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار. ولكن الأدوات المدرسية ليست التكلفة الوحيدة التي تتحملها الأسر، فإلى جانب الأدوات المدرسية، هناك الملابس والأحذية، الحقائب، الكتب المدرسية، تكلفة النقل المدرسي، المساهمات المالية للمدرسة، تكاليف التغذية في المدارس، وغيرها من النفقات الإضافية والتي قد يصل مجموعها خلال عام دراسي لطفل واحد إلى 150 مليون ريال (300 دولار تقريباً)، وبالطبع فإن هذه الرقم يتغير بناءً على عدد الطلاب في الأسرة والمراحل الدراسية.
عدم المساواة في تقديم الفرص التعليمية:
تُعد مسألة عدم المساواة في التعليم من أهم القضايا موضع البحث في مجال التخطيط التعليمي حاليا، حيث تلعب دورا حاسما في تحسين التعليم وتطويره. وعندما يجري القول عن عدم المساواة أو تكافؤ الفرص فيقصد بذلك عدم المساواة بين الفتيات والفتيان في الحصول على التعليم، وبين الأقليات الدينية، وكذلك في الوصول إلى المرافق التعليمية بين المناطق المختلفة في البلاد.
ويمكن النظر إلى مشكلة عدم المساواة في النظام التعليمي من عدة جوانب، مثل إمكانية الوصول للفرص التعليمية، والموارد المتاحة للنظام التعليمي كالنفقات الفردية، ونسبة المعلمين إلى الطلاب، والمرافق المقدمة للمدارس، وأخيرا الأداء العام للنظام من حيث نسب النجاح والتخرج، ومعدلات التحصيل العلمي، ونسب الرسوب.
فوفقا لإحصائية أجريت في العام 2019، فإن عدد الطلاب في الفصول الدراسية في المرحلة الابتدائية يقدر في المتوسط بنحو 23.5 طالبا. ومع ذلك، عندما نأخذ في الاعتبار توزيع المدارس بين الحضر والريف، نكتشف أن 60% من طلاب المرحلة الابتدائية يتعلمون في فصول مكتظة يزيد عدد طلابها على 26 طالبا.
ووفقا لوزارة التربية والتعليم، يبلغ عدد طلاب المرحلة الابتدائية في البلاد 8 ملايين و69 ألفا و427 طالبا، 85.2% منهم يدرسون في المدارس الحكومية، و14.8% في المدارس الخاصة.
ازدحام الفصول الدراسية:
وفقا للإحصائيات، يوجد في إيران نحو 55.407 مدارس ابتدائية حكومية للفتيان والفتيات ومختلطة، إضافة إلى 100.090 مدرسة خاصة. وفي طهران فإن 62.97% من المدارس ابتدائية حكومية و37% مدارس خاصة، بينما في ضواحي طهران، 76% من المدارس حكومية و24% مدارس خاصة.
وفيما يتعلق بنسبة الطلاب إلى المعلمين، فقد صرحت رضوان حكيم زاده، نائبة وزير التعليم الابتدائي، بأن إيران بلد واسع، وهناك تركيز على التعليم الابتدائي، مما يستدعي إرسال معلمين إلى المناطق البدوية، الريفية والنائية. كما أضافت أن هناك نحو 202 مدرسة تحتوي على طالب واحد فقط، و12.700 مدرسة أخرى بها أقل من 14 طالبا.
ضعف البنية التحتية:
تعاني إيران من ضعف شديد في البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، فبداية من الأبنية التعليمية المتهالكة التي تشكل خطرا على الطلاب، مرورا بضعف وسائل الإيضاح والشرح في المدارس، ونهاية بعدم تزويد المؤسسات بخدمة إنترنت جيدة.