كتب: محمد بركات
في خطوة أثارت اهتمام الأوساط الإعلامية والحقوقية، صدر عفو رسمي عن صحفيتين كانتا تواجهان اتهامات أمنية خطيرة، ما أدى إلى إغلاق ملف قضيتهما بشكل نهائي. وجاء هذا التطور بعد إجراءات قانونية استمرت لأشهر، شملت مراجعات في لجنة العفو وموافقة القيادة العليا على القرار. ومع أن هذه القضية طرحت تساؤلات حول أوضاع الصحافة في البلاد، فإن الخبراء يشيرون إلى استمرار التحديات التي تواجه الإعلاميين، وضمن ذلك القيود القانونية والسياسات المتبعة تجاه حرية الصحافة.
فقد أعلن المركز الإعلامي للعلاقات العامة التابع للسلطة القضائية، الثلاثاء 11 فبراير/شباط، أن الصحفيتين نيلوفر حامدي وإلهه محمدي قد شملهما العفو الذي صدق عليه المرشد الأعلى، علي خامنئي، بمناسبة ذكرى الثورة الـ46، وأنه قد أُغلِق ملفّهما بالكامل.
هذا وقد ذكر المركز الإعلامي التابع للسلطة القضائية، أنه في صيف العام 2024، تقدمت كل من إلهه محمدي ونيلوفر حامدي، المدانتان في قضايا أمنية، يرسالة إلى رئيس السلطة القضائية، محسني إيجئي، أعربتا فيها عن ندمهما على أفعالهما في السنوات التي سبقت اعتقالهما، وطلبتا العفو.
كذلك فقد ذكر المركز أنه خلال تلك الرسالة عبّرت المدانتان عن ندمهما على سلوكهما السابق، وتعهدتا بعدم ارتكاب أي مخالفة قانونية، كما أكّدتا التزامهما بالسلوك القانوني منذ الإفراج المؤقت عنهما خلال الأشهر الماضي، كما أعربتا عن أسفهما تجاه أفعالهما السابقة التي أدت إلى إصدار أحكام إدانة بحقهما.
جدير بالذكر أنه في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، كان أصغر جهانجير، المتحدث باسم السلطة القضائية، قد أعلن أنه، وبعد موافقة رئيس السلطة القضائية على إحالة ملف هاتين السيدتين إلى لجنة العفو والغفران، تمت متابعة الإجراءات في محكمة طهران، حيث جرت مراجعة الملف في لجنة العفو الإقليمية، وبعد ذلك، تم إرسال الملف إلى اللجنة المركزية للعفو، حيث أُدرِج في جدول النظر فيه، وفي الأخير، وبموافقة اللجنة تم إدراج اسميهما في لائحة العفو والتي وقع عليها المرشد الإيراني في ما بعد.
قضية الصحفيتين
ترجع قضية اعتقال الصحفيتين إلى سبتمبر/أيلول من العام 2022، حيث اعتقلت نيلوفر حامدي، وتبعتها بأسبوع إلهه محمدي، ذلك في أثناء تغطيتهما خبر وفاة مهسا أميني، الفتاة الكردية التي قتلت في أوائل سبتمبر/أيلول 2022، بعد خلاف مع دورية من شرطة الأخلاق، والتقرير الذي أعدته عن مراسم دفنها.
حينها، قضت الصحفيتان ثلاثة أشهر في المحبس رقم 209 بسجن إيفين سيئ السمعة، ثم نُقلتا إلى سجن النساء في قرشك، وفي مايو/أيار 2023، تم نقلهما مجددا إلى جناح النساء في سجن إيفين، حيث تمكنتا لأول مرة في يونيو/حزيران 2023 من لقاء محاميهما.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أصدرت وزارة الاستخبارات الإيرانية ومنظمة استخبارات الحرس الثوري بيانا مطولا، اتهمتا فيه الصحفيتين بالتواصل مع حكومات أجنبية.
بعد هذا البيان، أصدرت جمعية الصحفيين المهنيين بيانا تحت عنوان “احظروا الصحافة”، أعربت فيه عن احتجاجها على هذه القضية، وقد جاء فيه: “لم يكن للبيان المشترك الصادر عن المؤسستين الأمنيتين بشأن تحليل الأحداث الأخيرة أي مضمون سوى الدعوة إلى تجريم وحظر الصحافة، حيث تم اعتبار النشاط المهني العادي لزميلينا الصحفيين مثالا على اتهام يعني فعليا إنهاء العمل الصحفي”.
وأضافت الجمعية أن هناك “إشكالات قانونية جوهرية، شكلية وموضوعية، في الاتهامات الموجهة ضد الزميلتين الصحفيتين، فضلا عن النهج الذي تتبعه الأجهزة الأمنية تجاه مهنة الصحافة”، مؤكدةً أن هذه الملاحظات ستُرفع إلى رئيس السلطة القضائية في رسالة منفصلة.
هذا وقد عقدت أولى جلسات محاكمتهما في يونيو/حزيران 2023 برئاسة القاضي أبو الحسن صلواتي، لتصدر الدائرة 15 بمحكمة الثورة في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد عام من اعتقالهما، أحكاما مشددة بحقهما.
بموجب الحكم، أدينت إلهه محمدي بتهمة التعاون مع دولة معادية، قيل إنها الولايات المتحدة، وحكم عليها بالسجن 6 سنوات، وبتهمة التجمع والتآمر لارتكاب جريمة ضد أمن الدولة، وحكم عليها بالسجن 5 سنوات، وبتهمة الدعاية ضد النظام، وحكم عليها بالسجن سنة واحدة.
أما نيلوفر حامدي، فقد حُكم عليها بالسجن 7 سنوات بتهمة التعاون مع دولة معادية، هي الولايات المتحدة، و5 سنوات بتهمة التجمع والتآمر ضد أمن الدولة، وسنة واحدة بتهمة الدعاية ضد النظام.
في ذلك الوقت، أُعلن أنه في حال تأييد الأحكام في محكمة الاستئناف، سيكون الحكم النافذ لإلهه محمدي 6 سنوات من أصل 12 عاما، ولنيلوفر حامدي 7 سنوات من أصل 13 عاما.
وفي 14 يناير/كانون الثاني 2024، وبعد 17 شهرا من الحبس الاحتياطي، أُطلق سراحهما مؤقتا بكفالة مالية، بعد أن برأتهما المحكمة من تهمة التعاون مع دولة معادية، ليعلن المتحدث باسم السلطة القضائية في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رسميا براءتهما من هذه التهمة، مع إرسال حكم السجن 5 سنوات إلى قسم تنفيذ الأحكام.
وقد ظلت الصحفيتان في وضع قانوني غير محسوم خارج السجن إلى أن أصدر رئيس السلطة القضائية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أمرا بإحالة قضيتهما إلى لجنة العفو التابعة لدائرة القضاء في طهران لمراجعتها وفق الإجراءات القانونية. وأخيرا، وفي 12 فبراير/شباط 2024، أعلن شهاب ميرلوحي، محامي إلهه محمدي، أن موكلته شملها العفو، وأُغلِق ملفها القضائي. كما أكد محامو نيلوفر حامدي أن قضيتها أُغلِقت أيضا بعد شمولها بالعفو.
حرية الصحافة الإيرانية في خطر
وتعليقا على خبر العفو عنهما، كتب كامبيز نوروزي، الخبير في القانون والإعلام، مقالا في صحيفة هم ميهن، الأربعاء 12 فبراير/شباط، قال فيه: “رغم أن العفو عنهما يُعتبر خطوة إيجابية من رئيس السلطة القضائية، فإن اعتقالهما لم يؤثر سلبيا على الصحافة الإيرانية في المقام الأول، التي اعتادت التعامل مع الضغوط مثل الاعتقالات والاستدعاءات والأحكام القضائية”.
ويكمل نوروزي: “فقد تعرضت البيئة الإعلامية في إيران لأضرار كبيرة وشهدت تراجعا حادا، لكن الصحفيين المحترفين لا يزالون متمسكين باستقلالهم المهني، فلم يؤدِ اعتقال الصحفيتين إلى تغييرات جوهرية في المشهد الإعلامي، رغم أن الأمل بتحسن الأوضاع زاد منذ تولي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية، حيث أصبح الإعلام أكثر نشاطا، ولكن دون تحول ملموس”.
ويتابع: “على مدى السنوات الأخيرة، لم يطرأ تحسن كبير في سياسات الإعلام، إذ لم تولِ حكومة حسن روحاني اهتماما يُذكر للصحافة، كما استمرت هذه السياسة في عهد إبراهيم رئيسي، أما في حكومة بزشكيان، لم تُطرح حتى الآن أي خطط واضحة لدعم الإعلام. وحاليا، فإن أي تشريعات جديدة بشأن الصحافة قد تزيد القيود بدلا من توسيع الحريات، خاصةً أن التوجه السائد في البرلمان لا يبدو داعما لحقوق الإعلاميين، مما يجعل استمرار العمل في ظل القوانين الحالية هو الخيار الوحيد المتاح”.
بهذا الشأن فقد نشر موقع منظمة الدفاع عن الانتشار الحر للمعلومات (DeFFI)، وهي منظمة حقوقية تُعنى بحماية حرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين، في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تقريرا أظهر أن حالة الصحافة في إيران خلال فترة الأشهر الستة الأولى من حكومة مسعود بزشكيان، والتي امتدت من يوم 28 يوليو/تموز، وحتى يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني للعام 2024، أصبحت أكثر سوءا مما كانت عليه من قبل، حيث زادت وتيرة أبعاد واعتقال الصحفيين، إضافة إلى التضييق عليهم.