كتب: محمد بركات
تعاني إيران من انخفاض أعداد أعضاء هيئة التدريس، مما أثر على جودة التعليم العالي والبحث العلمي، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، تزداد الحاجة إلى الاستثمار في الكوادر الأكاديمية لتعزيز الابتكار ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة، في حين تشكل هجرة الأساتذة والتحديات المؤسسية تهديدا لتنمية البلاد، خاصة في مرحلة تحتاج فيها إيران إلى تعزيز قدراتها العلمية والتكنولوجية لمواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق الاستقلالية في مختلف المجالات، في ظل تقلبات إقليمية ودولية تستهدف أمنا.
فوفقا لتقرير نشرته مؤسسة أبحاث السكان الوطنية في إيران حول هجرة أعضاء الهيئات التدريسية في المعاهد والجامعات، فقد تبين وجود انخفاض في إجمالي أعضاء هيئة التدريس في البلاد بحوالي 2700 عضو خلال الفترة الممتدة من العام الدراسي 2017 إلى 2021، وقد ذكر التقرير أنه وبالرغم من أن هذا الرقم صغيرا نسبيا مقارنةً بالعدد الإجمالي لأعضاء هيئة التدريس والجامعات في إيران، إلا أنه لا ينبغي التغاضي عن حقيقة أن خروج حتى هذا العدد يمكن أن يكون له تأثيرات شديدة على جودة التعليم والبحث العلمي.
ما العوامل وراء هذا الانخفاض؟
إلى جانب الهجرة، فهناك عدة عوامل أخرى مثل التقاعد، والوفاة، والاستقالة تسهم في انخفاض عدد أعضاء هيئة التدريس، فوفقا للإحصائيات الرسمية لعام 2021، فإن الأسباب الرئيسية لإنهاء التعاون مع أعضاء هيئة التدريس كانت التقاعد بنسبة 57.1%، وبعدها الوفاة بنسبة 5.4%، والاستقالة أو المعاش المبكر بنسبة 8.4%، ومن الجدير بالذكر أن الأساتذة الذين يخططون للهجرة غالبا ما يفعلون ذلك عبر الاستقالة أو المعاش المبكر أو الانفصال الطوعي عن وزارة العلوم.
في هذا السياق، أشار مسعود تجریشي، الأستاذ في جامعة شريف الصناعية، في تصريح لوكالة تسنيم الإيرانية الثلاثاء 11 فبراير/ شباط 2025 إلى أن تقرير المجلس الأعلى للنخب العلمية والثقافية قد كشف عن مغادرة 74 عضوا من جامعة شريف الصناعية و72 عضوا من جامعة طهران إلى الخارج في فترة محددة.
وأضاف تجريشي” عندما عرضت هذه الإحصائيات، اتُهمت بالمبالغة أو التهويل، ولكن في كليتنا وحدها، وهي كلية الهندسة المدنية، غادر خلال العام 2023/2024 فقط 8 أعضاء من هيئة التدريس. لذا، فإن الأرقام التي يعلنها الوزير ليست مبالغا فيها. وعندما تحدثت عن هذا الأمر سابقا، كنت قلقا لأن هذه الأرقام تعني أن الجامعات تفقد أعضاءها بوتيرة متزايدة، نحن اليوم نتحدث عن 340 عضوا، وليس 500 كما يُذكر على موقع جامعة شريف، لأن بعضهم من المتقاعدين.”
لماذا يهاجر أساتذة الجامعات؟
تُعدّ هجرة أساتذة الجامعات من أبرز التحديات التي تواجه الدول، خاصة تلك التي تعتمد على رأس المال البشري في تطوير منظوماتها الأكاديمية والبحثية مثل إيران، حيث يشكل الأكاديميون في تلك البلاد العمود الفقري للتنمية العلمية، ويؤدي غيابهم إلى ضعف جودة التعليم والبحث العلمي. وفي ظل التحديات الديموغرافية التي تواجه بعض الدول، تسعى العديد منها إلى جذب الأكاديميين المتخصصين لتعويض نقص اليد العاملة الماهرة، مما يزيد من معدل هجرة الأساتذة الجامعيين.
فمن بين الأسباب التي تدفع الأكاديميين الإيرانيين للهجرة نقص التمويل اللازم للأبحاث، وغياب البنية التحتية الداعمة، بالإضافة إلى التأخير في صرف المنح البحثية والمستحقات المالية، مما يضع الباحثين أمام عقبات تؤثر على إنتاجهم العلمي. ورغم أن معدل الهجرة لم يصل بعد إلى مستويات خطيرة، إلا أنه يشكّل جرس إنذار يستدعي تحركًا عاجلًا من الجهات المعنية.
ففي إيران، على سبيل المثال، تعاني الجامعات من تحديات متزايدة نتيجة خروج الأكاديميين، حيث يؤكد محمد مقيمي، مدير التعاون العلمي والصناعي في جامعة علم وصنعت، خلال تصريحات له الثلاثاء 11 فبراير/ شباط 2025، فإن هجرة الأساتذة أصبحت تهدد استمرارية التعليم العالي، مشيرا إلى أن بعض الكليات قد تفقد أكثر من 60% من كوادرها الأكاديمية خلال السنوات المقبلة، بسبب التقاعد والهجرة.
كما يواجه الأساتذة الشباب صعوبة في الاستقرار داخل البلاد، ما يدفع بعضهم إلى تقسيم وقتهم بين التدريس في إيران والعمل في دول أخرى مثل الإمارات وقطر، التي تقدم برامج استقطاب جذابة، تشمل رواتب مرتفعة وتمويل مشاريع بحثية متقدمة. في ظل هذه الظروف، فيعتبر مقيمي أن الحاجة إلى إصلاحات جذرية أصبحت أمرا ملحا للحفاظ على النخب الأكاديمية ومنع تفاقم هذه الأزمة.
التأثيرات السلبية لانخفاض أعداد أعضاء هيئة التدريس
من أبرز التحديات التي يواجها قطاع التعليم العالي نتيجة لهذه الظاهرة هي تراجع جودة التدريس، فمع انخفاض عدد الأساتذة، تزداد الأعباء التدريسية على الأعضاء المتبقين، مما يؤدي إلى تقليل التفاعل بين الأستاذ والطالب، وضعف جودة الإشراف الأكاديمي، خاصة في الدراسات العليا التي تتطلب توجيهًا دقيقا.
كذلك فإن تلك الظاهرة ستنتج انخفاض في الإنتاج البحثي، حيث تعد البحوث العلمية ركيزة أساسية في الجامعات، ويؤدي انخفاض أعداد الأكاديميين إلى تقليل عدد المشاريع البحثية، وتعطيل التعاون الدولي، مما يُضعف مكانة الجامعات الإيرانية عالميا.
أيضا فإن فقدان الكفاءات والخبرات المتراكمة سيكون أحد التبعات الخطيرة لتلك الأزمة، فالأساتذة الكبار الذين يغادرون الجامعات يحملون معهم سنوات من الخبرة، مما يؤدي إلى فراغ أكاديمي يصعب تعويضه، خاصة في التخصصات المتقدمة والتقنية.
وبشكل غير مباشر، فإن هجرة الأساتذة ذوي الكفاءة سينتج تزايد في هجرة الطلاب الموهوبين، فسيؤدي تراجع جودة التعليم والبحث إلى دفع الطلاب المتفوقين للهجرة بحثًا عن بيئة أكاديمية أكثر تطورًا، مما يزيد من نزيف العقول العلمية، وهي ظاهرة تواجها إيران بقوة في العقود الأخيرة نظرا لضعف البيئة المساعدة للبحث والأبداع.
وفي الأخير، سيترتب على كل هذا تأثير اقتصادي وتنموي، حيث تقلل هذه الظاهرة من قدرة إيران على تطوير اقتصاد قائم على المعرفة، فيؤدي تراجع البحث العلمي إلى ضعف الابتكار والإنتاجية في القطاعات الصناعية والتكنولوجية.
كيف يمكن معالجة الأزمة؟
أمام طهران عدة حلول لوقف نزيف الهجرة الأكاديمية التي تعاني منه، فيجب اتخاذ تدابير عاجلة تشمل عدة خطوات أولوها زيادة التمويل للمشاريع البحثية، حيث يجب على الحكومة تخصيص ميزانيات كافية لشراء المعدات المخبرية، وتقديم منح بحثية مجزية، ودعم المشاريع العلمية.
كذلك تحسين الحوافز المالية والوظيفية، وذلك عن طريق إنشاء برامج دعم مالي خاصة للأساتذة الشباب، وتقديم تسهيلات أكاديمية تشجعهم على البقاء في البلاد.
أيضا يجب أن تضع إيران في خطتها تعزيز التعاون الدولي وجذب النخب، فيمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى عبر تطوير شراكات أكاديمية دولية، وإطلاق برامج تأشيرات بحثية لجذب الباحثين من الخارج.
وبشكل عام يجب على الحكومات المختلفة أت تضع الخطط والاستراتيجيات لتحسين بيئة البحث العلمي بشكل كامل، فتوفير بنية تحتية مناسبة، مثل المختبرات الحديثة، والدعم الإداري والقانوني للأبحاث، سيُشجع الأساتذة على البقاء والمساهمة في تطوير الجامعات المحلية.