كتب: محمد بركات
نشرت صحيفة كيهان الأصولية الإيرانية، يوم 23 سبتمبر/أيلول 2024، في افتتاحيتها، مقالا وجهت من خلاله نقدا للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بسبب بعض التصريحات وزلات اللسان التي وقع فيها خلال لقائه مع ممثلي وسائل الإعلام الأمريكية في زيارته الأولى لنيويورك للمشاركة في الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ناقشت الصحيفة في مقالها جدوى وجود الخبراء بجانب الرئيس.
في بداية المقال أكدت الصحيفة التزامها الحياد، حيث قالت: “إن صحيفة كيهان التي تعرف دائما بولائها للنظام والثورة ودعم جميع الحكومات الإيرانية، عادةً ما تقدم نقدا بناءً ونصائح صادقة في كل الأوقات ومع كل الشخصيات بغض النظر عن توجههم السياسي، ومع ذلك، فخلال زيارات رؤساء الجمهورية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تعد أحد أهم منابر إيران للتعبير عن مواقفها، لا تنتقد الصحيفة أية أخطاء أو نقاط ضعف او هفوات قد تصدر عن الرئيس أو الحكومة، وذلك لكيلا تبرزها أمام الإعلام المعادي”.
ويكمل التقرير: “زعلى الرغم من ذلك، ورغم إشادة الصحيفة منذ بداية الحكومة الرابعة عشرة، بالمواقف المبدئية للرئيس، سواء في مراسم التنصيب، أو في مقاله بصحيفة طهران تايمز، أو في رسائله إلى قادة محور المقاومة، خاصةً رسالته إلى السيد حسن نصر الله، التي تعكس جوهر الحق الذي يسعى إليه بزشكيان، فإن الصحيفة ترى أن التصريح الأخير للرئيس، والذي أتى نصه: (نحن مستعدون للتخلي عن أسلحتنا بشرط أن تتخلى إسرائيل أيضا عن أسلحتها، وأن تتولى منظمة دولية تأمين الأمن في المنطقة). هو تصريح ناجم عن زلة لسان واستخدام غير دقيق للكلمات، فتكرار التصريحات غير المدروسة والمواقف التي اتخذت دون تفكير كافٍ، والتي تنسب في الغالب إلى تأثير المستشارين المتأثرين بالغرب والمغرورين، يزيد من قلق الرأي العام والمحبين للثورة والنظام والبلاد”.
وجدير بالذكر أن هذا التصريح نفسه قد أثار رد فعل من جانب أمير حسين ثابتي، البرلماني الأصولي، حيث نشر مقطع فيديو له في أثناء إلقاء كلمة بالبرلمان، الأربعاء 24 سبتمبر/أيلول على حسابه بمنصة إكس يقول فيه: “سيادة الرئيس بزشكيان يقول إننا مستعدون لإلقاء السلاح إذا فعلت إسرائيل، يا سيادة الرئيس، إن هناك فرقا بيننا وبينهم، فنحن ندافع عن الحق وهم دولة احتلال، أرجو أن يفهم أحدٌ الرئيس ذلك”.
اللسان وحش مفترس، إن تركته أوقعك في شركه:
وأكمل المقال: “إن الدكتور بزشكيان، الذي أعلن مرارا وتكرارا أنه قد قرأ نهج البلاغة للإمام علي وأتقن ما به، كان يجدر به أن يجعل من الحكمة 57 من نهج البلاغة نهجا له في حياته، حيث قال الإمام علي في هذه الحكمة: (اللسان سبعٌ إن خلّي عنه عقر)، أي إن اللسان وحشٌ، إن أطلقته هاجم وافترس صاحبه، فالتصريحات غير المدروسة الأخيرة، مثل جملة (نحن إخوة مع الجميع، ومع أمريكا نحن أيضا إخوة) التي قيلت في المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية، وتكرار هذا الخطأ، على الرغم من أنه قد يكون مجرد زلة لسان، يثير الشكوك حول تأثير المستشارين المحيطين به على نظرته للأمور”.
تصريحات حمالة أوجه:
ويذكر المقال أن “مثل هذه التصريحات، رغم أنها قد تؤدي فقط إلى قلق وانزعاج محبي الوطن في الداخل، فإن تأثيراتها الدولية والانعكاسات التي تسعى إليها وسائل الإعلام المعادية قد تثير الشكوك حول الاعتراف الرسمي بإسرائيل، مما يتعارض بشكل واضح مع فكر القائد، والقيادة، وأهداف الثورة. وقد تلحق ضررا بصورة البلاد، وبقوتها الناعمة ونفوذها بين الأحرار في العالم والشعوب الإسلامية، ومثال على ذلك هو كيفية تناول تصريحات بزشكيان حول الأخوة مع أمريكا في وسائل الإعلام العربية الإقليمية، واستغلال بلومبيرغ جملة بزشكيان، إضافة إلى استغلال وسائل إعلام مثل NBC، الغارديان، وواشنطن بوست وغيرهما لتصريحاته الأخيرة”.
المشورة الخاطئة من المستشارين والمقربين:
ويكمل المقال: “يرى علماء النفس أن فكر كل شخص هو نتاج مجموع أفكار من يحيطون به من أصدقاء ومستشارين، ويبدو أن الرئيس يجب أن يبتعد عن أولئك الذين سبق أن خدموا في حكومة روحاني وفشلوا في تحقيق أهداف الدولة وتسببوا في ضياع ثقة القيادة بسبب الاتفاق النووي وفشله لاحقا، فالفهم الصحيح للوضع الدولي، والتحالفات، وكذلك تقييم قوة الدول الأخرى، يعد أحد المبادئ الأساسية لتوجيه السياسة الخارجية، وعلى هذا النحو، فإن الأشخاص الذين لا يدركون التغيرات في النظام الدولي، ويعتقدون أنه ما تزال الولايات المتحدة القوة المهيمنة عالميا، بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على بنية النظام الدولي، هم أسوأ المستشارين وصناع السياسة للدولة والنظام”.
ويتابع المقال: “فهؤلاء الأفراد يقدمون أنفسهم على أنهم علماء متخصصون في العلاقات الدولية، في حين أن كبار الأكاديميين والمفكرين الأمريكيين بهذا المجال يرون أن العالم الجديد وإيران الجديدة مختلفان تماما عما كانتا عليه قبل عشر سنوات، ويعتبرون أن سياسة احتواء إيران من الغرب أصبحت مستحيلة، فتصريحات فريد زكريا، الصحفي الأمريكي، في صحيفة واشنطن بوست، وريتشارد نيفيو، مهندس العقوبات على إيران، مجرد أمثلة صغيرة على كيفية تمثيل النظام الدولي في وجهة نظر الأمريكيين واعترافهم بعدم القدرة على ممارسة مزيد من الضغوط على إيران”.
السياسة الخارجية ليست من صلاحيات الرئيس:
وقالت الصحيفة: “وعلاوة على ذلك، فإن بعض الأمور التي أشار إليها الرئيس والتي أعلن عنها باسم النظام بخصوص مثل هذه القرارات الكبرى، لا تقع أساسا ضمن نطاق واجباته وصلاحياته، فالإشارة إلى مثل هذه الأمور والقرارات دون أي فائدة، لن تؤدي إلا إلى خلق الأزمات في البلاد، فأمور مثل الاستراتيجيات العامة ومبادئ السياسة الخارجية للدولة، وقيادة القوات المسلحة، وقرارات الحرب والسلم، كذلك الجوانب العامة للحكم، تخرج عن نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي من اختصاص قائد الثورة فحسب”.