كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل زاد إيران في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
أصبحت هجرة الرياضيين، لا سيما في الدول النامية، قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، وقد اكتسبت في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا في الأوساط الرياضية والاجتماعية. ومع تصاعد هذه الظاهرة، بات “هروب العضلات” أكثر وضوحا من “هروب العقول”.
تمثل الهجرة إلى الدول الأوروبية حلما لكثير من الرياضيين، حيث ترتبط غالبا بفرص الدخل المرتفع، والحياة المرفهة، وضمان المستقبل. إلا أن الواقع قد يكون مختلفا، إذ يواجه العديد من المهاجرين تحديات جدية تعيق تطورهم المهني وتؤدي في بعض الحالات إلى الإحباط والتراجع في مسيرتهم الرياضية.
ومن بين أبرز العقبات التي تواجههم بعد الهجرة: الفروقات الثقافية، ونقص الدعم، والمنافسة الشرسة، والتمييز العنصري، لذا، تُظهر التجارب أن حلم الهجرة قد يتحول إلى واقع معقد وصعب، مما يتطلب استعدادًا دقيقًا ووعيًا عميقًا قبل اتخاذ هذه الخطوة.
أصبحت هذه الظاهرة واضحة في إيران مع بروز رياضيين بارزين مثل كيميا علي زاده، أول امرأة إيرانية تحقق ميدالية أولمبية. ورغم الدعم الكبير الذي حصلت عليه داخل إيران، إلا أنها، تحت وطأة الضغوط الاجتماعية وتأثيرات مشورة غير صائبة، قررت مغادرة إيران.
تعكس هذه الحالة واقعا مؤلما يعيشه العديد من الرياضيين الإيرانيين الموهوبين، حيث تتحول الآمال الكبيرة خارج البلاد أحيانا إلى خيبات أمل وعقبات غير متوقعة، وتؤكد تجربة سعيد مولائي وغيرهم من الرياضيين صحة هذه الظاهرة.
كيميا علي زاده تعد واحدة من أبرز الأمثلة على هجرة الرياضيين الإيرانيين، فبالرغم من الدعم الواسع الذي حظيت به في إيران ومكانتها كرمز وطني، إلا أنها تأثرت بالضغوط الإعلامية والتأثيرات الخارجية، مما دفعها لاتخاذ قرار الرحيل.
لكن بعد هجرتها، لم تستطع علي زاده الحفاظ على مستواها السابق، فقد شاركت في أولمبياد طوكيو ضمن فريق اللاجئين، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة. وفيما بعد، حصلت على الجنسية البلغارية ومثّلت بلغاريا في المنافسات الدولية، إلا أنها لم تتمكن من استعادة مكانتها اللامعة في عالم الرياضة كما كانت في السابق.
أفادت صحيفة “دنياي اقتصاد” الإيرانية بأن كيميا علي زاده أخبرت أحد المقربين منها قائلة: “منذ أشهر، وزوجي يتحدث عن الهجرة، مؤكدا أن مستقبلي المهني سيكون أكثر إشراقا خارج إيران، لقد تواصل مع أشخاص في هولندا وكندا لترتيب برامجي الرياضية وتأمين الدعم المالي لنا.”
لاحقا، وبعد انفصالها عن زوجها، تبيّن أن دوره في قرار هجرتها لم يكن بدافع مصلحتها الرياضية، بل لتحقيق رغبته الشخصية في مغادرة إيران، مما كشف بُعدا آخر لهذه القصة.
ولا تعدّ هذه الحالة الوحيدة، فقد شهدت الرياضة الإيرانية تجارب مماثلة، أبرزها قضية سعيد مولائي، لاعب الجودو الإيراني البارز، الذي لجأ إلى ألمانيا نتيجة ضغوط سياسية دولية، إلى جانب تلقيه دعما خارجيًا ونصائح غير موفقة من بعض المقربين. وفي النهاية، مثّل منتخب مغوليا، وحقق بعض النجاحات، لكنه لم يعد يُعتبر من الأسماء اللامعة في الرياضة الإيرانية كما كان سابقا.
إضافة إلى ذلك، لعبت بعض الدول الغربية دورًا بارزا في استقطاب الرياضيين الإيرانيين، مستغلة النشاط المنظم لجماعة مجاهدي خلق، التي تسعى إلى إغراء الرياضيين بوعود كاذبة. وتستخدم هذه الجهات وسائل الإعلام، العروض المالية، والإمكانات المغرية لإقناع بعض الرياضيين الموهوبين بمغادرة إيران.
غير أن التجارب أظهرت أن كثيرًا من هذه الوعود لم تكن سوى سراب، حيث يجد الرياضيون أنفسهم بعد الهجرة في مواجهة تحديات صعبة تهدد مسيرتهم الرياضية.
عدد من الرياضيين الذين حظوا بدعم واسع داخل إيران وحققوا إنجازات بارزة، وجدوا أنفسهم بعد الهجرة على الهامش، غير قادرين على استعادة نجاحاتهم السابقة. البعض منهم وقع ضحية وعود لم تتحقق، مما أدى إلى أزمات نفسية ومالية دفعتهم في النهاية إلى اعتزال الرياضة الاحترافية.
على سبيل المثال، في أولمبياد باريس 2024، أعلن المصارع الإيراني صباح شريعتی، الذي كان يمثل أذربيجان، اعتزاله نهائيا بعد هزيمته أمام منافسه الإيراني، في مشهد يعكس المصير الذي واجهه العديد من الرياضيين بعد مغادرتهم وطنهم.
إلى جانب ذلك، تستخدم بعض الدول الغربية الرياضيين المهاجرين كأدوات دعائية ضد إيران، ومن أبرز الأمثلة على ذلك علي كريمي، اللاعب السابق في المنتخب الإيراني، الذي انتقل إلى الخارج بعد اعتزاله، ليصبح منصة للترويج لسياسات غربية ودعم الاحتجاجات الداخلية. وهذا على الرغم من أنه خلال مسيرته في إيران كان يتمتع بامتيازات ودعم كبير، ولم يواجه المشكلات التي يتحدث عنها اليوم.
هذه الحالات تسلط الضوء على أن هجرة بعض الرياضيين لا تعود فقط إلى التحديات الداخلية، بل تتأثر أيضا بالدعاية المضللة والضغوط الخارجية، مما يعكس البعد السياسي الذي يُستخدم أحيانا لدفع الرياضيين إلى قرارات قد لا تخدم مسيرتهم على المدى البعيد.
يكشف تحليل ظاهرة هجرة الرياضيين الإيرانيين أن كثيرا منهم لم يتمكنوا بعد مغادرتهم البلاد من تحقيق نفس المستوى من النجاح والشهرة، ولا تقتصر تبعات هذه الهجرة على الرياضيين أنفسهم، بل تمتد أيضًا إلى الدول المستضيفة، التي تواجه تحديات في استيعابهم ودعمهم على المدى الطويل.
غالبا ما يواجه الرياضيون المهاجرون صعوبات في التأقلم مع الثقافة الجديدة، مشكلات قانونية تتعلق بالإقامة، وانخفاضا في أدائهم الرياضي بسبب عدم التكيف مع البيئة الجديدة. من ناحية أخرى، تتخلى عنهم بعض الدول المستضيفة بعد فترة، فتُترك العديد من هذه المواهب بلا دعم، مما يدفع بعضهم إلى العودة أو العيش في ظروف صعبة بعيدًا عن عالم الاحتراف.
وللحد من هذه الظاهرة، من الضروري دراسة أسبابها بدقة وتقديم حلول عملية تقلل من دوافع الهجرة لدى الرياضيين. ويشمل ذلك تحسين أوضاعهم المالية، وتوفير بيئة رياضية محفزة، وضمان مستقبل مستقر داخل بلادهم، كما أن مواجهة الدعاية الخارجية والتأثيرات الإعلامية التي تشجع على الهجرة يعد أمرا بالغ الأهمية.
جدير بالذكر أن العديد من الرياضيين الذين قرروا الهجرة يدركون لاحقا أنهم ارتكبوا خطأً، لكن الشعور بالإحباط والخذلان يجعل قرار العودة نفسيا صعبا وأحيانا مستحيلا بالنسبة لهم.