كتب: ربيع السعدني
تصاعدت أعداد المستثمرين الأجانب الهاربين من إيران في السنوات الأخيرة حتى وصفتها صحيفة “دنياي اقتصاد” الإصلاحية بعملية “تساقط أحجار دومينو الاستثمارات الأجنبية” بعد أن تفاقمت المخاوف مع تقارير صدرت في 14 يناير/كانون الثاني 2025، تفيد بأن مستثمرا هولنديا يمتلك نحو 33% من أسهم شركة “Digikala” يخطط للخروج أيضا من السوق الإيرانية، كما كشفت صحيفة “همشهري أونلاين” سابقا عن انسحاب المستثمر في شركة “فيفان”، التي تدير مجموعة سلاسل تضم أكثر من 100 فرع في عموم إيران، كما وصل “دومينو خروج المستثمرين الأجانب” من إيران إلى “ديجيكالا”، وسط تردد أنباء عن رحيل شركة (IIIC) الأوروبية للاستثمارات التي تملك نحو 33% من أسهم “ديجيكالا”، قريبا من إيران، حسبما نشرت صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية يوم 14 يناير/كانون الثاني 2025.
“صافولا” و”هايبر ستار”.. أول الأحجار المتساقطة
في وقت سابق، شهدت الأشهر الأخيرة انسحاب شركات إقليمية ودولية بارزة من السوق الإيرانية وفقا لصحيفة “همشهري أونلاین“، أبرزها مجموعة “صافولا” السعودية التي كانت تسيطر على أكثر من 50% من سوق الزيوت النباتية في البلاد، فقد قامت المجموعة فجأة ببيع رأس مالها ونقل حصتها إلى شركة أخرى، وتبع ذلك تقارير حول احتمال خروج مجموعة “ماجد الفطيم” الإماراتية، المستثمر الرئيسي وراء سلسلة متاجر “هايبر ستار” من السوق الإيرانية.
كما اكتسبت هذه التقارير مصداقية أكبر عندما أكد نائب رئيس بلدية طهران للشؤون المالية والاقتصادية نقل ملكية أحد فروع “هايبر ستار” في شارع باكري إلى “بنك شهر”، وقد أعلن البنك لاحقا استحواذه على هذه الملكية لتسوية ديون مستحقة، ورغم نفي رئيس اتحاد متاجر السلاسل في إيران، محمد علي خراساني، انسحاب “ماجد الفطيم”، فإن رئيس غرفة التجارة الإيرانية-الإماراتية، فرشيد فرزانكان، أكد ذلك بطريقة غير مباشرة.
جاء ذلك من خلال تغريدة له عبر منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي يوم 12 يناير/كانون الثاني 2025، وصف فيها فرزانكان انسحاب العلامات التجارية الأجنبية بأنه “ناقوس خطر للاقتصاد”، متسائلا عمّا إذا كانت هذه الشركات قد حصلت على معلومات غير متاحة للعامة.
أسباب الانسحاب من السوق الإيرانية
ترجع بعض الأسباب وراء انسحاب شركة “صافولا” من السوق الإيرانية، بحسب موقع “اقتصاد أونلاین”، إلى ارتفاع أسعار 114 صنفا من الزيوت النباتية والحلويات بنسب تتراوح بين (15 و21%)، استنادا إلى الأسعار المعتمدة من قبل مجموعة عمل تنظيم السوق، إضافة إلى فرض العقوبات الاقتصادية والقيود الدولية، وارتفاع معدلات التضخم، وانعدام الشفافية، والقوانين التي تحمي المستثمرين الأجانب.
علاوة على ذلك، ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى السلطة من جديد وتشديد العقوبات على إيران، غادرت الغالبية العظمى من المستثمرين الأجانب إيران، حتى أصبح عدد أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية الكبيرة في إيران حاليا أقل من أصابع اليد، بحسب تعبير صلاح ورزي، رئيس غرفة التجارة الإيرانية: “في الوقت الراهن، ونظرا إلى الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، فإن انسحاب مستثمرين عرب من إيران يرسل رسالة أو إشارة غير مرغوب فيها للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء”.
ومع خروج اسثمارات “صافولا” من السوق الإيرانية طبقا لـ”ورزي”، فقد شهدنا نقصا مؤقتا في النفط في السوق المحلية، وارتفاعا ملحوظا في سعره دون سبب في الأيام الماضية، وبالنظر إلى أهمية وجود إيران في سلسلة القيمة الدولية (Global Value Chain)، فمن المتوقع أن يفكر صناع السياسة في خطة لتعزيز وجود إيران على الساحة العالمية”، وأضاف: “إن الاعتماد على رأس المال الأجنبي يمكن أن يلعب دورا مهما وفعالا في تحقيق القدرات الاقتصادية للبلاد، كما يؤدي جذب رأس المال الأجنبي إلى تحسين التنمية الصناعية، وخلق فرص العمل، ورفع مستوى الرفاهية العامة، وينبغي أن يتبعه صانع السياسات كاستراتيجية كلية”.
وفي هذا الصدد، أرجعت صحيفة “دنياي اقتصاد” الإصلاحية سبب ذلك الهروب إلى الحصة الكبيرة من التجارة التي تقوم بها هذه الشركات مع الدول الغربية والولايات المتحدة والتي يكون لها تأثير كبير على عملية صنع القرار بشأن أنشطة الإنتاج والتجارة المشتركة مع طهران، وفي إشارة إلى القيود والتحذيرات المفروضة على الشركات الصينية في تجارة النفط الإيرانية، قال فرشيد فرزانكان، رئيس غرفة التجارة الإيرانية-الإماراتية: “لا شك في أنه في المستقبل القريب، فإن أي تفاعل تجاري مع إيران سوف يخضع لغرامات باهظة من صناع القرار الغربيين، ونتيجة لذلك، فإن العديد من الشركات متعددة الجنسيات سوف تغلق أبوابها أو الدخول في شراكات مربحة مع الدول الغربية، وستفضل الاستثمار في إيران”، وفي إشارة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها إيران، أعلن فرزانكان أن “الظروف الاقتصادية في إيران والتضخم وارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض القدرة الشرائية للناس أدت إلى خفض أرباح العديد من الشركات الأجنبية في إيران”.
ورغم نجاحاتها المذهلة، أعلنت مجموعة “صافولا” في يناير/كانون الثاني 2025 أنها ستخرج من السوق الإيرانية، ويأتي هذا القرار بحسب ما نشرته صحيفة “شرق” اليومية في 3 يناير/كانون الثاني 2025، نتيجة لمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.
▪︎ العقوبات الاقتصادية ومشاكل التحويلات المالية: لقد كانت للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، خاصة في السنوات الأخيرة منذ انسحاب دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2017، آثار عميقة على الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، ولم تكن شركة “صافولا” استثناءً لهذه القاعدة وكانت المشاكل المتعلقة بتحويلات العملات وتوريد المواد الخام من بين التحديات الرئيسية التي واجهتها الشركة.
▪︎ زيادة المنافسة المحلية: خلال العقد الماضي، تمكنت الشركات الإيرانية في مجال إنتاج الزيوت الصالحة للأكل والسكر من خلق منافسة كبيرة أثرت على أرباح “صافولا” من خلال تحسين التكنولوجيا وزيادة القدرة الإنتاجية.
▪︎ إعادة النظر في استراتيجية الاستثمار: في السنوات الأخيرة، أعادت “صافولا” النظر في استراتيجيتها وقررت التركيز على الأسواق الأكثر استدامة وربحية، وكان الخروج من الأسواق التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية جزءا من هذه الاستراتيجية.
تراجع القوة الشرائية
وفي سياق متصل، أشار المستثمران حسن وحميدة هاشمي، أصحاب سلسلة متاجر “فيفان”، إلى أن “الخسائر الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع والتراجع الحاد في القوة الشرائية” كانت السبب الرئيسي وراء قرارهما الانسحاب من السوق الإيرانية، حسبما نشرت وكالة “مهر” للأنباء يوم السبت 25 يناير/كانون الثاني 2025، تصريحات الشريكين اللذين أرجعا سبب مشاكل الشركة، وفقا للدراسات التي أجراها الخبراء، إلى غياب المسؤولية عن شريك “فيفان” التجاري التركي، وايت فلاور، الذي تسبب في مشاكل كثيرة للشركة، ولكن بفضل إصرار ووطنية المستثمرين الإيرانيين تم التغلب على هذه المشاكل.
مؤشر سلبي للغاية
ويُعد هروب الاستثمارات الأجنبية مؤشرا سلبيا للغاية وخلق حالة من الارتباك داخليا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وفقا لما ذكره رئيس غرفة التجارة الإيرانية حسين ورزي، في مقابلة مع صحيفة “دنياي اقتصاد” الإصلاحية حول انسحاب مجموعتي “صافولا” و”هايبر ستار”، بأنه مقلق للغاية وقال: “بقيت صافولا في إيران حتى خلال فترات التوتر الشديد بين إيران والسعودية، مثل إغلاق السفارات، كما استمرت (هايبر ستار) في العمل رغم تشديد العقوبات الأمريكية خلال رئاسة دونالد ترامب.. انسحابهما في الظروف الحالية يثير تساؤلات جدية”.
كما أدى التقاء الأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والتقلبات الشديدة في العملة، إضافة إلى مخاطر الاستثمار والتضخم المتصاعد وتراجع القوة الشرائية، طبقا لتقرير صحيفة “دنياي اقتصاد”، إلى خلق بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية في إيران، ويسلط خروج الشركات الأجنبية الضوء على تفاقم هذه التحديات، مع تقييم المستثمرين للوضع الاقتصادي والسياسي على أنه غير قابل للاستمرار.
2.5 مليون شركة مسجلة
وفي هذا الصدد، تم حل 650 ألف شركة في إيران، وفقا لتقرير وكالة “تسنيم” للأنباء التابعة للحرس الثوري، الصادر في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، وتشير البيانات الرسمية عبر موقع (rasm.io)، إلى أن عددا كبيرا من الشركات التي تأسست في البلاد غير نشطة، وبحسب هذه الإحصائيات فقد بلغ عدد الشركات التي تأسست في البلاد نحو 2.5 مليون شركة، منها (1.395.383) شركة عاملة و(650.363) شركة غير نشطة أو عاملة، وهي إما أن يكون قد تم حلها وتصفيتها بإعلان إفلاسها، أو أن المؤسسين بعد تأسيس الشركة توصلوا إلى نتيجة، مفادها أنه يجب عليهم حل الشركة دون البدء في عملياتها.
1.1 مليون شركة ورق!
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن (rasm.io)، فإنه من إجمالي 1.395.383 شركة نشطة في البلاد، هناك 285.151 شركة فقط نشطة ولديها رمز اقتصادي، أما الشركات المتبقية البالغ عددها 1.110.232 شركة فلا يوجد لديها ملف ضريبي، بمعنى آخر، من إجمالي نحو 1.4 مليون شركة في البلاد، هناك 1.1 مليون شركة ليست لديها سجلات ضريبية، ومن ثم فإنها تعد شركات غير نشطة عمليا؛ لأنها لا تمتلك أي نشاط مسجل، إنها عبارة عن مجموعة من الشركات الورقية.