كتبت: شروق السيد
أثارت سياسة حجب الإنترنت في إيران جدلا واسعا خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع استخدام نسبة كبيرة من المواطنين برامج كسر الحجب (VPN) للوصول إلى المحتوى المحظور، في وقت تتزايد فيه الأصوات المطالبة بتعديل هذه السياسة، يبدو أن الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان بدأت في إعادة النظر في سياستها الرقمية.
قرار السلطات الثلاث بتغيير سياسة الحجب في إيران
كتبت الصحيفة الإيرانية “فرهيختكان“: في هذه الأيام، قلّما تجد شخصا لا يمتلك تطبيق كسر الحجب (VPN)، وهو أمر يتناقض مع الهدف الأساسي من “الحجب” أو الحظر، الذي يُفترض أنه يهدف إلى حماية أمن المواطنين، كل هذه المعطيات دفعت حتى الوزراء ورؤساء الجمهورية، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، للإشارة إلى أن استمرار حظر بعض التطبيقات ومنصات التواصل لم يعد ضروريا بل قد يسبب أضرارا، ومع ذلك، الحل الجذري لهذه المشكلة يجب أن يُناقش في المجلس الأعلى للفضاء السيبراني.
وتابعت الصحيفة مشيرة إلى سياسات الحكومة الإيرانية الحالية في قضية حجب الإنترنت وقالت: اللافت أن الحكومة الحالية للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تبدو أكثر جدية هذه المرة بشأن رفع الحظر، حيث قدمت وزارة الاتصالات خطة تنفيذية لسياسات التصفية إلى المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وتم تشكيل لجنة داخل المجلس لدراسة هذه الخطة، الآن يبقى الانتظار لمعرفة القرار النهائي للمجلس بشأن هذه المسألة، وبحسب ما ورد لـ”فرهيختكان”، فإن رؤساء السلطات الثلاث متفقون حتى الآن على ضرورة رفع الحظر، وهو اتفاق يمكن أن يمهد الطريق لحل هذه المشكلة.
مراجعة سياسات القيود على الإنترنت بعد شهرين من النقاش
وأشارت الصحيفة إلى الجلسة التي عقدت بحضور الرئيس الإيراني، وقال: عُقدت الجلسة الثانية للمجلس الأعلى للفضاء السيبراني يوم الثلاثاء، 12نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وقد ركز رئيس الجمهورية في حديثه، على تزايد السخط الاجتماعي كموضوع محوري، وخلال الاجتماع، أشار مسعود بزشكيان إلى أن “استمرار الحظر، مع الأخذ في الاعتبار حالة الاستياء التي تسببها، غير مقبول بالنسبة للمواطنين”، وقدمت وزارة الاتصالات خلال الجلسة خطة تتعلق بسياسات الحظر، حيث تمت مناقشتها واستعراض وجهات نظر المؤسسات المختلفة بشأنها، وفي نهاية الجلسة، أمر رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة ضمن المجلس الأعلى للفضاء السيبراني لدراسة هذه الخطة واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
إضافة إلى ذلك، تم عرض تقرير عن المشكلات التي يواجهها قطاع الأعمال في المجال الرقمي بسبب الحظر، وبعد الاجتماع، صرّح وزير الاتصالات بأن الخطة، المعروفة بـ”خطة إعادة فتح المنصات المحظورة بمنظور الحكم القانوني”، قد تمت مناقشتها سابقا في جلستين ضمن اجتماعات قادة السلطات، وتم طرحها الآن في المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، هذه الخطة، بعد مرور شهرين تقريبا من الدراسة في مجالات متعددة، وصلت أخيرا إلى المجلس للنقاش.
استخدام برامج كسر الحجب
وتطرقت الصحيفة الإيرانية إلى موضوع استخدام الشعب الإيراني برامج كسر الحجب وقالت: استخدام 80% من الناس لبرامج كسر الحجب للوصول إلى محتوى تطبيقات المراسلة فتح بابا واسعا لمافيا بيع هذه البرامج، وبحسب الإحصائيات التي نشرتها جمعية التجارة الإلكترونية في إيران، فإن حجم التداول المالي لبرامج كسر الحظر في إيران يبلغ سنويا على الأقل 50000 مليار ريال، هذا الكم الهائل من الأموال الذي يتجه إلى جيوب تجّار برامج كسر الحجب يلحق ضررا مباشرا بالاقتصاد الإيراني، في حين أنه إذا دخل هذا المال في الدورة الاقتصادية الرسمية، فإنه يمكن أن يساهم بشكل كبير في نمو الاقتصاد وتحسين أوضاع المواطنين.
هذا يحدث في وقت يؤدي فيه شراء وبيع برامج كسر الحظر، إضافة إلى استنزاف المال، إلى تهديد أمن وخصوصية المستخدمين، استمرار سياسة الحظر بالشكل الحالي يخدم مصلحة بائعي برامج كسر الحظر ويُبقي سوقها السوداء مزدهرة.
رؤساء السلطات الثلاث متفقون على حل أزمة الحجب
وتابعت الحديث عن الجلسة التي عقدت في هذا الصدد خلال الشهر الجاري، وقالت: تمت مناقشة معظم هذه القضايا في جلسة المجلس الأعلى للفضاء السيبراني التي عُقدت في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ويبدو أن هناك الآن عزيمة أكثر جدية من ذي قبل لتنظيم وضع القيود على الإنترنت في إيران، وباستثناء مصممي خطة “الحماية” والمؤيدين لاستمرار الحجب بالشكل الحالي، تشير المعلومات التي حصلت عليها صحيفة فرهيختكان إلى وجود توافق في الآراء بين رؤساء السلطات الثلاث بشأن ضرورة تغيير الوضع الحالي للحجب في إيران.
هذا التوافق بين رؤساء السلطات الثلاث أثار الأمل في البداية بأن الحاجة إلى تغيير سياسات الحجب يعيها المستويات العليا في الدولة، مما يعزز احتمالية حدوث تطور إيجابي في نظام الحوكمة بهذا الشأن، ومع ذلك، يجب أن يتم اتخاذ هذا القرار بعيدا عن التسرّع، مع مراعاة جميع جوانب القضية.
تحقيق تقدم إيجابي في هذا المجال سيترك أثرا إيجابيا أوليا على الثقة والرضا الاجتماعي، كما سيعكس تعاملا عقلانيا من نظام الحوكمة مع قضية الحظر، بما يراعي مبادئ الحوكمة الرشيدة واحتياجات المواطنين في الوقت نفسه.
أزمة الإنترنت وبزشكيان
وعود الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان برفع القيود على الإنترنت
قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان: “العالم يتجه بسرعة نحو الوصول إلى الإنترنت منخفض التكلفة وعالي السرعة، وقد جئت لإزالة العقبات أمام وصول المواطنين وأصحاب الأعمال إلى أحدث تقنيات العصر.” وأكد أن الحكومة ستقف بكل قوتها ضد الحجب.
وخلال المناظرة الثالثة أثناء ترشحه للانتخابات قدم بزشكيان حلولا تتعلق بمجال الفضاء السيبراني، مشيرا إلى أن فرض الحظر أدى إلى فقدان العديد من الوظائف، وذكر أن العديد من الأشخاص الذين كانوا يعتمدون على الفضاء الرقمي في معيشتهم تضرروا بشكل كبير، من جراء سياسة الحظر، مما أثر على حياة الملايين من المواطنين بسبب هذا القرار.
كما أعلن بزشكيان في تصريحاته، أنه يؤمن بضرورة فتح الوصول إلى الفضاء الرقمي، وأشار إلى أن “منصة مثل تويتر تعدّ مكانا للتعلم، حيث يمكننا اكتساب كثير من المعارف وزيادة تواصلنا”.
وأكد أنه مع انتشار استخدام برامج كسر الحظر، أصبح الوصول إلى المحتويات غير الأخلاقية أكثر سهولة، وأضاف: “يجب على الحكومة أن تراقب وتمنع المستخدمين من الوصول إلى تلك الفضاءات”.
وأشار إلى أن الحكومة، من خلال فتح الإنترنت، يمكنها إدارة هذه الفضاءات بشكل أفضل، حيث يمكنها منع المستخدمين من الوصول إلى المواقع غير المناسبة مع السماح لهم في الوقت ذاته باستخدام هذا الفضاء بشكلٍ إيجابي، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “إيسنا“.
بعد توليه الحكم
بعدما أصبح الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان، رئيسا للحكومة الرابعة عشرة، أصبح موضوع رفع الحجب وتشريع الفضاء الرقمي مطلبا من جديد، في العاشر من شهر سبتمبر/أيلول 2024، قال مسعود بزشکیان في مقابلة خاصة، إنّه من أجل الوصول إلى قانون للفضاء الرقمي وتوفير البيئة اللازمة للمواطنين، يجب اتخاذ قرار في المجلس الأعلى للفضاء السيبراني.
وفي 15 سبتمبر/أيلول 2025، حظي هذا الاقتراح بدعم من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، حيث أشار إلى تأكيد المرشد بشأن الحوكمة القانونية في الفضاء الرقمي، ورأى أن وضع خارطة طريق في هذا المجال بالمجلس الأعلى للفضاء الرقمي، باعتباره الهيئة المتخصصة المعنية، ومجلس الوزراء أمر ضروري، وأعلن أنه إذا كانت هناك حاجة لتصديق القوانين، فإن البرلمان سيحيل مشروع القانون إلى اللجان المعنية بشكل عاجل، وذلك حسبما ذكرت الصحيفة الإيرانية “فرهيختكان“.
اجتماع المجلس الأعلى للفضاء الرقمي بحضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان
عُقد يوم الثلاثاء 12 فبراير/تشرين الثاني 2024، اجتماع المجلس الأعلى للفضاء السيبراني بحضور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأشار بزشكيان إلى موضوع رفع الحجب على الإنترنت، مضيفا أن أهداف هذه الخطة لم تتحقق بعد، وقال: “نحن نؤكد ضرورة تطوير الحوكمة في الفضاء السيبراني من أجل منع الأضرار، ونعتقد أن الاستمرار في هذا النهج؛ نظرا لما يسببه من استياء واسع بين الناس، ليس مقبولا”.
في هذا السياق، أمر الرئيس الإيراني، الأمين العام للمجلس الأعلى للفضاء الرقمي بتشكيل مجموعة عمل على وجه السرعة لدراسة مختلف جوانب هذا الموضوع وتقديم النتيجة في الجلسة المقبلة للمجلس الأعلى للفضاء السيبراني.
كما صرّح سيد محمد أمين آقا ميري، أمين المجلس الأعلى ورئيس المركز الوطني للفضاء السيبراني، قائلا: “عُقد الاجتماع الثاني للمجلس الأعلى للفضاء السيبراني برئاسة مسعود بزشكيان وبحضور أعضاء هذا المجلس”.
وفي ما يتعلق بتفاصيل الاجتماع، أوضح قائلا: “في بداية الاجتماع، قدم المركز الوطني للفضاء الرقمي تقريرا حول آخر المستجدات بشأن جودة الشبكة وإمكانية وصول المواطنين إلى الإنترنت، إضافة إلى المشاكل التي واجهتها الأعمال في الفضاء الرقمي”.
وأشار أمين المجلس الأعلى للفضاء السيبراني إلى أنه “تم في هذا الاجتماع، وفي سياق الوعد الذي قدمه رئيس الجمهورية سابقا، مناقشة موضوع سياسات الحجب”.
وفقا لما أعلنه المركز الوطني للفضاء الرقمي، أشار أيضا إلى أنه بعد تقديم آراء الجهات المختصة، تم طرح الخطة التنفيذية لوزارة الاتصالات في ما يتعلق بسياسة الحجب. وفي النهاية، أصدر رئيس الجمهورية توجيها بتشكيل لجنة في المركز الوطني للفضاء السيبراني للعمل بشكل مهني على هذه الخطة، بحيث يتم تقييمها بدقة، وسيتم عرض خلاصة عمل هذه اللجنة في الجلسة القادمة، وذلك حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “إيسنا“.