ترجمة: علي زين العابدين برهام
بينما يتبع صناع القرار في إيران سياسة الغموض في المفاوضات مع ترامب، فإن التحولات الدولية أصبحت أكثر من أي وقت مضى تحول الغموض في المطالب التفاوضية إلى ميزة لمعارضي المفاوضات مع الولايات المتحدة.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” تقريراً 29 يناير/كانون الثاني 2025، ذكرت فيه أن الشرط الأساسي لأي مفاوضات على أي مستوى هو الاطلاع الكامل على مطالب الأطراف المعنية التي تنوي التفاوض مع بعضها البعض، بدون معرفة هذه المطالب ودخول الطرفين في موقع التفاوض، إما أن يؤدي ذلك إلى تقليص المفاوضات إلى مجرد حوار يتبع سياسة “التفاوض من أجل التفاوض”، أو أن تفضي المفاوضات إلى فرض مطالب الطرف الآخر.
وذكرت أنه بينما تُظهر تجربة المفاوضات في إيران خلال العقدين الماضيين إصرار صانع القرار الإيراني على إجراء المفاوضات مع غموض في شروطه ومتطلباته، فإن هذا الغموض قد يتحول، رغم أنه قد يُستغل كحيلة دعائية في الإعلام الداخلي، إلى عائق حقيقي في المراحل النهائية. في النهاية، ما يهم هو نص الاتفاق الذي يجب الموافقة عليه أو رفضه.
وأوضحت أنه وفي ظل هذه الظروف، ومع وجود انقسام داخلي بين مؤيدي ومعارضي المفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث تم وضع مؤيدي العقوبات في مواجهة المتضررين منها، سعى صانع القرار الإيراني إلى اتباع سياسة الغموض، وذلك بهدف إيجاد مسار يتجاوز النصوص النهائية للاتفاق، عبر أدوات مثل صياغة القوانين أو إضافة شروط ضمنية للعقود التي لا تحمل أي دلالة قانونية إلا داخل إيران.
وأشارت إلى هذا النهج يعرض أي اتفاق سياسي مع الدول الصديقة أو الخصوم إلى مأزق. في المقابل، الطرف الأمريكي في الوضع الحالي قد كشف بوضوح عن شروطه العامة في المفاوضات، وأكد ضمنياً أن أي نجاح في المفاوضات مع إيران مرهون بإطار معين للمحادثات.
وتابعت أنه في هذا السياق، وفي رده على سؤال حول إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران قبل الانتخابات، قال ترامب: “بالطبع، سأقوم بذلك، يجب أن نتوصل إلى اتفاق لأن العواقب ستكون وخيمة، يجب أن نتفق”. وقبل تصريحات ترامب، كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد صرح في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن طهران مستعدة لاستئناف الحوار بشأن المفاوضات النووية، إلا أنه أشار إلى أن التوترات في منطقة الشرق الأوسط قد تُعقد عملية استئناف المفاوضات.
وأشارت إلى أنه وفي حديثه الأسبوع الماضي مع شبكة “فوكس نيوز”، حدد الرئيس الأمريكي الإطار العام لمطالبه من المفاوضات مع إيران، قائلا: “أريد أن يكون لدى الإيرانيين دولة كبيرة وموارد ضخمة، إنهم شعب عظيم، لكن الشيء الوحيد الذي قلته عن إيران هو أنهم لا يمكنهم امتلاك أسلحة نووية. هناك طرق للتحقق من ذلك وضمانه، إذ يجب فحص أي اتفاق بدقة متناهية”.
وتابعت أنه قد أفاد الدبلوماسيون الأوروبيون الأسبوع الماضي لموقع “أكسيوس” بأن إيران قد أكدت في مفاوضاتها الأخيرة معها أنها تسعى لبدء محادثات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد يختلف عن الاتفاق السابق (برجام)، وأنها تنتظر إعلان خطة أو اقتراح من الولايات المتحدة. في ذات الوقت، أيدت إليز ستيفانيك، المندوبة الأمريكية الجديدة في الأمم المتحدة، وماركو روبيو، وزير خارجية ترامب، تفعيل آلية “الزناد” ضد إيران، وهي خطوة كانت الدول الأوروبية قد أعلنت استعدادها للقيام بها، مما قد يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران.
وأفادت بأن وزير الخارجية الإيراني أكد في مقابلة مع “سكاي نيوز”، رداً على سؤال حول استعداد إيران للتفاوض مع الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب: “لا أستبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد أو جولة جديدة من المفاوضات، لكنني أود الإشارة إلى حقيقة مهمة، لقد زادت مستويات انعدام الثقة لدينا مقارنة بالمرة السابقة. أولاً، يجب أن توجد ثقة، ومن أجل أن تدخل إيران مجدداً في مفاوضات، يجب أن تُبنى الثقة الكافية. أعتقد أننا ما زلنا بعيدين عن ذلك. نعم، الاتفاق أمر جيد، ولكن أي اتفاق؟”.
وأوضحت ما صرح به مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، لوكالة “إيسنا” مستنداً إلى اعترافات الغربيين بأن سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجها ترامب قد فشلت، وأن التطورات الإقليمية لا علاقة لها بالقضية النووية وملف المفاوضات الإيراني. وعند سؤاله عما إذا كانت لديهم “خطة تجاه إدارة ترامب والسياسات المحتملة لها”، أجاب: “بالتأكيد نفكر في هذا الموضوع ونتشاور مع أصدقائنا. ليس من المنطقي أن ننتظر ترامب ليحدد سياسته تجاه إيران، ثم نبدأ نتذكر ما يجب أن نفعله. لقد فكرنا في هذا الأمر منذ فترة طويلة وتبادلنا الآراء مع أصدقائنا”.
وأضاف تخت روانجي أن هناك أفكاراً مطروحة، لكن يمكن تنفيذ هذه الأفكار فقط عندما نعرف السياسة الدقيقة للطرف الآخر، وتابع قائلاً: “من المهم أن نرى ما إذا كان المحيطون بترامب هم فعلاً من المتشددين، وإذا كانت التصريحات التي أدلى بها أثناء الحملة الانتخابية ستكون قابلة للتنفيذ أم لا. هذه أمور تحتاج إلى الصبر والتريث، وفي الوقت نفسه، يجب أن نكون مستعدين للأسوأ”.
وبيّنت ما يُشير إليه المراقبون السياسيون بأنه في هذه الظروف، من المحتمل أن إدارة ترامب إذا قررت الدخول في مفاوضات، فلن تقتصر هذه المحادثات على البرنامج النووي الإيراني فقط، بل ستشمل أيضاً البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية لإيران، مما سيزيد من تعقيد وصعوبة المفاوضات.
وأشارت إلى ما أعلنه رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما زالت في مفاوضات مع المسؤولين الإيرانيين، معرباً عن أمله في أن تتخذ إدارة ترامب خطوة نحو التفاعل مع إيران للتوصل إلى اتفاق جديد.
وذكرت أن المرشد الإيراني علي خامنئي أكد في لقائه مع المسؤولين وسفراء الدول الإسلامية، الذي حضره معظم كبار المسؤولين باستثناء سعيد جليلي، قائلاً: “لنفتح أعيننا ونكُن يقظين فيمن نتعامل معه، مع من نفاوض ومن نتحدث”.
وأضافت أن هذا الموقف فُسِّر على شبكات التواصل الاجتماعي ومن قِبل الرأي العام على أنه تفويض مبدئي من المرشد الإيراني لحكومة مسعود بزشکیان للانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة. تفسير غامض لا يزال يترك المطالب الإيرانية في مواجهة الولايات المتحدة دون إطار واضح ومحدد.
واختتمت التقرير بذكر ما صرح به علاء الدين بروجردي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، للوكالة قائلاً: “حالياً، التفاوض مع الولايات المتحدة لا يمكن أن يتم إلا بإذن من المرشد الإيراني علي خامنئي، وفق الظروف التي يرى فيها مصلحة. ولكن بشكل عام، فإن التفاوض مبدأ منطقي، بشرط أن يكون الهدف منه استعادة حقوق الشعب الإيراني المسلوبة، وتقليص العقوبات، وفي النهاية رفعها بشكل كامل”.