كتب: محمد بركات
بينما ينقسم الداخل الإيراني بين مؤيد ومعارض للسعي لعودة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تولّي دونالد ترامب ثانية لمنصب الرئيس الأمريكي، يبرز اسم علي لاريجاني، مستشار خامنئي ورئيس البرلمان السابق، كأحد من يدعمون مسار المفاوضات، ما جعله في مرمى نيران الأوساط الأصولية الرافضة للتفاوض.
كما يثير موقف لاريجاني التساؤلات حول إمكانية إعادة تعيينه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، واحتمالية أن يكون له دور بارز في إدارة المفاوضات المستقبلية مع الولايات المتحدة.
هل يعود لاريجاني أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي؟
بعد مرور أشهر على الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتي استبعد فيها اسم علي لاريجاني من الترشح، وبعد غيابه عن تصدر الأخبار، أعادت زيارات لاريجاني المفاجئة إلى سوريا ولبنان، والتي قام بها بتكليف من المرشد الإيراني علي خامنئي، اسمه إلى دائرة الضوء مرة أخرى، لتثير موجة جديدة من التكهنات حول مستقبله السياسي ودوره القادم. وذلك حسب ما أفاد به موقع “خبر أونلاين” في تقريره بتاريخ 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
عقب انتهاء زياراته، بدأت الأحاديث تزداد حول عودة لاريجاني إلى السلطة وتعيينه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي مرة أخرى. وتأتي هذه التكهنات في ظل عدم إصدار مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، حتى الآن قراراً بتمديد فترة علي أكبر أحمديان كأمين عام للمجلس الأعلى للأمن القومي، وعدم صدور قرار جديد بشأنه في الحكومة الحالية.
وحول المفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة ودور لاريجاني فيها، يقول محمد عطریان فر، الناشط السياسي الإصلاحي، إن علي لاريجاني شخصية سياسية ذكية، ويمكنه أن يلعب دوراً إيجابياً في المفاوضات.
وأضاف: “لقد شغل لاريجاني سابقاً منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وإذا تم منحه دوراً في المفاوضات، فإن وجوده يمكن أن يكون له تأثير إيجابي، وإذا كانت هناك إرادة حقيقية من القيادة العليا، بداية من المرشد وصولاً إلى الرئيس وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي، لتعديل المواقف وحل المشكلات، فمن المنطقي الاستفادة من قدرات شخصية مثل لاريجاني لدعم الحكومة”، وذلك وفق ما أفاد به تقرير موقع “خبر أونلاين” في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وكتب محمد علي ابطحي، رجل الدين والناشط السياسي الإصلاحي، عبر حسابه على منصة إكس حول مشاركة لاريجاني المستقبلية في الحكومة: “بالنظر إلى جميع المواقف التي تبناها لاريجاني في السنوات الأخيرة، فإن اختياره للذهاب إلى لبنان وما تبع ذلك من تصريحات أدلى بها بعد زيارته، والتي مثّلت بشكل ضمني موقف القيادة العليا للنظام الإيراني، فيمكن اعتباره جزءاً من تغيير استراتيجي يُنظر إليه بإيجابية. ويمكن تفسير ذلك كخطوة لدعم السياسة الخارجية للحكومة، حيث ينبغي دائماً فتح الطرق المسدودة تدريجياً وبهدوء”.
أيضاً، صرح محمد مهاجري، الناشط السياسي الأصولي، معلقاً على إمكانية تصدُّر لاريجاني للمفاوضات المستقبلية، قائلاً: “إذا كانت الجمهورية الإيرانية تمتلك الإرادة والعزم الجاد للدخول في المفاوضات، وبناء على ذلك تقوم باختيار شخصيات مناسبة مثل لاريجاني لبدء التفاوض، فإن هذا يُعتبر خطوة يمكن الدفاع عنها، فلاريجاني يمكن أن يكون مساعدة قيمة لحكومة بزشكيان في إدارة المفاوضات المهمة”. ذلك حسب ما نُشر في موقع خبر أونلاين بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
تصريحات لاريجاني حول المفاوضات مع الولايات المتحدة
في الفترة الأخيرة، تحدث لاريجاني عدة مرات حول المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، فقد كتب عبر حسابه الرسمي على منصة إكس، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قائلاً: “أولاً فيما يخص موضوع البرنامج النووي، فلقد قامت الولايات المتحدة بإلغاء الاتفاق النووي السابق والخروج منه، مما ألحق ضرراً بإيران، وثانياً بدأت إيران في تخصيب اليورانيوم ورفعت درجة النقاء إلى أكثر من %60، وأخيراً فكلا الطرفين في موقف جديد، وإذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تقول إنها تعارض فقط وجود الأسلحة النووية لدى إيران، فعليها أن تقبل بشروط إيران مقابل ذلك، بما في ذلك تعويض الخسائر الإيرانية وغيرها من الامتيازات، للوصول إلى اتفاق جديد، بدلاً من اتخاذ قرارات أحادية مثلما فعلوا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
أيضاً فقد وجَّه لاريجاني خطابه إلى القادة الأمريكيين مباشرة؛ حيث صرح بأن “التجربة أظهرت لكم أنه من غير الممكن ثني إيران عن أهدافها، والآن أصبح أمامكم خياران؛ الأول هو العودة إلى الاتفاق النووي الذي تم إقراره سابقاً. والثاني إذا كنتم لا تقبلون بذلك -حيث سمعت أن الإدارة الأميركية الجديدة تقول إننا لا نقبل بالاتفاق السابق لأن الإيرانيين خدعونا! وأنا أقول لهم: حسناً، هذا ليس نصاً مقدساً”. ذلك حسب ما جاء به موقع خامنئي التابع للمرشد في تقريره بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وأضاف لاريجاني: “تعالوا نبرم اتفاقاً جديداً، أنتم تقولون إنكم تقبلون ببرنامج إيران النووي طالما أنه لا يتجه نحو تصنيع القنبلة، وهذا لا بأس به، فنحن نقوم بتخصيب اليورانيوم بهذا الحد ولا نتجه نحو القنبلة النووية، فتعالوا نتفق، وبالطبع، لدى إيران شروط لهذا الأمر بناءً على التجارب السابقة، وعليكم قبول شروطنا، وحينها يمكنكم إبرام اتفاق جديد”.
وعند سؤاله عما إذا كان التفاوض المباشر مع الأمريكيين الآن يصب في مصلحة إيران، أجاب لاريجاني: “إن مبدأ التفاوض كان دائماً مطروحاً، حتى في عهد الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي كانت هناك مفاوضات، ولكن كانت تُجرى في إطار ضيق”.
وأضاف: “لكن توقيت التفاوض يعتمد على مصلحة وطننا، فقد يرى المسؤولون المعنيون أن التفاوض ليس في مصلحتنا في الوقت الحالي، أو ربما يقبلون به في وقت لاحق بشروط معينة، وعندما يكون التفاوض في مصلحة إيران، فنحن مستعدون للجلوس على الطاولة”، بحسب ما نقله عنه موقع خبر أونلاين بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
هجوم من الأصوليين على لاريجاني
أثارت تلك التصريحات رد فعل قوياً لدى التيار الأصولي في إيران، حيث جاءت خلاف ما يعتقدون أن أي مفاوضات مع الولايات المتحدة من شأنها أن تضر بمصلحة إيران ولن تسفر عن أي نتائج ملموسة كما حدث في الحكومات السابقة.
يقول محمد صادق كوشكي، أستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة طهران وناشط سياسي أصولي: “أعتقد أنه إذا كان لدى الشخص أدنى قدر من الفهم السياسي، فسيكون مدركاً أن ذكر المفاوضات مع الولايات المتحدة في الوضع الحالي يعني عدم إدراك تام للوضع الدولي والإقليمي، فإدارة ترامب وفريقه لا يؤمنون إطلاقاً بأي نوع من المفاوضات، وهم في الواقع لم يستمروا في أي اتفاقية دولية أبرموها”.
ويضيف كوشكي: “إن ترامب هو الشخص الذي انسحب من اتفاقية باريس، ومزق الاتفاق النووي الإيراني وخرق باقي التزامات أمريكا، وفريقه الذي يعده لترتيب الحكومة المستقبلية يضم أفراداً تظهر عليهم بوضوح نزعة التفوق الأمريكي، وهم لا يعتبرون الطرف الآخر أهلاً للمفاوضات، ولا يُظهرون أي رغبة في التفاوض مع أي شخص، ومن الطبيعي أن أي عاقل لا يمكنه حتى تصور إجراء مفاوضات مع ترامب وفريقه”، وذلك وفق ما جاء في المقابلة المنشورة معه على موقع تابناك الإخباري بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وعند سؤاله عن طرح لاريجاني فكرة التفاوض خلال مقابلة مع “موقع خامنئي”، أجاب كوشكي: “ارجعوا إلى تعليقي السابق واسألوا أنفسكم، هل من الصحيح إجراء تلك المفاوضات الآن؟”.