ترجمة: علي زين العابدين برهام
بعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، بدأت وفود الحلفاء الأجانب لـ”هيئة تحرير الشام” تتوافد إلى دمشق، من مسؤولين أتراك وأردنيين وقطريين وسعوديين، إلى جانب ممثلين عن الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ورغم أن روسيا كانت الداعم الرئيسي للأسد وساهمت في تأمين هروبه، فإنها لم تتأخر عن مواكبة التطورات، ففي يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2025، أرسلت موسكو وفدا رسميا رفيع المستوى برئاسة ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى دول أفريقيا وغرب آسيا، في خطوة فُسرت على أنها محاولة للتواصل مع أحمد الشرع “الجولاني”.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين“، الجمعة 31 يناير/كانون الثاني 2025، حوارا مع شعيب بهمن، الخبير في شؤون أوراسيا، حول إمكانية عقد صفقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأحمد الشرع الرئيس السوري، لتسليم الرئيس السابق بشار الأسد، خاصةً أن الشرع قد طلب ذلك رسميا من الوفد الروسي الذي زار دمشق مؤخرا. وفي ما يلي نص الحوار:
هل طلب الجولاني تسليم بشار الأسد نابع من ثأر شخصي أم لاستعراض قوة “تحرير الشام”؟ وما السبب الرئيسي وراء هذه المطالبة؟
من الواضح أن هذا الطلب يرتكز على عدة أسباب، فالجولاني وأتباعه يرون أنفسهم ضحايا للقمع والاضطهاد لسنوات طويلة، مما عزز لديهم مشاعر العداء تجاه الأسد، كما أن العديد من أفراد جماعته فقدوا حياتهم في المواجهات مع نظام الأسد، لذا فإن مطلب محاكمته يأتي في سياق انتقامي إلى حد كبير.
مثل هذه المطالب شائعة في التاريخ السياسي، حيث غالبا ما تُطالب الأنظمة الجديدة بمحاكمة قادة النظام السابق، فعلى سبيل المثال، بعد الثورة الإيرانية، سعت إيران لاسترداد الشاه، ورغم أن الوضع بين الجولاني والأسد ليس مشابها لهذه الحالة، فإن السلوك السياسي في مثل هذه التحولات يبقى متقاربا.
في النهاية، يبدو أن الجولاني يسعى إلى تقديم الأسد للعدالة وفق رؤيته، والنتيجة المحتملة لهذه المحاكمة ليست موضع شك.
هل تعتقد أن روسيا ستوافق على هذا الطلب بالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين بوتين والأسد؟
من غير المحتمل أن تستجيب روسيا لهذا الطلب. الواقع أن موافقة روسيا على خطوة كهذه قد تثير تساؤلات بين حلفائها والدول التي تربطها بها علاقات وثيقة، مما قد يؤدي إلى زعزعة الثقة في مواقفها. فروسيا معروفة بدعمها لحلفائها حتى اللحظة الأخيرة، حتى في حال سقوط حكوماتهم، وهذا يعزز سمعتها وهيبتها.
ورغم تعقيد الوضع بين روسيا وسوريا، فإن لروسيا مصالح استراتيجية في سوريا، وأحد أهم هذه المصالح هو الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك. لذلك، يبدو أن احتمالية تسليم الأسد ضئيلة للغاية، وحتى في حال التوصل إلى صفقة حول القواعد العسكرية أو الأسد نفسه، فإن تسليمه يظل أمرا غير مرجح، أما احتمال نقله إلى مكان آخر، فهو ربما أكثر قبولا.
في النهاية، لا يمكن تأكيد هذا السيناريو بشكل قاطع، ويجب الانتظار لمعرفة كيف ستتطور الأمور في المستقبل.
هل تعتقد أن روسيا قد تدخل في صفقة مع الجولاني للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا؟
المشكلة هنا هي أن الحكومة السورية الجديدة ليست حكومة مستقلة بالمعنى التقليدي، بل هي في الواقع حكومة تابعة لقوى خارجية. الأشخاص الذين وصلوا إلى السلطة في سوريا يعتمدون بشكل كبير على دعم الدول الأجنبية، ومن دون هذا الدعم، لم يكن بإمكانهم الحفاظ على السلطة، لذلك، بدلا من أن تكون هذه الحكومة هي التي تحدد مصيرها، فإن القوى الأجنبية، مثل تركيا والولايات المتحدة، هي التي تقود اللعبة من وراء الكواليس.
هذه القوى المؤثرة لن تسمح لسوريا بالانحراف مجددا نحو روسيا، خاصة بعد أن تمكنت من استعادة نفوذها في سوريا بعد سنوات من الصراع. لذا، من غير المرجح أن تتيح هذه القوى لروسيا أو إيران أن تكون لهما يد طولى في سوريا.
بالتالي، العلاقة الثنائية بين روسيا وسوريا ليست القضية الوحيدة، بل القوى الخارجية هي التي تحدد التوجهات السياسية في سوريا، ولن تسمح بتغيير الموازين لصالح روسيا.
هل تعتقد أن الجولاني قد يسعى لاغتيال الأسد في روسيا بسبب كراهيته له؟
هذا الاحتمال موجود دائما، خاصة بعد التقارير التي ظهرت عقب هروب الأسد إلى روسيا والتي تحدثت عن إمكانية حدوث ذلك، وبالنظر إلى التاريخ “الإرهابي” للجولاني وأتباعه، فإن فكرة تنفيذ مثل هذه العمليات ضد الأسد ليست بعيدة عن الواقع. إضافة إلى ذلك، قد يكون هناك بعض الأجهزة الأمنية لدول أخرى تسعى لتحقيق هذا الهدف.
مع ذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن حماية الأسد في روسيا تمثل قضية حساسة، فروسيا لعبت دورا مهما في تأمين انتقاله إلى هناك، ما يجعل هذا الأمر ذا بعد معنوي بالنسبة لها. ومع علم روسيا بأنها لن تكون لها مكانة بارزة في سوريا المستقبلية، فإن السماح بحدوث مثل هذه العمليات قد يتعارض مع مصالحها، وقد يكون الأمر أكثر تعقيدا من أن يُسمح به بسهولة.