كتبت : سارة محمد علي
أسقطت محكمة أمريكية، الأربعاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حكما يلزم البنك المركزي الإيراني بتعويضٍ قدره 1.68 مليار دولار لعائلات جنود قتلوا وأصيبوا في تفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، وهي القضية التي استمرت في المحاكم الأمريكية ما يقارب العقدين تتنقل بين أحكام بإلزام إيران بدفع التعويضات وأخرى تعفيها.
تفاصيل القصة
fدأت القضية في التاسع من سبتمبر/أيلول 2007 حين أصدر القاضي الأمريكي رويس لامبيرت حكما بتغريم إيران 2.6 مليار دولار تعويضات لذوي جنود أمريكيين قتلوا أو تضرروا عام 1983 من جراء هجوم على ثكنة لمشاة البحرية الأمريكية في لبنان أدى إلى مقتل 241 جنديا.
وحمل القاضي الأمريكي إيران مسؤولية الهجوم الذي اتهم به حزب الله بدعوى أن إيران مسؤولة قانونا عن تقديم الدعم له، بحسب وكالات.
تجدر الإشارة إلى أن موضوع القضية، حادث تفجير ثكنة المارينز في بيروت 23 أكتوبر/تشرين الثاني 1983، توجه تهمته لإيران من قبل الحكومة الأمريكية عبر منصاتها الرسمية، بينما تنفي إيران التهمة عن نفسها عبر ممثليها الرسميين وكذلك عبر وسائل إعلامها المختلفة.
ورغم اتهام الولايات المتحدة لإيران بالوقوف خلف الهجوم، فإن برنامج مكافآت من أجل العدالة التابع للحكومة الأمريكية ما زال يقدم حتى الآن عرضا بخمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حول الحادث، ويذكر في عرضه أنه “يُعتقد مسؤولية حزب الله عن الهجوم”، لكن دون اتهام قاطع لإيران أو الحزب، بحسب الموقع الرسمي للبرنامج.
وبحسب رواية وسائل إعلام إيرانية، فقد شهد يوم وقوع الحادث قيام شخص مجهول بالاتصال بوكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس” ليعلن مسؤولية “تنظيم الجهاد” عن الهجوم، ونفى علاقته بإيران أو أي جهة أخرى.
لكن بحسب الرواية الأمريكية، فتنظيم الجهاد هو ما أصبح في ما بعدُ حزب الله، ورغم عدم وجود دليل قاطع فإن الولايات المتحدة اتهمت القياديين السابقين بحزب الله فؤاد شكر وإبراهيم عقيل بالتدبير للحادث بدعم إيراني، وهو ما أكده حكم المحكمة الأمريكية عام 2007، وبناء عليه تم إلزام إيران بدفع التعويضات لذوي القتلى والمتضررين من الحادث.
وفي 14ديسمبر/كانون الأول 2009، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريرا ذكرت فيه أن وزارة الخزانة الأمريكية حجزت خلال عامي 2008 و2009 وسط تكتم كبير أكثر من ملياري دولار أودعتها مؤسسة كليرستريم المالية في لوكمسبورغ، باسم إيران في مصرف سيتي غروب الأمريكي.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع أن هذه الأموال التي أودعت في حساب باسم كليرستريم، جمدت في يونيو/حزيران 2008 بقرار من المحكمة الفيدرالية في المنطقة الجنوبية لنيويورك التي لم يعلن حكمها مطلقا.
وأضاف أن هذه الأموال في صلب معركة قانونية بين مؤسسة كليرستريم وعائلات ضحايا الاعتداءات على القاعدة أمريكية في بيروت عام 1983.
وأضافت الصحيفة أن لا شيء يدل على أن بنك سيتي غروب كان يعلم مصدر الأموال المودعة في حساباته، موضحةً أن المحكمة أصدرت حكمها بناءً على معلومات صادرة عن الخزانة الأمريكية، وعلى أساس هذه المعلومات أكد محامو عائلات القتلى والمتضررين من الهجوم أن مؤسسة كليرستريم تحتفظ بالأموال الإيرانية في حساب بنك سيتي غروب، وأنهم يسعون للوصول إلى هذه الأموال من أجل الحصول على تعويضات لموكليهم.
قضية كلير ستريم
في عام 2006، اشترت حكومة محمود أحمدي نجاد كثيرا من الأوراق المالية من خلال وسيط في لوكسمبورغ يُدعى “كلير ستريم” يتبع البورصة الألمانية، بحسب وكالة أنباء إيسنا الإيرانية.
وقامت مؤسسة كلير ستريم باستخدام جزء من هذه السندات نيابة عن إيران بعمليات بيع وشراء في أوروبا، وجزء آخر احتفظت به في بنك سيتي غروب بنيويورك.
وبحسب علي طيب نيا، وزير الاقتصاد الإيراني السابق، فمع نهاية عام 2006، نصحت “كلير ستريم” طهران ببيع السندات المالية ونقل أموالها إلى البنك المركزي الإيراني، وبناء على نصيحة المؤسسة قامت إيران ببيع جزء من هذه السندات، لكن قبل بيع بقيتها، قامت الحكومة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 بفرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإيرانية، منعت البنوك الأمريكية من تحويل الدولار إلى إيران، ومن ثم منعت طهران من استعادة المتبقي من سنداتها المالية، بحسب تقرير وكالة أنباء إيسنا.
وبالتزامن مع العقوبات الجديدة، وجهت الولايات المتحدة إلى مؤسسة كلير ستريم تهمة تجاوز نظام العقوبات الأمريكي المفروض على إيران، والتلاعب بمؤسسات اقتصادية أمريكية لصالح إيران، وهو الاتهام الذي أسفر عن تغريم المؤسسة المالية 152 مليون دولار لصالح الولايات المتحدة عام 2013، بحسب رويترز.
عقد من جولات التقاضي
وخلال هذه السنوات الست منذ صدور حكم القاضي الأمريكي بإلزام إيران بدفع تعويضات ضحايا انفجار ثكنات المارينز في بيروت ووصول “كليرستريم” لتسوية مع الحكومة الأمريكية، قام محامو الضحايا وذووهم برفع دعاوى قضائية لإلزام مؤسسة كلير ستريم بدفع التعويضات من أموال البنك المركزي الإيراني التي تحتفظ بها، وصدر الحكم عام 2013 بتسليم التعويضات من “كليرستريم” إلى المدعين في القضية، وبحسب المؤسسة المالية فإنها قامت بالفعل بتسليم مبلغ التعويضات لمحكمة أمريكية.
لكن رغم ادعاء المؤسسة ذلك فإنه في عام 2015 تم تحريك قضية جديدة في محكمة أمريكية أعلى، ضد “كلير ستريم” بدعوى عدم وفائها بسداد التعويضات، لكن تم رفض القضية ثم أعيد فتحها عام 2017 وتم الحكم فيها لصالح المدعين.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، ألغت محكمة أمريكية أعلى، الحكم وطالبت بإعادة النظر في القضية.
وفي مارس/آذار 2023، أصدرت محكمة أمريكية حكما من جديد يلزم إيران بدفع التعويضات ويسمح لمؤسسة كلير ستريم بتسليم أصول إيرانية في أوروبا تقوم المؤسسة بإدارتها لصالح طهران، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الحكم الذي أثارغضبا شديدا في إيران.
وردّ عليه البنك المركزي الإيراني بأنه حكم لا يستند إلى أي معايير قانونية، وقال إن الدعوى القضائية غير مسموح بها بموجب قانون الحصانة السيادية الأجنبية الذي يحمي الحكومات الأجنبية عموما من المساءلة في المحاكم الأمريكية، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط.
إلى أن أسقطت محكمة استئناف أمريكية، الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين 2024، الحكم الذي يلزم البنك المركزي الإيراني بتعويضٍ قدره 1.68 مليار دولار لعائلات جنود قتلوا وأصيبوا في تفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) في بيروت عام 1983.
وقالت محكمة الاستئناف في مانهاتن، إن قاضي المحكمة الأدنى كان ينبغي أن يتناول مسائل تتعلق بقانون الولاية قبل الحكم الذي صدر ضد البنك المركزي وشركة “كلير ستريم” للخدمات البنكية.
وفي قرار بأغلبية 3 أصوات من دون معارضة، رفضت هيئة المحكمة ادعاء بأن قانونا أمريكيا صدر عام 2019 بهدف تسهيل مصادرة الأصول الإيرانية الموجودة خارج الولايات المتحدة، ألغى الحصانة السيادية للبنك المركزي الإيراني.
وأعادت محكمة الاستئناف القضية إلى محكمة في مانهاتن من أجل النظر في المسائل التي تتعلق بقانون الولاية، وهل من الممكن أن تستمر القضية مع عدم وجود تمثيل للبنك المركزي الإيراني، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا“.
ليبقى السؤال: هل ستتوقف القضية عند هذا الحد ويتم إغلاقها، أم سوف تشهد المحاكم الأمريكية بداية جولة جديدة ضد البنك المركزي الإيراني ومؤسسة كلير ستريم؟
وهل سوف تتمكن إيران من استعادة أموالها المحتجزة إلى حين الوصول لحكم نهائي في القضية أم ستؤول إلى متضرري تفجيرات بيروت 1983 التي تتهم واشنطن طهران بتمويل منفذيها.