كتب: ربيع السعدني
في قرار مثير للجدل، رفعت الحكومة الإيرانية، التعريفة الجمركية على استيراد السيارات إلى 100% خلال العام المقبل (21 مارس/آذار 2025)، القرار يشمل السيارات الكهربائية والهجينة، في خطوة غريبة تتعارض مع التوجه العالمي نحو التوسع في استخدام المركبات الكهربائية والهواء النظيف، من خلال تبني سياسات تتسبب في ارتفاع حاد في أسعار السيارات الكهربائية، في حين ينبغي دعم هذا النوع من السيارات بسبب مشاكل تلوث الهواء.
بدأت فترة التسجيل للمركبات المستوردة الجديدة من يوم الجمعة 7 مارس/آذار 2025، وأعلن مدير خطة استيراد المركبات بوزارة النقل مهدي ضيغمي، خلال مؤتمر صحفي، عن إمكانية فرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على استيراد المركبات الكهربائية العام المقبل، واعتبر أن أحد أسباب إطالة أمد عملية توريد السيارات المستوردة، هو تأخر نشر المعلومات الإضافية عن رسوم العام المقبل.
زيادة في الرسوم 2500%
وأضاف ضيغمي بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا): “في العام المقبل (يبدأ في 21 مارس/آذار 2025)، وبسبب زيادة الرسوم وتغيير معدل حساب الجمارك، فإن سعر السيارات المستوردة سيرتفع بالتأكيد”. وأشار أيضا إلى قضية انتشار المركبات الكهربائية، وقال: “من المقرر أن ترتفع هذه التعريفة من 4 إلى 100% اعتبارا من العام المقبل (أي بزيادة 2500%)، ويبدو أن التعريفة على هذه المركبات ستبقى عند 100% حاليا، لكن البرلمان لم يرد على الاستفسار حتى الآن”.
تبدأ خطة بيع السيارات المستوردة يوم الأحد 9 مارس/آذار 2025، وبحسب وزارة الداخلية، فإن الأشخاص الذين أنشأوا حسابات بالوكالة منذ يوم الأربعاء (5 مارس/آذار 2025) وقاموا بتجميد المبلغ المطلوب (5 مليارات ريال) في هذا الحساب الرسمي، سيتمكنون من تسجيل سياراتهم عبر النظام المتكامل لتوريد السيارات المستوردة اعتبارا من يوم الجمعة (7 مارس/آذار 2025).
التعريفة الجمركية
هذا في حين كانت التعريفة الجمركية على استيراد السيارات الكهربائية 4% فقط والسيارات الهجينة 15%، في الوقت الذي يتحرك فيه العالم بسرعة نحو “كهربة صناعة السيارات”، وتمهد الدول الرائدة الطريق لاستبدال المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري بالسيارات الكهربائية كل عام، من خلال تقديم الحوافز المالية وتطوير البنية التحتية للشحن، ومن شأنه أيضا أن يحول الآمال في تطوير المركبات النظيفة في إيران إلى يأس، وكان من المتوقع أن تساعد إيران في عام 2026 أيضا في توسيع نطاق النقل النظيف وتقليل تلوث الهواء، من خلال تبني سياسات تدعم المركبات الكهربائية، لكن هذا القرار سيفعل العكس تماما وسيضع المركبات الكهربائية والهجينة بعيدا عن متناول المستهلكين الإيرانيين!
تناقض بين قانون الهواء النظيف والسياسات العالمية
ومن أهم جوانب هذا القرار الغريب بحسب وكالة “تسنيم” للأنباء، تناقضه مع المادة التاسعة من قانون الهواء النظيف التي تعترف بدور المركبات الكهربائية والهجينة في الحد من تلوث الهواء، وتؤكد ضرورة دعم هذه المركبات الكهربائية من خلال إعفاء هذه المركبات من دفع ضريبة القيمة المضافة، ويلزم هذا القانون الحكومة بتقديم حوافز إنتاج واستيراد، وتطوير البنية التحتية للسيارات الكهربائية والهجينة على حد سواء.
ولكن زيادة الرسوم الجمركية على الواردات بنسبة 100% لا تدعم هذه السياسة فحسب، بل إنها تشكل عقبة خطيرة أمام تحقيقها، وعالميا تشجع دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المواطنين على شراء السيارات النظيفة من خلال تقديم الإعانات والإعفاءات الضريبية والتسهيلات الخاصة، بل إن بعض الدول مثل النرويج وهولندا، أعلنت أنها ستتوقف تماما عن بيع السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي في السنوات المقبلة!
العواقب الاقتصادية والبيئية
إن زيادة الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية والهجينة ستكون لها عواقب سلبية واسعة النطاق، من شأنها أن تؤثر على القطاعين الاقتصادي والبيئي في البلاد:
- الاعتماد المتزايد على المركبات التي تعمل بالبنزين والديزل بسبب ارتفاع أسعار المركبات الكهربائية والهجينة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة استهلاك البنزين ومن ثم زيادة تلوث الهواء في المدن الكبرى مثل طهران ومشهد وأصفهان.
- ومن ناحية أخرى، واجهت طهران على مر السنين خللا خطيرا في البنزين، ومن إجمالي استهلاك يومي من البنزين يبلغ نحو 120 مليون لتر، لجأت السلطات إلى استيراد نحو 20 إلى 30 ألف لتر من البنزين يوميا، وإذا تم تطبيق تعريفة جمركية بنسبة 100% على المركبات الكهربائية والهجينة، فسيكون لذلك تأثير مدمر للغاية في تفاقم اختلال التوازن في البنزين وزيادة واردات البنزين بشكل حاد.
تضرر الصحة العامة
يعد تلوث الهواء أحد الأسباب الرئيسية للوفاة المبكرة في العديد من البلدان، وضمن ذلك إيران، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، وكان من الممكن أن يساهم إدخال المركبات الكهربائية والهجينة بشكل كبير في خفض الانبعاثات وتحسين جودة الهواء، ولكن زيادة التعريفات سوف تبطئ عملية استبدال هذه المركبات، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة التكاليف الطبية بسبب أمراض الجهاز التنفسي والقلب.
غرامات على 75 ألف مركبة
ومن أجل مكافحة ظاهرة تلوث الهواء وزيادة سلامة السائقين والمشاة، تتعامل شرطة المرور في العاصمة مع المركبات التي تنبعث منها الأدخنة والمركبات التي تعاني من عيوب فنية بالحزم وفرض الغرامات، ففي فبراير/شباط 2025 تم تغريم أكثر من 45 ألف مركبة ينبعث منها الدخان، بحسب تصريحات رئيس شرطة المرور في طهران الكبرى، العميد أبو الفضل موسوي بور. وفي إشارة إلى تطبيق القانون على 30 ألف مركبة بها عيوب فنية، بشأن إلغاء عمليات الفحص الفني للمركبات، قال: “كما تم إلغاء عمليات الفحص الفني عبر الإنترنت لـ5 آلاف مركبة”.
ما أسباب زيادة الرسوم 25 مرة؟
على الجاتب الآخر، لم يقدم أي مسؤول إيراني حتى الآن تفسيرا واضحا لهذه الزيادة المفاجئة في الرسوم، لكن بعض المحللين بحسب وكالة تسنيم للأنباء، يعتقدون أن الحكومة تحاول تعويض جزء من عجز موازنتها من خلال زيادة عائدات الجمارك، لكن هذه الحجة قد تسبب أضرارا أكثر خطورة على اقتصاد البلاد على المدى الطويل، حيث إن إزالة أو تقليص المركبات الكهربائية والهجينة من السوق من شأنه أن يزيد الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويفرض في نهاية المطاف تكاليف أكبر على الحكومة لدعم الوقود.
ضرورة تدخل البرلمان
إن قرار زيادة الرسوم الجمركية على استيراد المركبات الكهربائية والهجينة بنسبة 100% يتناقض مع السياسات العالمية والمحلية الرامية إلى الحد من تلوث الهواء واستهلاك الوقود الأحفوري، ولن تؤدي هذه السياسة إلى جعل البلاد تعتمد بشكل أكبر على الوقود الملوث فحسب، بل ستؤثر سلبا أيضا على الصحة العامة والتكاليف الاقتصادية، وتطوير تكنولوجيا المركبات النظيفة داخل البلاد، في الوقت الذي تتجه فيه العديد من دول العالم نحو التخلص من المركبات التي تعمل بالبنزين واستبدالها بنماذج كهربائية، ينبغي لإيران أن تتبنى سياسات تحفيزية بدلا من السياسات التقييدية؛ حتى تتمكن من الاستفادة من الفرص الاقتصادية والتكنولوجية في هذا المجال مع الحد من تلوث الهواء.
وفي مثل هذه الظروف، ينبغي للبرلمان أن يعالج هذه القضية في أقرب وقت ممكن، من خلال تقديم تعديل أو ملاحظة، ومنع تنفيذ أي قرار يتعارض بشكل مباشر مع مصالح الشعب وحقه في الهواء النظيف.