ترجمة: نوريهان محمد البهي
كشف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في حواره مع شبكة CCTV الصينية، عن ملامح السياسة الإيرانية في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، من بينها الاستعداد لاستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، والتحديات التي تواجهها المنطقة، وكذلك موقف بلاده من الأزمات الراهنة في سوريا وغزة، متناولا العلاقات الإيرانية مع السعودية، ومؤكدا على مسار إيجابي في تطور هذه العلاقات، فضلا عن الدور المتنامي للصين في الشؤون الإقليمية والدولية.
إيران مستعدة لاستئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووي
نشرت صحیفة فرهیختکان، السبت 4 يناير/كانون الثاني 2025، المقابلة الحصرية لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع شبكة CCTV الصينية، حيث صرح عراقجي خلالها باستعداد إيران لاستئناف المفاوضات حول برنامجها النووي.
وأضافت أن عراقجي أشار إلى أن بلاده أجرت مفاوضات بناءة مع مجموعة 5+1 -مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة (الولايات المتحدة، روسيا، والصين، والمملكة المتحدة، وفرنسا، إضافة إلى ألمانيا)- لأكثر من عامين بحسن نية، مما أثمر اتفاقا حظي بإشادة دولية واسعة واعتُبر إنجازا دبلوماسيا بارزا.
وذكرت قوله: “نفذنا الاتفاق بحسن نية، لكن الولايات المتحدة هي من قررت الانسحاب منه دون أي مبرر أو تفسير، مما أدى إلى الوصول إلى هذه المرحلة”.
وأكد عراقجي: “نحن مستعدون للمشاركة في مفاوضات جادة وسريعة بشأن برنامجنا النووي، على أن تكون هذه المفاوضات موجهة نحو التوصل إلى اتفاق نهائي”.
كما أضاف: “إن النهج الذي نراه مناسبا هو الإطار نفسه الذي تم التوصل إليه في الاتفاق النووي السابق، أي بناء الثقة بشأن البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. استنادا إلى هذا الأساس، نحن مستعدون للدخول في مفاوضات”.
وأضاف أيضا: “تمت جولة من المفاوضات مع الدول الأوروبية، وقد تم تحديد الجولة الثانية من هذه المفاوضات، التي ستُعقد مع ثلاث دول أوروبية في غضون أقل من أسبوعين”.
كما أوضح وزير الخارجية الإيراني قائلا: “في ما يتعلق بالولايات المتحدة، من الطبيعي أن تقوم الحكومة الجديدة بوضع سياستها، ونحن سنقرر بناءً على ذلك. أما الصين وروسيا فكانتا من الأعضاء المؤثرين في المفاوضات السابقة، ومن وجهة نظر إيران، ينبغي لهما الاستمرار في لعب دورهما البناء في هذه المفاوضات. هذا هو مطلبنا وإرادتنا”.

انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي خطأ استراتيجي
وفي هذا السياق، صرح عراقجي: “مرت 10 سنوات منذ عام 2015، وخلال هذه الفترة، شهدنا تحولات كبيرة على مختلف الأصعدة، بينما كان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي خطأ استراتيجي كبير لهذه البلاد، مما أدى إلى رد فعل قوي من إيران.
إضافة إلى ذلك، توسعت العقوبات الأمريكية، وتصاعدت الأزمات في منطقة غرب آسيا؛ إلا أن الباب أمام الدبلوماسية لا يزال مفتوحا دائما”.
وتابع قائلا: “وبصفتي دبلوماسيا، أؤمن بأنه حتى في أصعب الظروف يمكن الوصول إلى حلول دبلوماسية، ولكن ذلك يعتمد على مدى وجود الإرادة السياسية، وكذلك قدرة الدبلوماسيين على استخدام الإبداع والابتكار لاكتشاف طرق جديدة والتوصل إلى صيغ جديدة للتوافق. إذا كانت هناك إرادة سياسية من الأطراف الأخرى، فإن إيجاد حل قد يكون صعبا، لكنه ليس مستحيلا”.
عراقجي: مواقفنا تجاه سوريا تستند إلى الأفعال لا الشعارات
وفي ما يتعلق بالوضع في سوريا، أوضح وزير الخارجية الإيراني قائلا: “في ما يتعلق بسوريا، لا نقرر بناءً على التغييرات الظاهرة أو الشعارات، نحن في انتظار أن تعلن الحكومة الانتقالية عن سياستها تجاه المنطقة والدول الأخرى وأن تستقر بشكل كافٍ، وسنقرر بناءً على التصرفات”.
وأضاف: “كيفية تعاملنا مع سوريا يعتمد على سلوك الأطراف الأخرى هناك؛ إيران تتمتع بحسن نية كاملة وتسعى لتحقيق الاستقرار في سوريا. نرغب في المساهمة في استقرار سوريا وضمان أمن جميع المجموعات العرقية في البلاد”.
كما صرح قائلا: “يجب على جميع دول المنطقة التعاون والمساعدة في تشكيل حكومة شاملة تضم جميع الأعراق والمجموعات في سوريا، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها”.
وأضاف: “لا ينبغي لسوريا أن تتحول إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة والمسلحة أو تهديد لجيرانها والمنطقة. هذه مبادئ يتفق عليها الجميع في المنطقة”.
كما ذكر رئيس الدبلوماسية الإيرانية عراقجي: “القرار النهائي يجب أن يتخذه الشعب السوري، فهم أصحاب السيادة في بلادهم، ونحن هنا فقط للمساعدة في ضمان اتخاذ القرارات الصحيحة، ونطمح إلى رؤية سوريا تعيش بسلام واستقرار إلى جانب جيرانها”.
مسار العلاقات بين إيران والسعودية يتسم بالإيجابية والتقدم
وفي ما يتعلق بمستقبل العلاقات الإيرانية السعودية، صرح عراقجي بأن “العلاقات بين إيران والسعودية تسير في مسار جيد للغاية، حيث يشعر الطرفان بالرضا عن استئناف العلاقات ويرون فيها فوائد مشتركة.
ورغم ذلك، لا تزال هناك العديد من الفرص غير المستغلة بين البلدين، وأعتقد أن مسار هذه العلاقات سيكون تدريجيا وبطيئا، لكنه مستمر”.
وأضاف حول دور الصين في المنطقة قائلاً: “إن الجهود الصادقة التي بذلتها الصين قد أثمرت نتائج إيجابية، كما تتمتع الصين بعلاقات اقتصادية قوية مع العديد من دول المنطقة، وهي دولة تحظى بالاحترام، ويمكنها استغلال هذا الرصيد لتعزيز دورها السياسي في حل الخلافات المحتملة بين دول المنطقة، وعليه فإن إيران ترحب بهذا الدور وتؤكد استعدادها للتعاون”.
إيران مستعدة لمواجهة تهديدات إسرائيل
وصرح عراقجي في ما يخص الاستعداد الإيراني لمواجهة التهديدات الإسرائيلية قائلا: “إيران جاهزة تماما لمواجهة التهديدات المتجددة من النظام الصهيوني. وأتمنى ألا يقدم الصهاينة على مثل هذه الجنون، لأن نتيجة ذلك ستكون حربا شاملة”.
وفي ما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على غزة، أضاف: “لم يصل النظام الإسرائيلي إلى هدفه الرئيسي من الهجوم على غزة، وإن إسرائيل دخلت غزة بهدف تدمير حركة حماس، ولكن اليوم، تجد نفسها مضطرة إلى التفاوض مع الحركة نفسها من أجل التوصل إلى هدنة”.
وأضاف أيضا: “لقد قلنا مرارا، إن أي هدنة يقبلها الفلسطينيون وحماس بأنفسهم، ستكون مدعومة من قبل إيران، والخيار في قبول الهدنة يعود إليهم، وإذا قبلوا بها، فإننا سنكون داعمين لهم”.
رغم التحديات، يبقى مستقبل المقاومة مشرقا
وحول مستقبل المقاومة ودور حزب الله أشار عراقجي: “في رأيي، لا يزال مستقبل المقاومة مشرقا، وحزب الله في لبنان يعمل على إعادة بناء نفسه بشكل منتظم”.
وأضاف: “إن حزب الله في لبنان ليس فقط قوة عسكرية، بل هو أيضا قوة سياسية فاعلة في الساحة اللبنانية، ويتمتع بقاعدة اجتماعية كبيرة. للحزب حضور سياسي قوي في لبنان وسيواصل تعزيز هذا الحضور”.
تطور العلاقات الإيرانية الصينية
أشار عراقجي إلى التعاون بين إيران والصين، قائلا: “إن زيارتي للصين أول زيارة ثنائية لي خارج منطقة غرب آسيا، وتم اختيار بكين لهذه الزيارة؛ نظرا إلى الأهمية الكبرى التي نوليها للعلاقات مع الصين”.
وأضاف: “أحد أبرز مؤشرات العلاقات الممتازة بين إيران والصين هو التعاملات السياسية والاقتصادية المستمرة على أعلى مستوى بين البلدين.
ومن أهم هذه التبادلات زيارة رئيسي الدولتين في الشهر الماضي في كازان، روسيا، والتي أسفرت عن نتائج إيجابية.
كما أن التبادل المستمر للوفود بين طهران وبكين يشمل مجالات متعددة مثل الاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، والثقافة، والشباب، والأمن، وغيرها”.
وتابع قائلا: “إن التعاون بين إيران والصين ليس فقط في المجالات الثنائية، بل بينهما أيضا تنسيق مستمر في مسائل إقليمية ودولية.
وفي اللقاء الذي جمعني مع وزير الخارجية الصيني خلال هذه الزيارة، والذي استمر لأكثر من أربع ساعات، ناقشنا تطورات المنطقة وسبل التعامل معها، مع التركيز على تعزيز التعاون في هذا الإطار”.
جدير بالذكر، يبرز موقف عباس عراقجي تأكيد أهمية الدبلوماسية الإيرانية في ظل التحديات الإقليمية والدولية. واستمرار إيران في السعي لتحقيق استقرار المنطقة، مع التركيز على بناء علاقات استراتيجية بناءة مع القوى الكبرى.