كتبت: ناهد إمام
“خباثة من الغرب، وإغراءات شيطانية، وسياسة فرق تسد لم تعد تنطلي على أحد”، هكذا وصف مسؤولون إيرانيون، البيان الختامي للقمة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، المنعقد في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في العاصمة البلجيكية بروكسل، تحت شعار “الشراكة الاسترتيجية من أجل السلام والازدهار، من أجل تعميق الشراكة بين الجانبين”، إذ تم الزج بقضية الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران والإمارات في توصيات البيان الختامي للقمة، بالقول: “ندعو إيران إلى إنهاء احتلالها للجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة: طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى، الذي يمثل انتهاكا لسيادة الإمارات العربية المتحدة ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة”، ما أثار غضبا إيرانيا عارما.
جدير بالذكر، أن طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، ثلاث جزر استراتيجية، تقع شرقي الخليج العربي، وبينما تقول الإمارات إنها جزء من أراضيها، وتطالب إيران- التي تسيطر عليها منذ العام 1971- بإرجاعها، تؤكد طهران أن ملكيتها للجزر “غير قابلة للنقاش”.
وبحسب وكالة “مهر” الإيرانية للأنباء، وإذ يطغى الغضب العام بشأن القضية، وما أثير من تصريحات حولها في بيان القمة الأوروبية الخليجية، عبّر عدد من المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى عن غضبهم، ورفضهم ما ورد في البيان الختامي للقمة، على هامش مشاركاتهم في حفل تأبين اللواء نيلفروشان.
حيث قال قائد سلاح البحر التابع للحرس الثوري العميد علي رضا تنكسيري”: “الجزر الثلاث كانت منذ القدم ملكا لإيران، ونحن صرحنا بذلك مرارا”، وأضاف: “ينبغي للإماراتيين أن لا يسمحوا للأجانب بأن يطرحوا هذا الأمر، ويجرّوا المنطقة إلى حافة الهاوية”، وتابع: “بطبيعة الحال، الغربيون يريدون الإسقاط من خلال طرحهم الجزر الثلاث، وذلك من أجل التغطية على المجازر التي تطال الأبرياء في غزة ولبنان”.
وأشار قائد بحرية الحرس الثوري، مبررا طرح موضوع الجزر، بأنه سعي من الغرب لتبرير وجوده في المنطقة.
ومن جهته، قال العميد علي فدوي، نائب القائد العام للحرس الثوري: “شر الإمارات بدأ منذ بداية الثورة. إنهم يكتبون نصا ويقرأونه في كل الاجتماعات. لقد أظهر الأوروبيون في كل المواقف أنهم لا يملكون الإرادة والاستقلال”، مشيرا إلى أن العديد من خرائط هذه المنطقة أعدها الأوروبيون أنفسهم، وقال: “الأوروبيون ارتكبوا حماقة، فبعض العلامات التجارية الإيرانية عمرها أطول من جميع دول الخليج الفارسي”.
ووفقا لما أوردته وكالة أنباء “مهر”، فقد صرح النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد رضا عارف، ردا على التصريحات الأوروبية الخليجية، بالقول: “الجميع يعلم أن الجزر الثلاث تعود لإيران، ولن نتقاعس بأي شكل من الأشكال عن هذه القضية”.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي قد استهجن بشدة في وقت سابق، تكرار ما وصفه بالادعاءات التي لا أساس لها بشأن الجزر الثلاث، في البيان الختامي للاجتماع المشترك لرؤساء الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، معتبرا ذلك “دليلا واضحا على عدم امتثال الدول الأعضاء في الاتحاد لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، خاصة مبدأ احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية للحكومات، ومعربا عن أسفه، لأن بعض دول المنطقة، بدلا من التركيز على المشكلة الملحة للعالم الإسلامي والمنطقة والعالم، أي استمرار الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني المظلوم وعدوان الكيان الصهيوني على لبنان، تقوم بطرح ادعاءات خاطئة ضد بلد جار”، قال: “كان من المتوقع أن تغتنم دول المنطقة فرصة عقد اجتماع مشترك مع رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي- وبعضها من بين الموردين الرئيسيين للأسلحة والدعم السياسي لكيان الفصل العنصري الصهيوني- لمساءلتهم ووقف الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي وتشجيع حماة كيان الاحتلال على الامتناع عن التواطؤ مع هذا الكيان”.
واعتبر بقائي ما وصفه بـ”تغير لهجة الدول الأوروبية بشأن الجزر الإيرانية الثلاث”، بأنها نتيجة للسياسة السلبية وخضوعها لابتزازات الكيان الصهيوني، واختتم تصريحاته، ناصحا الاتحاد الأوروبي بتفادي الوقوع في هاوية العادات القديمة، ومن بينها عادة التدخل المثير للتفرقة في منطقة غرب آسيا، وأن تسمح لدول المنطقة نفسها بحل أي سوء فهم أو مخاوف بشأن أي قضية بشكل مباشر وفي جو إيجابي من خلال الحوار المبني على الاحترام المتبادل، على حد قوله.
ومن جهته، ندد مستشار خامنئي للشؤون الدولية والأمين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، علي أكبر ولايتي، بالبيان المشترك للاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج، واصفا هذه المزاعم بأنها لا أساس لها، ومؤكدا ملكية إيران للجزر الثلاث، قال: “إن الجزر الإيرانية الثلاث جزء لا يتجزأ من أراضي إيران الإسلامية، وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تسمح لأي طرف خارجي بالتدخل في شؤونها الداخلية”، وأضاف: “يجب أن أؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوصفها المالك الرئيسي للجزر الثلاث، ترصد بدقة تحركات المضمرين السوء للمصالح الوطنية والإقليمية، وسترد على أي اعتداء على أراضي بلادنا، فحتمية هذه الملكية لن تتزعزع مع مثل هذه الاجتماعات الواهية والمزاعم الهزيلة”، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء مهر الإيرانية .
أما فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فقد صرحت فور صدور البيان، معبرة عن الرفض والغضب، عبر منشور على حسابها بمنصة “إكس”، قالت فيه: “إن وحدة أراضي إيران ليست بالأمر الذي يجرؤ الأجانب على التحدث حوله”، وأضافت أن أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى قطعة من إيران الكبرى، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج الفارسي ليسا في موقع يمكنهما من إبداء وجهة نظر بشأن أرض إيران الكبرى، على حد قولها.
أما وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، فقد كتب في منشور على حسابه بمنصة إكس، أيضا، يقول: “إن الجزء المتعلق بإيران في البيان المشترك للاتحاد الأوروبي ومجلس تعاون الخليج الفارسي يحمل في طياته رسائل عديدة”، وأضاف: “من وجهة نظرنا، من الواضح أن الطريق نحو التعاون القائم على الاحترام، والذي اقترحناه في اجتماعات مختلفة، وضمن ذلك في نيويورك، قوبل الآن برغبة أوروبا في “المواجهة” من خلال فرض عقوبات على الرحلات الجوية المدنية، وتوجيه تهمة عبثية بـ”الاحتلال” إلى إيران”، مؤكدا أن عهد السياسة الخبيثة “فرق تسد”، التي يتبعها الأوروبيون في منطقتنا قد انتهى منذ زمن بعيد، على حد قوله.
وفي السياق نفسه، كتب عضو البرلمان الإيراني، كاظم شافعي، على حسابه بمنصة X ، يقول: “الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، كانت دائما إيرانية وستبقى إيرانية إلى الأبد.ط”، وتابع: “إن الادعاء الكاذب الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليج الفارسي أمس، والذي يتعارض مع القانون الدولي ويتدخل في شؤون إيران، لا يغير الانتماء التاريخي لهذه الجزر التي كانت دائما إيرانية”.
وكان رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي، قد دعا الإمارات إلى وضع ما سماه بـ”العداء مع إيران”، بشأن سلامة أراضيها جانبا، والعودة إلى الحوار بدلا من اللجوء إلى هذا وذاك، بحسب ما أوردته وكالة “إرنا” للأنباء.
وصرح خرازي بأن “دخول الاتحاد الأوروبي دعما لدولة الإمارات العربية المتحدة، في قضية الجزر الثلاث، يأتي من منطلق عداء هذا الاتحاد السافر لإيران بحجة كاذبة، وهي دعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا، بينما لم تؤكد الولايات المتحدة وأوروبا أن تكون إيران قد أعطت صواريخ باليستية لروسيا، ومن ناحية أخرى أعربت إيران مرارا عن معارضتها لاحتلال الأراضي الأوكرانية، وطالبت بوقف إطلاق النار، والمفاوضات، وإزالة الاحتلال”.
وأضاف: “إن رجال القانون يعلمون جيدا أنه عندما توقف الاستعمار البريطاني عن احتلال المنطقة عام 1071، وضمنها الجزر الثلاث، وبرزت دول جديدة مثل الإمارات والبحرين، سلمت أيضا الجزر الثلاث إلى صاحبتها الأصلية أي إيران، لأن كل الخرائط التاريخية لقضية هذه الجزر كانت تؤكد أنها تابعة لإيران ولم يكن بوسع بريطانيا أن تفعل شيئا غير ذلك، وبالطبع في هذه الأثناء ارتكب محمد رضا بهلوي خيانة لا تغتفر، فوافق على انفصال البحرين عن وطنها الأم، أي إيران، بناءً على استفتاء صوري”.
وبشيء من التفصيل، تحدث خرازي عن تاريخ القضية الذي عاصره في أثناء فترة مسؤوليته كوزير للخارجية، مشيرا إلى المحادثات الودية مع مسؤولي دولة الإمارات، ومحاولة حل سوء التفاهم الذي نشأ حول جزيرة أبو موسى، ووجود مواطني دولة الإمارات في الجزء الجنوبي منها على أساس اتفاق 1971 الذي عهد إلى إيران أمن الجزيرة، وضمن ذلك سلامة المواطنين الإماراتيين الذين يعيشون في الجزء الجنوبي منها، من أجل حل وتسوية القضية بين البلدين، والتي للأسف -على حد قوله- لم تنجح بسبب المطالب الزائدة ونكث العهد من الجانب الإماراتي، ناصحا من وصفهم بالمسؤولين الشباب في الإمارات اللذين هم عكس نظر والدهم الحكيم ذي الخبرة، بالعودة للحوار، استنادا إلى الحقائق التاريخية، والوثائق الموجودة، وما يؤدي إلى إرساء السلام والهدوء في المنطقة وحل النزاع، بدلا مما وصفه بالتحدث المتسرع مع أعداء إيران، واللجوء لهذا وذاك، من لديهم دوافع اقتصادية في دعمهم لمطالبة الإمارات، مؤكدا أن الطريق الذي يضعه الآخرون أمامهم لن يؤدي إلا إلى الدمار والخراب.
استنكار خليجي
وعلى صعيد متصل، تتابعت ردود الفعل المستنكرة لتصريحات رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي.
إذ أعرب جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، بحسب وكالة الأنباء الكويتية “كونا”، عن رفضه واستنكاره تصريحات خرازي حول الجزر الثلاث، وإجراءات الأمم المتحدة عام 1970 بشأن استقلال وعروبة دولة البحرين، واصفا إياها بالتصريحات غير المسؤولة، ومؤكدا دعم المجلس حق سيادة الإمارات على الجزر الثلاث، والمياه الإقليمية، والإقليم الجوي، والجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة لها، داعيا إيران إلى إنهاء احتلالها لها.
كما أدان تشكيك خرازي في إجراءات الأمم المتحدة، التي اعتمد نتائجها مجلس الأمن بالإجماع في قراره رقم 278 خلال مايو/أيار 1970، مؤكدا استقلال البحرين، وكامل سيادتها على أراضيها، مشددا على وقوف مجلس التعاون صفا واحدا مع الإمارات والبحرين، ومؤكدا أن أمن دول الخليج كل لا يتجزأ، ولافتا إلى أن مثل هذه التصريحات التي لا تمتُّ إلى الحقيقة بِصلة، لا تخدم تعزيز العلاقات الخليجية-الإيرانية، في ظل ما تشهده من تطور وانفتاح بين الجانبين من جهة، وتطورات الأوضاع بالمنطقة من جهة أخرى، على حد قوله.
واختتم البديوي البيان، داعيا إيران إلى ضرورة وقف هذه الادعاءات، والاستجابة لدعوة ومساعي الإمارات، عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، واحترام سيادة دولة البحرين، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وفي السياق نفسه، وتعقيبا على تصريحات المسؤول الإيراني بشأن البحرين، نقلت وكالة الأنباء البحرينية، عن عدد من أعضاء مجلس النواب استنكارهم تصريحات خرازي، مشيرة إلى تأكيد النواب أن “مملكة البحرين عربية منذ الأزل، وأن الادعاءات الإيرانية محض افتراء، ومجرد محاولة لطمس الحقائق وتزييف التاريخ، وتصدير الأزمات إلى الخارج، بدلا من التركيز على الواقع المؤسف الذي تعيشه إيران وشعبها”، على حد قولها.