كتب: محمد بركات
في ظل تزايد التوترات بين إيران والدول الغربية، ومع تصاعد الحديث عن الإجراءات العسكرية المحتملة ضد إيران، يبرز تساؤل مهم حول تطورات الوضع العسكري في المنطقة، حيث شهدت الأيام الأخيرة العديد من التصريحات والتقارير التي تشير إلى احتمالات تصعيد العمليات العسكرية الإيرانية، إضافة إلى استعدادات مكثفة على الجانبين الإسرائيلي والأمريكي.
في هذا السياق، جاء إعلان القادة العسكريين الإيرانيين عن خططهم المستقبلية ومواقفهم تجاه التهديدات المستمرة، مما يزيد من حجم التكهنات حول قدرة إيران على تنفيذ عمليات جديدة ضد إسرائيل في المستقبل القريب، في ظل تصاعد الاستعدادات العسكرية والتحديات الإقليمية.
فخلال لقطات بثها التلفزيون الإيراني الجمعة 10 يناير/كانون الثاني 2025، زار اللواء حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني، والعميد أمير علي حاجي زاده قائد القوات الجو فضائية للحرس الثوري، ما أُطلق عليه مدينة صاروخية جديدة في قلب الجبل.
وخلال الحدث، صرح حاجي زاده بأن ما سماه بالبركان النائم سيكون جاهزا للانفجار قريبا فوق رؤوس الأعداء.
وقد أشار التلفزيون الإيراني إلى أنه وخلال عملية الوعد الصادق2، التي وقعت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024 واستهدفت قواعد جوية إسرائيلية، تمكنت صواريخ هذه القاعدة من تجاوز أنظمة الدفاع الصهيونية المتعددة والكثيفة وتدمير قاعدة نيفاتيم الجوية، والتي تُعتبر الموقع الرئيسي لاستقرار مقاتلات F-35 التابعة للكيان الصهيوني، والذي لم يتمكن حتى الآن من إعادة القاعدة إلى حالتها التشغيلية.
ووفقا للصور الملتقطة، فقد ظهر أنه تم تخزين الصواريخ الإيرانية التي تعمل بالوقود السائل مثل عماد وقدر وقيام في هذه القاعدة، وجدير بالذكر أن تقرير التلفزيون قد ذكر أنه قد تم عرض جزء صغير فقط من هذه القاعدة، حيث لا يظهر نحو 90% من أجزائها.
وخلال العرض صرح سلامي بأنه قد جاء إلى هذه القاعدة لتقديم الشكر والتحية للقوات العاملة في عمليتي الوعد صادق 1 و2، وكذلك لتقييم الوضع العملياتي الراهن للوحدات الصاروخية المتمركزة هناك.
وأضاف: “كان العدو يعتقد أن قدرتنا الإنتاجية قد توقفت، لكن معدل نمو قوتنا الصاروخية محدث باستمرار، فالقوة الصاروخية تشهد يوميا زيادة في الكمية والجودة والمهارة والتصميم، مما يرفع من قدراتها وإمكاناتها. هذا التطور يعني أن القوات الجو فضائية للحرس الثوري ستكشف قريبا عن صواريخ جديدة وقواعد صاروخية في المستقبل القريب”.
جدير بالذكر أنه في يونيو/حزيران من العام 2008، نقل التلفزيون الإيراني أنباء عن دوي أصوات صواريخ من صحراء وسط إيران. حينها، قال العميد حسين سلامي، الذي شغل منصب قائد القوات الجو فضائية للحرس الثوري آنذاك: “هذا مجرد جزء صغير من قدرات إيران الصاروخية والهجومية”.
“لا نحتاج لأذرع إقليمية لترد نيابة عنا”
وخلال اجتماع عقد الجمعة 10 يناير/كانون الثاني 2025 تحت عنوان راهیان نور في مدينة آبادان الإيرانية، صرح سلامي: “إن شعبنا يطالبنا باستمرار بإطلاق عملية الوعد الصادق 3، لماذا؟ لأنهم يشعرون بجمال المواجهات الصعبة كأنها مشهد من الحرب، فشعبنا يحب أن نتصرف دائما بكل قوة في جميع المجالات، لأن هذه القوة واضحة ومرئية ويمكن قياسها ومشاهدتها، إنها مظاهر جلية تعكس توازن القوة والهيبة والمصداقية”.
وفي جزء آخر من حديثه، أشار القائد العام للحرس إلى التحليلات التي تقول بأن إيران فقدت أذرعها الإقليمية ولم تعد قوية كما كانت، فقال: “يرددون هذه العبارات مرارا ليزرعوها في الأذهان. إذا كانت دول المقاومة هي أذرعنا الرادعة، فكان من الأولى أن نستخدمها عندما قتل القائد سليماني أو القائد زاهدي، لكن الحقيقة أن تدبيرنا كان يقوم على أن كل دولة مقاومة تتصرف بناء على أولوياتها الخاصة”.
وشدد سلامي: “نحن قادرون على الرد من داخل أراضينا، ولم يكن هناك حاجة لتنفيذ عمليات مثل الوعد الصادق 1 و2 بواسطة الآخرين. نحن نظام رسمي وقوي نحاسب أعداءنا بناء على قدراتنا الذاتية، فبعد استفزازات إسرائيل، لم نعتمد على أذرعنا في المنطقة، ولم نطلق صواريخ من سوريا أو لبنان، بل قمنا بالرد من داخل أراضينا مباشرة”، مضيفا: “عندما قتل سليماني، ضربنا قاعدة أمريكية مباشرة وأعلنا مسؤوليتنا عن الهجوم بكل وضوح”.
وأوضح أن إيران لم تكن تستفيد عسكريا من سوريا بحيث تقلق بشأن قدرت ردعها في حال سقوطها، حيث أوضح: “لقد سقطت سوريا، لكننا لم نعتمد على مكاسب عسكرية منها لنكون قلقين بشأن ردعنا”.
وفي ما يخص الاعتداءات الإسرائيلية على السفن الإيرانية، قال سلامي: “عندما يستهدفون سفننا، يعرفون تماما أين ضربنا سفنهم وعدد الأضرار التي لحقت بهم، وهذا يثبت مدى تأثيرنا واستقلاليتنا”.
كذلك، فحول قدرة إيران، فصرح: “هل نحن اليوم أقوى في إغلاق المضائق أم في السنوات الماضية؟ الآن، مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إصابة الأهداف على مسافات آلاف الكيلومترات، نحن بلا شك أقوى”.
وأشار إلى أن إيران وصلت إلى قدرات هائلة في المجالات الصاروخية والطائرات المسيرة والسفن، قائلا: “سنكشف قريبا عن مدن صاروخية وجوية جديدة، وستشاهدون عظمة وقوة إيران”.
كما أكد سلامي أن الحرس الثوري مستعد لحل جميع مشاكل البلاد، حيث تابع: “لدينا قدرات هائلة في التعبئة الوطنية، ومستعدون لتقديم الدعم في جميع المجالات”.
واختتم سلامي حديثه قائلا: “إن إيران اليوم لا تُقهر، والشعب الإيراني، مهما قيل له أن يخاف، لن يعرف الخوف، فثقافة الدفاع المقدس هي ثقافة العزة والصمود”.
هل تشن إيران هجوما جديدا على إسرائيل؟
تأتي تلك الزيارة إلى مستودع الصواريخ في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف الإسرائيلية بشأن قيام إيران بشن هجوم عليها قبل تولي الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، سدة الحكم في 20 يناير/كانون الثاني 2025، في الوقت الذي تتوارد فيه التقارير بأن إيران ستنفذ عملية الوعد الصادق3.
فبهذا الشأن، صرح علي محمدي سيرت، ممثل المرشد الأعلى الإيراني، على خامنئي، في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الأحد 5 يناير/كانون الثاني 2025، قائلا: “في هذا المسار لن نتردد ولن نتعجل في التصرف، لقد تطاول العدو على أرضنا وشعبنا، والسياسة التي تم تبنيها ستكون واضحة، ولكن عمليات الوعد الصادق 3 آتية لا محالة وستتحقق”.
وفي الشأن نفسه، أكد علي نيكزاد، نائب رئيس البرلمان الإيراني، خلال تصريحات أدلى بها الاثنين 6 يناير/كانون الأول، أن الحكومة ورئيس الجمهورية شخصيا لا يعارضان تنفيذ عملية الوعد الصادق 3.
ومن جانبه، صرح حسين طائب، مستشار القائد العام للحرس الثوري، في تصريحات له الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2025، بأن عملية الوعد الصادق 3 ستنفذ في الوقت المناسب وأن تأثيراتها ستكون أكبر بكثير من عمليتي الوعد الصادق 1 و2.
على الجانب الآخر، فقد أصدر هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الأحد 5 يناير/كانون الثاني 2025، أوامره بوضع قوات الجيش في حالة تأهب قصوى، وذلك بسبب التهديدات التي تمثلها إيران ضد إسرائيل وفقا لتصريحه، فيما أفادت وسائل إعلام عبرية بوجود مخاوف من احتمال تنفيذ طهران عمليات وهجمات شديدة خلال الأيام المقبلة ضد إسرائيل.
وفي الشأن نفسه، فقد أفادت القناة 12 الإسرائيلية، بأن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قد عقد اجتماعا الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2025، مع مستشاريه وأعضاء مجلس الوزراء الأمني؛ لمناقشة مدى جاهزية الجيش الإسرائيلي لاحتمال شن هجوم ثالث على إيران.
رسالة إلى أمريكا
من جانب آخر يأتي ذلك العرض في الوقت الذي تتوارد فيه عدة تقارير من الجانب الأمريكي حول توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، خصوصا لمنشآتها النووية، فقد ذكر موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي في تقرير له 6 يناير/كانون الأول 2025، أن ران ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، قد توصل بعد اجتماع له مع ترامب في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إلى أن ترامب من الممكن أن يدعم هجوم تشنه القوات الجوية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية أو أنه قد يخطط بنفسه لهجوم من جانب الولايات المتحدة.
كذلك فقد حذر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، خلال حديثه في 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، من أن هناك أصواتا في إيران تقول بشكل صريح، إن البلاد يجب أن تبني قنبلة نووية.
حيث أوضح سوليفان: “إذا كنت مكان إيران ورأيت أن قدرتك التقليدية قد ضعفت، وقواتك بالوكالة أصبحت أضعف، وسقط الأسد، وأُزيلت أهم دولة حليفة لك، فلا عجب أن تظهر أصوات تقول بأنه ربما حان الوقت الآن للبحث عن السلاح النووي”.
جدير بالذكر أن دونالد ترامب وخلال مؤتمره الصحفي الذي عقد في 7 يناير/كانون الثاني 2025، وردا على سؤال حول احتمال اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران في فترة ولايته الثانية بالبيت الأبيض، قال: “لا أرغب في التحدث عن الاستراتيجيات العسكرية، إن الأحمق فقط هو من يجيب عن تلك الأسئلة خلال مؤتمرات صحفية كتلك”.