كتبت: شيماء جلهوم
في احتفالية ضخمة بذكرى انتصار أكتوبر/تشرين الأول دشنها اتحاد القبائل العربية وحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على استاد العاصمة الإدارية، أعاد السيسي على مسامع المصريين أخبار الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر وسط ما يحيط بها من أجواء حرب إقليمية، لكنه هذه المرة أضاف تشبيها جديدا، “نحن نعيش في أجواء ما بعد نكسة 1967″، هكذا تلقى المصريون الصدمة بديلا عن الأخبار الجيدة التي كانوا ينتظرونها والتي تسربت أنباؤها عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها زيادة في المرتبات والحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة والقطاع الخاص، ليفاجئهم الرئيس بالنكسة، لكن كان للمصريين رأي آخر في احتفالية أخرى.

آلاف تم حشدهم السبت الماضي، في استاد العاصمة الإدارية، من مختلف المحافظات، لقضاء يوم في صحبة الرئيس المصري، وفي الثلاثاء الذي أعقبه صادف أنه الأخير من شهر ربيع الثاني، هرول آلاف المصريين إلى وجهة مختلفة، نحو مسجد ومقام الحسين بن علي، في القاهرة، احتفالا بذكرى مولده الشريف، زيارة سنوية يشد لها بسطاء المصريين رحالهم من بقاع الجمهورية إلى مرقد الإمام بحي الجمالية.
احتفال أبدي
طقس سنوي اعتاده المصريون منذ أن استقر لديهم رأس الإمام الحسين بعد 500 عام من دفنه في عسقلان، ثم استخراجه منها في عهد الفاطميين والإتيان به إلى مصر، ليتم دفن الرأس الشريف في قصر الباب الأخضر، وهو ما عرف فيما بعد باسم مسجد ومقام الحسين، ذكرى سنوية بالمسير الأعظم للمصريين احتفالا بقدوم الرأس الشريف إليهم، حيث روى المقريزي في كتابه عن مصر، عن “خروج كل ما به روح في القاهرة ليكون في استقبال الرأس عند وصولها إلى مصر من عسقلان، مع الأمير بدر الدين الجمالي، وخلع الجميع نعاله في استقبال سيد الشهداء بداية من السلطان الفائز والصالح طلائع وحتى العامة من الشعب، الذين لا يزالون على عهدهم بالطقس الاحتفالي، فيسيرون في مولد الإمام حفاة يرجون شفاعته، وضعفاء ينتظرون رأفته، وأصحاب نكسة يرجون رحمة الله”.

برغم الظروف الاقتصادية الطاحنة بجموع المصريين، فإن مولد الحسين لا يزال يحتفظ بأهم ما يميزه من موائد الإطعام المفتوحة للمارة على مدار أسبوع الاحتفال، وتشتد وتيرة الاحتفال ونحر الذبائح للإطعام في الليلة الكبيرة للمولد، والتي وافقت أمس الثلاثاء، حيث اعتاد المصريون توزيع الطعام والحلويات في ذكرى احتضان مصر للرأس الشريف، والأرز بلبن والمهلبية والفتة واللحم والفول النابت والبسبوسة والكنافة، أطباق لا تنتهي عند مرورك بأحد شوارع الجمالية في ليلة المولد، أينما حللت وجدت طبقا في انتظارك، وكوبا من شراب الورد الممزوج بماء الورد، ودعاء وحيد يسألك إياه صاحب الطعام، أن تدعو له أن يتقبل الحسين منه “نفحته” للشهيد.
آل البيت في مصر.. مكانة خاصة
يعتز المصريون بآل البيت اعتزازا خاصا، يرجعون إليهم سر الأمن والأمان اللذين ينعم بهما المصريون في ظل أجواء محيطة لا يأمن جانبها، فتبقى بركة آل البيت هي التفسير الوحيد لأمان الداخلين إلى مصر، إيمان خاص يميزهم عن غيرهم من أهل السنة، فبرغم محاولات السلفية السابقة لتحريم زيارة الأضرحة والتشفع بالقبور، فإن ذلك لم ينل من الطقس السنوي الاحتفالي بمولد الحسين أو غيره من موالد آل البيت، والأولياء الصالحين الذين يضعهم المصريون في مرتبة عظيمة لا تشبه أحدا.
المولد.. بهجة المصريين
“ما أقدرش أفوت ميعاد المولد، ولو مفيش معايا غير حق الركوب هروح وعارف إن الحسين هيضايفني”، يقول الحاج سعيد (52 عاما)، القادم من أسيوط للقاهرة قبل يومين من الليلة الكبيرة لمولد الحسين، مضيفا لـ”زاد إيران” أنه اعتاد حضور المولد منذ صغره بصحبة والده وجده، واستكمل هو المسيرة مع أبنائه: “إحنا ما نقدرش نعيش من غير بركة المولد كل سنة، ومهما صرفت في المولد عارف إن ربنا هيرزقني أضعافه حتى لو الظروف أصعب من كده مليون مرة”.
على مدخل الباب الأخضر للمسجد الحسين، وهو الساحة الخلفية التي تركت للفقراء، بعد أن أحاطت بالمقام وصاحبه أسوار حديدية منعت زائريه من التونّس بالقرب منه، لكن بقى بابه الأخضر الذي حمل نقاط دمائه يوم قدوم رأسه مفتوحا للجميع على بساطتهم دون تفرقة، فوقف الحاج أشرف (60 عاما)، يوزع “نفحة المولد” التي اعتاد أن يوزعها منذ أربعين عاما، دون انقطاع، في حزن أو فرح، يسر أو عسر، تبقى نفحة المولد هي الصدقة التي ينقطع منها عمل الحاج أشرف “حتى لو إحنا في اقتصاد نكسة زي ما الريس قال.. برضه هنفضل نحتفل بالمولد ونوزع الأكل والشرب بهجة وفرحا ونصرا بالإمام، ربما ربنا يرضى عننا وتنزاح الغمة منا”.