كتب: محمد بركات
أثار الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2025، موجة من ردود الفعل في الصحف الإيرانية، التي تناولت الحدث من زوايا متعددة، متأثرة بالاعتبارات السياسية والاقتصادية والأمنية. تناولت الصحف الاتفاق بالتفصيل، مع التركيز على تأثيره على القضية الفلسطينية وكيف أثر ذلك القرار في إظهار الانقسامات الداخلية داخل الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، كما تطرقت بعض الصحف إلى أهمية هذا الاتفاق في تعزيز موقف حماس في مواجهة الضغوط الدولية.
المجرم الخاسر
وفي هذا الإطار، فقد كتبت صحيفة وطن امروز في تقريرها، الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، استعراضا لدلالة ما حدث، حيث ذكرت أن “اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، والذي تم بوساطة قطرية وأمريكية، يُعد تطورا هاما في الصراع، لكنه يُعتبر هزيمة معنوية وسياسية لإسرائيل. فالاتفاق، المتوقع توقيعه قريبا، يشمل ثلاث مراحل: الأولى تتضمن إطلاق سراح 3 أسرى إسرائيليين مقابل 1000 أسير فلسطيني، وعودة تدريجية لسكان شمال غزة، والمرحلة الثانية تمتد 6 أسابيع وتشمل انسحابا إسرائيليا كاملا، بينما تركز المرحلة الثالثة على تبادل جثامين القتلى وإعادة إعمار غزة”.
ويكمل التقرير: “ورغم الإعلان عنه، فإن الاتفاق يواجه معارضة شديدة داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة من الشخصيات اليمينية المتطرفة في الحكومة بن غفير، وزير الأمن القومي، وسموتريتش، وزير المالية، والذين يرون فيه استسلاما لحماس. وعلى الجانب الآخر فتفيد التقارير بأن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، حث نتنياهو على إنهاء الحرب قبل يناير/كانون الثاني 2025، مهددا بمراجعة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية إذا استمرت الأزمة”.
كما يشير التقرير إلى أنّ “فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية، وضمن ذلك القضاء على حماس واستعادة الأسرى دون تنازلات، يُظهر ضعف القيادة الإسرائيلية ويفتح الباب أمام انتقادات دولية وداخلية. علاوة على ذلك، فالانقسامات داخل الائتلاف الحاكم تجعل حكومة نتنياهو في موقف هش، ما قد يؤدي إلى انهيارها إذا انسحبت الأحزاب اليمينية المتطرفة. وعلى الجانب الآخر، فإن الاتفاق يعزز مكانة حماس، التي نجحت في فرض شروطها وصمودها أمام العدوان الإسرائيلي، كما يُبرز استمرار المقاومة الفلسطينية كخيار فاعل في مواجهة الاحتلال، ويفشل في تحقيق هدف إسرائيل الأساسي المتمثل في تقويض قضية فلسطين على المستوى العالمي”.
الصهاينة يصرخون
كذلك، فقد استعرضت صحيفة همشهري في عددها الصادر الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عقب هذا القرار، حيث ذكرت أنه “في الوقت الذي أعلن فيه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في بداية الهجوم البري على غزة، أن الحرب لن تنتهي حتى تتحقق أهداف إسرائيل الثلاثة، وهي القضاء على حماس، وتحرير الأسرى، وتغيير الجيوسياسية في المنطقة، بات الآن يحاول إقناع وزيرين من حكومته، سموتريتش وبن غفير، بعدم الانسحاب من الحكومة في حال قبول وقف إطلاق النار”.
ويكمل التقرير: “بعد الإعلان عن الاتفاق، وصف العديد من حلفاء إسرائيل ومصادر داخلية في تل أبيب هذا القرار بأنه خطوة اضطرارية، حيث اعترف الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بيريك بأن الوضع سيئ للغاية، وأن إسرائيل لم تحقق أي هدف، وهذا الوضع، في حال ما استمر، سيؤدي إلى عواقب وخيمة، في حين وصف المستشار الألماني أولاف شولتز، الاتفاق بأنه مؤلم وصعب، لكنه شدد على ضرورة إعطاء الأولوية لأرواح الأسرى.
ويضيف التقرير: “كذلك انتقد إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، الاتفاق بشدة واصفا إياه بأنه اتفاق استسلام أمام حماس، في حين عبّر الكاتب والناشط الإسرائيلي يوعاف إلياسي عن غضبه من الاتفاق واصفا إياه بأنه مُهين ومُذل، في الوقت الذي صرح فيه أميت هاليفي، عضو الكنيست، بأن الاتفاق يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقد يُعاد أسر بعض الجنود في المستقبل”.
الحرب التي تحولت إلى كابوس لإسرائيل
وقد استعرضت صحيفة جام جم، الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، الأبعاد الاستراتيجية التي ستترتب على هذا الاتفاق، حيث ذكرت في تقريرها، أنه “قبل 467 يوما، أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، أنه قد بدأ حربا شاملة بهدف تدمير حماس وتحرير أسرى إسرائيل، حربا بدأت بادعاء القوة العسكرية المطلقة لإسرائيل، لكن اليوم وصلت إلى مرحلة أصبح فيها هذا النظام مضطرا للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع نفس حماس نفسها التي كان ينوي تدميرها”.
ويكمل التقرير أن “فشل تل أبيب في تحقيق أهدافها المعلنة لا يقتصر فقط على إظهار ضعف القوة العسكرية الإسرائيلية، بل أظهر أيضا الانقسامات العميقة داخليا والأزمات غير المسبوقة على الصعيد الدولي، فالصهاينة الذين شنوا قصفا مدمرا حتى على أسرى صهاينة، أصبحوا الآن، مع ازدياد خسائرهم العسكرية في غزة، مجبرين على إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني مقابل عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين. كذلك، فبعد مرور عام ونصف على حرب غزة، فشلت إسرائيل في كشف شبكة أنفاق حماس المعقدة، وكل مرة تعرضت لضربات قوية من خلالها. ورغم التضحيات الكبيرة، لم يفقد أهل غزة دعمهم للمقاومة، بل تواصل الأخبار عن تجنيد أعضاء جدد لحماس وعمليات جديدة”.
ويردف التقرير: “أدت الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة إلى تحويل إسرائيل إلى رمز للظلم والعدوان في العالم، ومع تراجع الدعم غير المشروط لها على المستوى الدولي، أصبحت السياسات الوحشية لتل أبيب مرفوضة من المجتمع الدولي. وفي الوقت ذاته، شهدت غزة تحركات دبلوماسية متزايدة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعكس تزايد النفور العالمي من ممارسات إسرائيل، من جهة أخرى، أصبحت مقاومة شعب غزة رمزا للصمود في وجه الظلم، وجذبت دعما عالميا. فاليوم، تعتبر غزة ليست فقط ساحة المعركة، بل مسرحا لانتصار الضمير الإنساني على الظلم”.
وتخلص الصحيفة إلى أن “نتنياهو في أزمة تاريخية، جعلت حرب غزة الخلافات الداخلية في إسرائيل تصل إلى مستويات غير مسبوقة، فقد أدى فشله في تحقيق أهداف الحرب، والخسائر البشرية، والضغوط الاقتصادية إلى أزمة سياسية في تل أبيب. حتى إن العديد من الحلفاء السابقين لنتنياهو بدأوا في إدانة سياساته ودعوا إلى استقالته. إن قبول إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار لا يعكس فقط عجزا عسكريا، بل يعد أيضا نهاية لأسطورة، إسرائيل التي لا تُهزم، الحرب التي بدأت بهدف تدمير حماس تحولت إلى كابوس لإسرائيل”.
عصر ما بعد السابع من أكتوبر
واستكمالا للتحليلات، نشرت صحيفة إيران الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، آراء بعض الخبراء لمدلولات هذا الاتفاق، حيث ذكرت: “اعتبر محمد خواجویی، الخبير في شؤون غرب آسيا، أن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وبعض الشروط التي جاءت فيه مثل انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة واقترابها من الحدود، وكذلك مسألة تبادل الأسرى، أمر ذو أهمية كبيرة. وإلى جانب ذلك، فإن تأثير هذا الاتفاق على التطورات المستقبلية في المنطقة أمر لافت، فمن وجهة نظر خواجويي فإن العامل الأكثر تأثيرا في هذه التطورات كان الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من خلال تصريحاته، فبعدما فاز ترامب، أرسل رسالة واضحة إلى المنطقة، خاصة إلى إسرائيل، مفادها أنه يجب إنهاء الحروب قبل دخوله إلى البيت الأبيض، وهذا كان له تأثير كبير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان قد رفض سابقا قبول وقف إطلاق النار، لكنه الآن اضطُر إلى قبول اتفاق يتشابه كثيرا مع الخطة التي كان بايدن قد أصر على تنفيذها سابقا”.
ويكمل التقرير: “كذلك، فقد ذكر حسين آجرلو، الخبير في شؤون غرب آسيا، أن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل يفتح عهدا جديدا سماه عهد ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث ستظهر نتائجه تغيرات كبيرة في وضع منطقة الشرق الأوسط. فمنذ بداية عمليات طوفان الأقصى، بدأت حماس في إجراء مفاوضات صعبة ومعقدة بهدف إنهاء الأزمة والجرائم العسكرية الإسرائيلية، ورغم هذه الصعوبات، لم تتراجع حماس عن مطالبها الواضحة والمبدئية، التي تمثلت في وقف كامل للحرب، وانسحاب شامل للقوات الإسرائيلية من غزة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، إضافة إلى تقديم المساعدات العاجلة وإعادة بناء غزة”.
هل انتهت الحرب على غزة بالفعل؟
هذا وقد طرحت صحيفة آرمان امروز في عددها الخميس 16 يناير/كانون الثاني 2025، عن إمكانية إشعال نتنياهو للحرب مجددا نتيجة الضغوط الداخلية، حيث قالت: “يعتقد بعض المراقبين أن نتنياهو قد يعيد إشعال الحرب بعد انتهاء عملية تبادل الأسرى، ورغم ما يُقال عن ضمانات أو تعهدات من الولايات المتحدة عبر وسطاء بشأن وقف الحرب بشكل كامل وعدم استئنافها بعد تنفيذ مراحل الاتفاق، فإن التعامل مع إسرائيل يجعل الحديث عن وجود ضمانات أمرا غير واقعي، حيث إن إسرائيل غالبا ما تتنصل من التزاماتها وتفسر نصوص الاتفاقيات بما يناسب مصالحها، كما حدث في اتفاق لبنان”.
ويكمل التقرير: “في هذا السياق، يمكن القول إن مفاوضات وقف إطلاق النار في حرب غزة تُعد واحدة من أصعب المفاوضات في تاريخ القضية الفلسطينية، وبعض المراقبين الإسرائيليين يعتبرونها الأكثر تعقيدا منذ عام 1948، فإضافة إلى تأخر موافقة إسرائيل على وقف الحرب وانسحابها من غزة، كان أحد أسباب طول هذه المفاوضات هو إصرار الجانب الفلسطيني على التدقيق في كل كلمة لضمان سد كل ثغرات التأويل التي قد تستغلها إسرائيل، خاصة في ظل تجربة اتفاق لبنان وتفسيره حسب الأهواء”.
ويتابع التقرير: “فعلى الرغم من هذه الصرامة والدقة في صياغة الاتفاق، يبقى احتمال استغلال إسرائيل للنصوص والتنصل من التزاماتها قائما. مع ذلك، فهناك سببان يجعلان من غير المرجح أن يعيد نتنياهو إشعال الحرب بعد استعادة الأسرى أو يشن هجوما بريا جديدا على غزة، رغم احتمال استمرار الهجمات الجوية المتقطعة”.
ويضيف التقرير: “فالسبب الأول هو أن دونالد ترامب من غير المرجح أن يسمح لنتنياهو بإعادة إشعال الحرب في غزة، لأن ذلك سيؤدي إلى تجدد التوتر العسكري في الشرق الأوسط، مما يتعارض مع مصالحه وخططه في المنطقة، مثل توسيع (اتفاقيات أبراهام)، أما السبب الثاني، فإن إنهاء الحرب في غزة يمثل خروجا من مأزق استراتيجي استمر 15 شهرا، واستعادة الأسرى تُعتبر مطلبا رئيسيا للمجتمع الإسرائيلي وفرصة لإنهاء الحرب بمخرج (مشرف). لذلك، من غير المحتمل أن تغامر إسرائيل بإعادة الدخول في (دوامة الاستنزاف) مرة أخرى”.