ترجمة: علي زين العابدين برهام
أظهرت تصرفات سعيد جليلي، مستشار المرشد الإيراني، خلال فترة الحكومات المتتابعة سلوكا متشابها فهو دائم النقد ويقف في مواجهة الحكومة الحالية تحت مظلة “حكومة الظل”، وكأن الانتخابات لم تنتهِ بعد بالنسبة له ولمن حوله.
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية تقريرا الجمعة 17 يناير/كانون الثاني 2025 حول أداء سعيد جليلي في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وانتقاداته للحكومة؛ إذ أفادت بأنه لم يعد يخفي انتقاداته السياسية، بل بدأ يهاجم بشكل مباشر؛ أو كما يقال “أشهر سيفه في مواجهة الحكومة”.
تصرف مشابه من مرشح خاسر في الانتخابات
ذكرت الوكالة أن تصرفات جليلي خلال فترات الحكومات التي هُزم جليلي أمام رؤسائها أظهرت نمطا مشابها؛ سواء في عهد الحكومة الحادية عشرة أو في الحكومة الحالية، وهي الرابعة عشرة. فقد اصطف في مواجهة الحكومة القائمة تحت غطاء “حكومة الظل”، وكأن الانتخابات لم تنتهِ بعد بالنسبة له ولمن حوله.
وأضافت أنه يبدو، من الهجمات التي يشنها بنفسه عبر حسابات إلكترونية، معروفة وغير معروفة يديرها أنصاره، أن الجميع لديه مهمة واحدة وهي تشويه صورة الحكومة وأعضائها البارزين. وبما أن الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي قد أمسك لسنوات بزمام المفاوضات النووية بنفسه، فإن ذكر كلمة “مفاوضات” يؤدي إلى تصاعد هجماته، سواء الكبيرة أو الصغيرة، وكذلك هجمات أنصاره في الفضاء الإلكتروني، وبعبارة أخرى، يبدو أنهم يصابون بحساسية شديدة من كلمة “مفاوضات”، ويظهرون هذه الحساسية من خلال هجماتهم الواسعة.
وأشارت الوكالة إلى أنه حتى خلال فترة الحكومة الثالثة عشرة، التي انسحب من الانتخابات لصالح رئيسها، استمر جليلي في ممارسة نوع آخر من الإزعاج. فقد انتقده أمير حسين قاضي زاده هاشمي، المرشح في الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة، بشدة خلال أحد مؤتمراته الصحفية الانتخابية، وإن كان ذلك دون ذكر اسمه. فهاشمي وجليلي، اللذان كانا يعتبران نفسيهما امتدادا لحكومة رئيسي، انتهى بهما الأمر أحدهما منسحبا والآخر خاسرا.
على رأس أعلى هيئة أمنية
ذكرت الوكالة أنه وعلى الرغم من افتقار جليلي لأي خبرة تنفيذية، إلا أنه شغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي من عام 2007 حتى 2013. خلال هذه السنوات الست، وقعت أحداث مهمة في البلاد تظهر فيها بصمات إدارة جليلي. يُعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي أعلى مسؤول أمني في البلاد، والسبب واضح وبسيط فهو المسؤول عن أمانة أعلى هيئة أمنية في البلاد، والتي تُعد قراراتها بمثابة قوانين.
وأوضحت الوكالة أنه عادة ما يُشار إلى أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في السياسة الإيرانية على أنها أعلى وأهم هيئة أمنية في البلاد. ولفهم المكانة البارزة لأمانة المجلس، يمكن الرجوع إلى تصريحات علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي سابقا، التي أدلى بها تأييدا لتعيين محمود علوي وزيرا للاستخبارات. إذ صرح بروجردي: “ربما لا تعلمون، لكنني على علم بأن هناك مجلس تنسيق للاستخبارات ينعقد أسبوعيًا، ويجتمع فيه الإخوة من الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات وغيرهم من الجهات في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي”.
وأردفت أنه على الرغم من أن تفاصيل مهام وإجراءات أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي ليست واضحة تمامًا، إلا أن تصريحات بروجردي في عام 2013 تُظهر أن هذه الأمانة تتمتع بمكانة خاصة بين المؤسسات الأمنية، وتُعتبر بمثابة “الأخ الأكبر” بين الأجهزة الاستخباراتية.
منتقد المفاوضات
أضافت الوكالة مبينة أن جليلي الآن، نفس الشخص الذي أمسك بدفة أعلى هيئة أمنية في البلاد لمدة 6 سنوات، بدأ يوجه انتقادات لحكومة هُزم أمام رئيسها في الانتخابات. وربما يكون من المناسب، بهذه المناسبة، إلقاء نظرة على سجل جليلي والأحداث الأمنية المهمة التي وقعت في البلاد خلال فترة مسؤوليته.
وذكرت أنه ربما تكون أبرز مسؤوليات جليلي، والتي كُتب وتحدث عنها كثيرا، هي الملف النووي الإيراني، إذ تشير المصادر إلى أن استراتيجيته كانت “التفاوض من أجل التفاوض”. فخلال هذه السنوات الست، لم يتمكن جليلي فقط من إيصال المفاوضات بين إيران والغرب إلى نقطة مرضية، بل سلّم الملف لفريق التفاوض الإيراني التالي في أسوأ ظرف ممكن.
وبينت أن جليلي تسلّم الملف من علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، مع قرارين أمميين، 1737 و1747، وأضيفت خلال فترته ثلاثة قرارات أخرى، 1803 و1835 و1929، ليُسلمها بدوره إلى محمد جواد ظريف. لكن الفرق بين القرارين الأولين والقرارات الثلاثة التي صدرت في عهد جليلي هو أن المجموعة الأولى كانت قرارات نووية بحتة ولم تكن ذات طابع اقتصادي، بل كانت تقتصر على الحظر التسليحي. أما القرارات الثلاثة في عهد جليلي، فقد فُرضت بموجبها عقوبات اقتصادية شديدة على إيران، كان أسوأها القرار 1929.
وأردفت أن أداء جليلي كان مثيرًا للجدل إلى درجة أنه تعرض لانتقادات حادة حتى من شخصيات أصولية مثل علي أكبر ولايتي، مستشار خامنئي للشؤون الدولية، خلال مناظرات الانتخابات الرئاسية لعام 2013. ومع هذا السجل، ومنذ بدء المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 في حكومة حسن روحاني، لم يتوقف عن مهاجمة المفاوضات وفريق التفاوض بشدة. وحتى الآن، يبدو أنه لم يصل إلى حالة من الهدوء، حيث يستمر في انتقاد الاتفاق النووي (برجام) ونتائجه بشكل لاذع.
كارثة كهريزك
وأشارت الوكالة إلى جانب آخر يجب أخذه بعين الاعتبار في السجل الإداري لسعيد جليلي هو كارثة معتقل كهريزك، التي تحولت خلال أحداث ما بعد انتخابات يونيو/حزيران 2009 إلى نقطة حزن وألم للمجتمع الإيراني.
وتعود القصة إلى تجمعات 9 يوليو/تموز 2009، حيث تم اعتقال عدد من المشاركين في الاحتجاجات ونقلهم إلى معتقل كهريزك الواقع جنوب طهران.
ووفقا للشواهد والمعطيات، كان هذا المعتقل يعاني من أوضاع صحية سيئة وأجواء كارثية. يكفي للدلالة على فظاعة الظروف هناك أن الشباب الذين تم اعتقالهم في الشوارع بسبب احتجاجات سياسية تم احتجازهم بجانب مجرمين وأشخاص ذوي سجلات جنائية كبيرة. ووفقًا للروايات، عندما علم المرشد الإيراني علي خامنئي بالوضع داخل معتقل كهريزك، أصدر أمرا بإغلاقه.
وذكرت الوكالة أنه وفقا لرواية نشرتها صحيفة “شرق” في عام 2016، فإن الخبر المتعلق بـ”احتجاز المعتقلين إلى جانب المجرمين المعروفين وتعريضهم للضرب والتعذيب”، علم به خامنئي في الثاني والعشرين من يوليو/تموز 2009. وحينها، أصدر تعليماته لسعيد جليلي، الذي كان يشغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في ذلك الوقت، بإغلاق معتقل كهريزك في نفس اليوم، ونقل جميع المعتقلين إلى السجون الرسمية.
وأضافت ما نشرته مجلة “بنجره” الأصولية، في ذلك الوقت ملحقا خاصا عن هذه الحادثة، وذكرت أن “سعيد جليلي تواصل مع سعيد مرتضوي، الذي كان يشغل منصب المدعي العام في طهران، وأبلغه بتوجيهات خامنئي. لكن مرتضوي رفض تنفيذ الأمر بحجة عدم وجود أماكن شاغرة في السجون الأخرى. إلا أن سعيد جليلي أصر على أنه في حال عدم توفر أماكن، يجب إطلاق سراح المعتقلين في نفس اليوم.”
وبينت الصحيفة أنه بحسب ما أفاد به سعيد مرتضوي، المدعي العام السابق لطهران: “تواصل سعيد جليلي معي عبر الهاتف ولكن لم يُطرح في هذه المكالمة الهاتفية على الإطلاق موضوع إغلاق مركز احتجاز كهريزك، ولم يحدث ذلك خلال شهر تير يوليو/تموز على الإطلاق. وقد تم إبلاغ هذا الأمر في شهر مرداد أغسطس/آب ونُشر عبر وسائل الإعلام مثل التلفزيون الرسمي”.
وأضافت الوكالة أن صحيفة “شرق” ذكرت أن مرتضوي أفاد بأن جليلي طلب منه خلال المكالمة نقل المعتقلين إلى سجن إيفين دون ذكر أي سبب محدد. وبدوره أصدر مرتضوي في اليوم التالي أمراً بنقل المعتقلين من كهريزك إلى إيفين، وتم استقبالهم هناك في سجن إيفين.
وأوضحت الوكالة أنه مع هذا السجل، وبعد نقل بعض المعتقلين إلى كهريزك، عندما علم المرشد الإيراني بالموضوع، قام بإرسال رسالة لجليلي مفادها: “سمعت أن هناك أشخاصاً محتجزين هناك، أخبروهم أنه حتى لو لم يكن هناك مكان آخر للاحتجاز، فليُطلق سراحهم جميعا”.
وأشارت إلى أن هذا السرد يتطابق مع الرواية التي نشرتها مجلة بنجره في ذلك الوقت، لكن في هذا السرد لم يتم الإشارة إلى نتائج تحقيقات أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي بشأن أوضاع معتقل كهريزك. فمن جهة أخرى، رغم صعوبة التمييز بين روايتي جليلي ومرتضوي، إلا أنه بناء على ما يمكن العثور عليه في الأخبار، لا توجد أدلة على نفي سعيد جليلي لتصريحات سعيد مرتضوي.
البنزين على النار
ذكرت الوكالة أن أحد الإجراءات الأخرى التي قام بها سعيد جليلي كانت منعه لخطاب تلفزيوني لمير حسين موسوي، رئيس الوزراء الأسبق والمرشح الرئاسي 2009، في الأيام التي أعقبت انتخابات عام 2009، وهو إجراء تسبب في اتساع نطاق الاحتجاجات على نتائج تلك الانتخابات. علي لاريجاني، رئيس البرلمان آنذاك، كشف في مقابلة حديثة مع موقع “خبر أونلاين” عن رواية واضحة بشأن تدخل جليلي. رواية يمكن وصفها بأنها تقصير، سواء كان عفويا أو متعمدا.
وأضافت أن لاريجاني أشار إلى الدور السلبي الذي لعبته أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في تلك الفترة، حيث قال: “اتصل بي المرحوم هاشمي شاهرودي، رئيس السلطة القضائية آنذاك، وقال إنه تحدث مع السيد موسوي، وقد وافق الأخير على التحدث لمدة ساعة في التلفزيون لإنهاء الأزمة. لكنني بعد ذلك علمت أن شاهرودي قال إن الأمانة العامة لم توافق.
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن سعيد جليلي لم يردّ على هذه التصريحات، إلا أنه، عندما سُئل عن الأمر بعد بضعة أسابيع من كلام لاريجاني، اكتفى بمهاجمة علي لاريجاني ولم ينفِ أو يؤكد هذه الرواية.
الثقة الإدارية
واختتمت الوكالة تقريرها بأن ذكرت أن سعيد جليلي، الذي لا يتمتع بسجل مقبول لا في الأمور الأمنية، ولا في شؤون التفاوض، ولا حتى في إدارة الأزمات، أصبح يتذمر وينتقد الحكومات المختلفة، معتمدا على ما أطلقت عليه “الثقة الإدارية”.