كتب: محمد بركات
سياسة الوفاق الوطني، كلمة لطالما كررها الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، في تصريحاته خلال حملته الانتخابية وبعد توليه السلطة في إيران، فبين وعود بالإفراج عن معتقلي الرأي، وضمان حرية الصحافة، والحد من سلطات شرطة الأخلاق وجذب العقول الإيرانية بالخارج، جاء خطابه الانتخابي مُنبأ بمستقبل يزداد فيه هامش الحريات.
وفي ظل تلك الوعود جاء تقرير نشره موقع منظمة الدفاع عن الانتشار الحر للمعلومات (DeFFI)، وهي منظمة حقوقية تُعنى بحماية حرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين وحق الجمهور في الوصول إلى معلومات دقيقة وموضوعية، بمناسبة انتهاء فترة المئة يوم الأولى لحكومة بزشكيان والتي امتدت من يوم 28 يوليو/تموز، وهو يوم تنصيبه، وحتى يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني للعام 2024، ليمثل صدمة لكل من كان يتوقع الأفضل، فقد أوضح التقرير بالبيانات أن حالة الصحافة في إيران ما زالت مثل سابق عهدها، أو حتى أسوأ، وذلك وسط حالة من خيبة الأمل، مفادها إن كان الرئيس لا يستطيع تنفيذ أبسط وعوده وهو السماح بهامش أكبر من حرية الصحافة ووسائل الإعلام، فكيف سيستطيع تحقيق وعوده الصعبة الأخرى؟
العلاقة بين الأحداث الاجتماعية المهمة وقمع الصحافة في إيران:
وفقا لتقرير المنظمة الصادر في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، فإن إهمال وسائل الإعلام قد بدأ مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، فبدلا من الممارسة المعتادة التي يتبعها المسؤولون المنتخبون بإجراء مؤتمر صحفي، فقد ألغى بزشكيان مؤتمره الصحفي الأول مع وسائل الإعلام وقرر مقابلة علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني. وفي خطوة غير مسبوقة، تأخرت أول مقابلة صحفية له كرئيس جديد لمدة شهرين تقريبا، حيث أجرى مقابلة أولى مع التلفزيون الرسمي دون وجود صحفيين مستقلين أو وسائل إعلام غير حكومية.
ويكمل التقرير: “تمت مراسم تنصيب مسعود بزشكيان في يوم الأحد 28 يوليو/تموز. وبعد يومين، أقيمت مراسم (حلف القسم) في البرلمان، وبعد أقل من ثلاثة أيام من بداية رئاسته الرسمية، قُتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في منزله بطهران، بينما كان قد حضر إلى إيران لحضور مراسم القسم، وحينها كررت الإدارة السياسية في إيران نمطها المعتاد في الأحداث الكبيرة وذلك عن طريق نشر المعلومات من قبل وسائل الإعلام والمسؤولين دون تفاصيل، والتي تتمحور لخدمة أفكارهم، حينها هدد النائب العام الإيراني المواطنين والناشطين الإعلاميين الذين ردوا على الحدث بإجراءات قضائية وأمنية. وقد استخدم المدعي العام في بيانه عبارة (التعامل مع الاضطرابات في الأمن النفسي للمجتمع)، وهي العبارة التي استخدمها علي خامنئي سابقا لوصف ردود الفعل من الصحفيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد عدة ساعات من هذا البيان، أوردت وكالة ميزان للأنباء، وهي الوكالة الرسمية للسلطة القضائية، أخبارا نقلت عن مكتب المدعي العام في طهران أن عددا من المواطنين قد تم استدعاؤهم للتعليق على الأمر، وتم تحذيرهم، وفي بعض الحالات، تم فتح قضايا قانونية ضدهم، حيث تم توجيه تهم لما لا يقل عن 12 وسيلة إعلامية وصحفيا وناشطا إعلاميا، وكانت التهم الموجهة إليهم مشابهة لتلك التي وجهت للصحفيين في أبريل/نيسان الماضي بعد هجوم الحرس الثوري الإيراني الصاروخي والطائرات المسيّرة من الأراضي الإيرانية على إسرائيل وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، بعد الهجوم الصاروخي الثاني من الحرس الثوري الإيراني من الأراضي الإيرانية على إسرائيل، وأواخر أكتوبر/تشرين الأول بعد الهجوم الإسرائيلي على القواعد العسكرية في إيران”.
وتيرة متزايدة من قمع الصحافة:
(المواجهات القضائية والأمنية مع الصحفيين ووسائل الإعلام في عام 2024 وفقا لـDeFFI)
ويقول التقرير بشأن حالات احتجاز الصحفيين: “في بداية رئاسة بزشكيان الرسمية، كان هناك على الأقل ثمانية صحفيين وناشطين إعلاميين محتجزين في السجون الإيرانية. ومع نهاية اليوم المئة من رئاسته، ارتفع عدد الصحفيين وناشطي الإعلام المحتجزين إلى عشرة، فخلال هذه الفترة، تعرض أربعة صحفيين للاحتجاز المؤقت. تم اعتقال فاطمة قلي بور في تبريز، وألقت القوات الأمنية القبض على فردين مصطفائي في سقز، بينما تم اعتقال عابدبر بيري في كرج، وأُوقف رضا وليزاده في طهران، كما تم تنفيذ أحكام بالسجن ضد أربعة صحفيين وناشطين إعلاميين خلال هذه الفترة. تم نقل سعيدة شفيعي، وفؤاد صادقي، ومصطفى نعمت إلى سجن أوفين في طهران بعد اعتقالهم، بينما تم نقل جينا مدرس قورجي إلى سجن سنندج لتنفيذ حكمها.
(صورة الصحفيين المعتقلين)
ويكمل التقرير أنه في الأسبوع الثاني، وافق بزشكيان على طلب من جمعية الصحفيين في طهران “لسحب الشكاوى المقدمة من المؤسسات الحكومية ضد الصحفيين والإعلاميين”. كما أعلن الوزيران الجديدان للنفط والتعليم أن الشكاوى التي كانت قد سُجلت سابقا من قبل وزارتيهما ضد الصحفيين ووسائل الإعلام الإيرانية سيتم سحبها أيضا، كما أكد محمد رضا عارف، نائب الرئيس، في تعميم وجهه إلى مرؤوسي السلطة التنفيذية، أنه “لا يحق لأي جهة حكومية أو رسمية تقديم شكاوى ضد أي صحفي أو وسيلة إعلامية دون موافقة ومراجعة مجموعة العمل الإعلامية الحكومية، ولكن رغم ذلك، وخلال المئة يوم الأولى من رئاسته، لم تقم السلطات والمؤسسات الحكومية بسحب العديد من الشكاوى السابقة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، بل تم تسجيل شكاوى جديدة ضد الصحفيين والإعلاميين في إيران، فخلال هذه الفترة، تم رفع ما لا يقل عن 38 قضية قانونية جديدة ضد وسائل الإعلام والصحفيين، حيث كانت أكثر من 50% (20 قضية) من هذه الشكاوى قادمة من جهات حكومية”.
تأثيرات تعطيل تدفق المعلومات الحرة وتوسيع نماذج قمع حرية التعبير:
وحول القيود على عمل الصحفيين ذكر التقرير: “بدأت القيود على الأنشطة المهنية للصحفيين من قبل المسؤولين الحكوميين في الأيام الأولى من رئاسة بزشكيان، حيث تم طرد مراسل وكاميرا وكالة ركنا الإخبارية من اجتماع مع حسين سيمائي، وزير العلوم، بشكل غير مهني، رغم أنهم كانوا قد تلقوا دعوة لحضور الاجتماع، ووقعت هذه الحادثة بعد أيام قليلة من إعلان صحفيين آخرين على وسائل التواصل الاجتماعي أن دعواتهم لحضور اجتماع تعريف وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، صادقه هاشمي، قد تم إلغاؤها. وكشف هؤلاء الصحفيون أن استبعادهم كان بناء على أمر من محمد رضا عارف، نائب الرئيس”.
وعن التعتيم الإعلامي الذي رافق حادثة انفجار منجم طبس، قال التقرير: “في الأيام الأخيرة من سبتمبر/أيلول، وقع انفجار في منجم الفحم (معدنجو) في طبس أسفر عن مقتل 52 عاملا على الأقل، بعد هذه الحادثة، استخدمت السلطات القضائية والأمنية كل مواردها لتعطيل نشر المعلومات الصحيحة ومنع تقارير هذا الحادث المأساوي، وقد استمر نشر تقارير متناقضة حول عدد القتلى في الحادث، حيث تم منع الصحفيين من دخول موقع المنجم، ورفض المسؤولون الرد على استفسارات وسائل الإعلام. كما تم منع العديد من المسؤولين المحليين والوطنيين من الحديث مع الصحافة بشأن الحادث، وفي النهاية، أصدر النائب العام الإيراني بيانا يطالب بانتظار (بيان المحقق)، مما فرض حظرا على التعليق على الحادث. ومنذ الساعات الأولى التي تلت الحادث في منجم طبس، حاول مسؤولون من حكومة مسعود بزشكيان، وبالتعاون مع مجلس المعلومات التابع لهذه المؤسسة، ومع الأجهزة القضائية والأمنية، تقديم رواية مغلوطة للحدث؛ لإعفاء الحكومة والهيئات التنظيمية من المسؤولية عن هذه الحادثة المأساوية”.
ويردف التقرير: “تزامنت المئة المدة موضع البحث بالتقرير مع الذكرى الثانية لاحتجاجات (المرأة، الحياة، الحرية). وفي هذه الذكرى، ركزت الأجهزة القضائية والأمنية والحكومية جهودها على منع نشر التقارير المتعلقة بهذا الحدث وتعطيل نشر المعلومات المستقلة من خلال الضغط على قادة وسائل الإعلام وصناع السياسات في وسائل الإعلام والوسائل شبه الإعلامية. وبخلاف العام الماضي، عندما واجه الصحفيون مزيدا من المكالمات الهاتفية المهددة، والاستدعاءات للسلطات القضائية، والاعتقالات المؤقتة، لم يُسمح لأي من الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية بنشر تقرير عن هذا الحدث”.
ويضيف التقرير: “تكررت سيناريوهات تعطيل الأنشطة المهنية للصحفيين، والتي كانت قد تم تطبيقها سابقا في حالات محدودة من قبل السلطات الأمنية والقضائية، حيث أظهرت تحقيقات (دفاع تدفق المعلومات الحرة)، أن السلطات قامت بقطع بطاقات SIM لعدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين بسبب تغطيتهم أحداثا مختلفة أو لنشرهم محتوى نقديا على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك دون أمر قضائي. في الوقت نفسه، تعرض بعض الصحفيين والنشطاء الإعلاميين للضغط من قبل السلطات الأمنية والقضائية لحذف منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويكمل: “علاوة على ذلك، فخلال تلك الفترة، لم يتم اتخاذ أي إجراءات لإعادة فتح جمعية الصحفيين الإيرانية التي أغلقتها الحكومة بعد احتجاجات عام 2009، كذلك استمر التدخل في استقلال الصحافة من خلال السيطرة الكاملة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي على المصدر المالي الرئيسي لوسائل الإعلام (توزيع الإعلانات)، واستمرار تعيينات في وكالات الأنباء الحكومية والمؤسسات الإعلامية، مما قلل من الآمال في التغييرات الهيكلية التي تسهل وصول المواطنين إلى المعلومات الدقيقة والموثوقة في الوقت المناسب”.
التهديدات ضد الصحفيين والانتهاكات المستمرة لحقوق الإعلاميين:
استنادا إلى الحالات الموثقة من قبل المنظمة، فخلال المئة يوم الأولى من رئاسة بزشكيان، أصدرت محاكم الصحافة والسياسة، أو القضاة من السلطة القضائية، لوائح اتهام أو أحكاما بالسجن ضد الصحفيين ووسائل الإعلام في 32 قضية منفصلة.
فيقول التقرير: “خلال هذه المئة يوم، حُكم على سبعة صحفيين ونشطاء إعلاميين بالسجن لمدة إجمالية بلغت 13 عاما و3 أشهر و16 يوما، و70 جلدة، و260 مليون ريال غرامات في ثماني قضايا، وذلك بموجب المادة 134 من قانون العقوبات الإسلامي، بالنظر إلى آخر الأحكام الصادرة، كما تم فرض العديد من التهم على الصحفيين ووسائل الإعلام، من ضمنها نشر الأكاذيب بهدف إزعاج الرأي العام في 42 حالة، والدعاية ضد النظام في 14 حالة، والتآمر والتواطؤ بهدف العمل ضد الأمن الوطني في 8 حالات. وخلال هذه المئة يوم، انتهكت الأجهزة الأمنية والقضائية الحقوق القانونية للصحفيين الذين يواجهون المحاكمة في ما لا يقل عن 74 حالة، كما عقدت محاكمات صحفية غير قانونية بطريقة غير علنية أو دون حضور هيئة محلفين، وهو الحق الأكثر انتهاكا للصحفيين والإعلاميين خلال هذه الفترة، حيث وقع في 46 حالة. شملت الانتهاكات المتكررة الأخرى تهديدات وتعطيل الأنشطة المهنية للصحفيين والإعلاميين في 9 حالات، والاحتجاز التعسفي لأربعة صحفيين، وعرقلة الوصول إلى تمثيل قانوني لأربعة صحفيين بعد اعتقالهم، وأربع حالات مصادرة غير قانونية للأشياء الشخصية والمهنية دون أمر قضائي، واعتداء على صحفيين آخرين”.