كتبت: لمياء شرف
مع انطلاق ثورات الربيع العربي وخروج ثوار سوريا للمطالبة برحيل الأسد، استقوى بشار الاسد بدولتين حليفتين “إيران وروسيا” لدعمه في إسكات مطالب الثوار، والتي تحولت لحرب أهلية، قدمت إيران خلالها الدعم المادي والعسكري لنظام بشار الأسد منذ 2011.
قدمت إيران على مدار 13 عاما، دعما ماديا وعسكريا وبشريا، ومع سقوط بشار الأسد أصبحت خسائر إيران كبيرة، ولا توجد بيانات رسمية حقيقية تحصد كم الخسائر التي تعاني منها إيران الآن، وبرصد حجم الإنفاق والدعم الإيراني لسوريا نستطيع حصد حجم الخسائر التي تكبدتها إيران حتى الآن.
نشر مسؤولون حكوميون أمريكيون تقارير في عام 2011، تفيد بأن إيران لها وجود سري داخل سوريا، وفي الأشهر التالية، أعلنت إيران عن وجودها في سوريا، وأن مهمتها محاربة الجماعات الإرهابية مثل داعش، وأصبحت هذه الرواية الرسمية ذريعة للدعم الإيراني داخل سوريا.
ويذكر أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على ثلاثة أعضاء في الحرس الثوري وفيلق القدس لقيامهم بتوفير المعدات ودعم قمع المتظاهرين السوريين عام 2011.
وتزايد دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية على كافة المستويات، كما أعلن المسؤولون الإيرانيون عن إرسال مستشارين لمساعدة الحكومة السورية.
وعززت طهران قوة النظام السوري من خلال إنشاء قوات الدفاع الوطني، وهي مجموعة تضم نحو 80.000 من العلويين والشيعة وأنصار النظام الذين يساعدون الجيش السوري في القتال.
تقديرات للدعم المادي العسكري
وأفاد مكتب ممثل الأمم المتحدة في سوريا قبل بضع سنوات، بأن إيران تنفق ما يعادل ستة مليارات دولار سنويا في سوريا.
وكتب مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير عام 2019، أن الحرس الثوري الإيراني يدفع للمواطنين الذين يقاتلون في مدينة مثل دير الزور 100 دولار شهريا، وللموجودين على الخطوط الأمامية 150 دولارا شهريا نقدا.
وأعلن حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي بالبرلمان، في مايو/أيار 2024، أن سوريا مدينة لإيران بمبلغ 30 مليار دولار.
وتباينت التقديرات لتكلفة الدعم الإيراني لسوريا في الحرب الأهلية عام 2018، حيث لا يُعرف اقتصاد إيران أي شفافية، كما أنه من الصعب تقييم تكلفة بعض الخدمات، مثل إرسال قوات عسكرية أو أسلحة، وذلك بسبب عدم توافر المعلومات الكافية.
لكن قدرت الأمم المتحدة حجم المساعدات الإيرانية لسوريا بـ6 مليارات دولار سنويا، ويعتقد أن هذا التقدير هو الأكثر موثوقية، حيث قال جيسي شاهين، المتحدث باسم مكتب ممثل الأمم المتحدة في سوريا، ستافان دي ميستورا، إن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن إيران تنفق في المتوسط 6 مليارات دولار سنويا (ما يعادل 22 ألف مليار تومان بسعر صرف البنك المركزي) حينها في سوريا.
وعلى سبيل المقارنة، فإن هذا التقدير يعني أن إيران ساهمت لسوريا بحوالي نصف الميزانية المدفوعة كإعانات نقدية سنويا، وفي حال إنفاق إيران هذا الرقم بانتظام خلال سنوات الحرب الأهلية السورية الست، فهذا يعني دفع 36 مليار دولار، وهذا الرقم يعادل ثلاثة أضعاف ميزانية الدفاع السنوية لإيران.
وقدر أستاذ الاقتصاد بجامعة تافتس في ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، نديم شهدي، أن إيران ساعدت سوريا بما يتراوح بين 14 و15 مليار دولار في عامي 2012 و2013، عندما فقدت حكومة بشار الأسد جميع مصادر دخلها تقريبا.
وأرجع شهدي هذا التقدير إلى وصول مجموعات عديدة مدعومة ماليا من الحرس الثوري الإيراني، وضمن ذلك مجموعات من العراق وأفغانستان، فمن الصعب للغاية تقدير نفقات إيران في السنوات التي تلت عام 2013.
وفي السنوات الأخيرة، أعلن مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أرقاما عن الدعم المالي الذي تقدمه إيران لحكومة بشار الأسد، قال غادي آيزنكوت، قائد الأركان العامة للجيش الإسرائيلي حينها، أنه في نفس وقت احتجاجات يناير/كانون الثاني 2016 بإيران، أنفقت طهران مليارات الدولارات في سوريا منذ عام 2012.
وأوضح أن إيران أرسلت 2000 جندي إيراني و10 آلاف جندي غير إيراني و8000 جندي من حزب الله اللبناني إلى سوريا.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز نشرت عام 2017 ، تقريرا عن تكلفة القوات التي أرسلتها إيران إلى سوريا، ونقلت عن أحد القوات الأفغانية التي ذهبت إلى سوريا عبر فيلق “فاطميون”، قوله إن الراتب الشهري لهذه القوات يبلغ 800 دولار.
وبعقد معادلة حسابية، فإذا كان عدد هذه القوات 10 آلاف كما تقدر إسرائيل، فإن التكلفة السنوية لمجرد دفع رواتبهم ستكون نحو 100 مليون دولار، مؤكدا أن هذا الرقم مجرد تقدير.
وكان لإدارة باراك أوباما تقديرات أخرى، حيث اعتبرت أن التقديرات بعدة مئات أو عشرات المليارات بعيدة عن الواقع، وأوضح أوباما حينها أن خطر إيران ليس بسبب ثروتها، فميزانية الدفاع السنوية لإيران تبلغ نحو 15 مليار دولار، في حين تبلغ ميزانية الدفاع لدول الخليج العربية 150 مليار دولار، ووصف جاك لوي، وزير الخزانة في ذلك الوقت، الميزانية التي خصصتها إيران لسوريا بأنها صغيرة.
ويذكر أن الحكومة الإيرانية قدمت مشروع ميزانية العام الإيراني المقبل، الذي يبدأ بتاريخ 21 مارس/آذار، بزيادة مخصصات المؤسسات العسكرية نحو 200%.
وصرحت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، بأن ميزانية الدفاع ارتفعت بنحو 200%، على أمل أن تلبي هذه الزيادة احتياجات البلد الأمنية والعسكرية، وجاء هذا الإعلان بعد 3 أيام فقط من الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على مواقع عسكرية إيرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
تعاون اقتصادي
وتعاون البلدان في مشاريع اقتصادية، ومن أهم هذه المشاريع بناء مصنع سايبا لتصنيع السيارات في سوريا، بدأ هذا المشروع في عام 2013 ودخل حيز التنفيذ في عام 2016، مما أظهر رغبة الجانبين في تعميق العلاقات الاقتصادية والصناعية.
وخلال العقد الأخير، وقع البلدان على العديد من الاتفاقيات بشأن التعاون الاقتصادي والعسكري، وقامت إيران باستثمارات كبيرة في سوريا، إضافة إلى النفط الذي قدمته إيران إلى سوريا بسعر منخفض منذ سنوات.
خسائر استراتيجية
بعد انسحاب إيران من سوريا، حيث أجلت قادتها العسكريين ومسؤولين آخرين من سوريا، في إشارة إلى تراجع ثقة طهران بنظام الأسد مع سيطرة قوات المعارضة على أراض في شمال البلاد وشرقها وجنوبها.
فقدت إيران أهم حليف لها في المنطقة، وأغلق أمامها طرق دعم حليفها العسكري في لبنان “حزب الله”، حيث كانت تستخدم سوريا كقناة لتسليح حزب الله عن طريق معبر العريضة الحدودي بين سوريا ولبنان.