كتبت: شيماء جلهوم
“دولت عليَّة إيران” هكذا كان يطلق رسميا على الإمبراطورية القاجارية الفارسية، أو شاهنشي قاجاري، قبل نحو ثلاثة قرون، حين
تولى حكم الإمبراطورية الفارسية؛ الشاهنشاه محمد خان قاجاري؛ من عام 1789 إلى انقلاب رئيس الوزراء رضا خان بهلوي على الشاه أحمد، القاجاري الأخير في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1925.
بدأ القاجاريون تغلغلهم في الدولة الفارسية في عهد الدولة الصفوية، حيث كان القاجار من بين قبائل القزلباش السبع التي دعمت الصفويين، ثم مكنهم الصفويون وتولوا عددا من البعثات الدبلوماسية وحكموا المحافظات الفارسية كثمن لولائهم للشاه الجديد وتدعيمهم له، واستقر عدد كبير منهم في إيران، بعد أن كانوا منتشرين في أرمينيا وتركمستان، وألبانيا.
كيف بدأ القاجاريون؟
ما بين ازدهار الصفويين واندحارهم في 126 عاما حكموا فيها بلاد فارس، كان القاجار قد فرضوا نفوذهم على جميع مفاصل الدولة، وبرزت أسماؤهم وتغيرت حياتهم من قبيلة رعاة ومحاربين لهم بعض معاقل في شمال فارس، إلى سلالة فارسية حاكمة تنعم بكل زخرف حياة ملوك الدولة الفارسية القديمة والإسلامية.
مثل كل السلالات الحاكمة في بلاد فارس منذ القرن الحادي عشر، وصل القاجار إلى السلطة بدعم من قوات القبائل التركية، مع استخدام الفرس المثقفين لتعزيز بيروقراطية تلك القوات في عام 1779، بعد وفاة كريم خان زند، بدأ زعيم القاجار محمد خان القاجاري في إعادة توحيد إيران.
عُرف محمد خان بأنه واحد من أقسى الملوك، حتى بمعايير إيران في القرن الثامن عشر. خلال سعيه إلى السلطة، دمر مدنا، وذبح سكانها بالكامل، وتسبب بعمى نحو 20 ألف رجل في مدينة كرمان؛ لأن السكان المحليين اختاروا الدفاع عن المدينة ضد حصاره.
انهيار الاقتصاد ضربة النهاية
في السنوات الأخيرة من حكم الشاه ناصر الدين القاجاري، أبرز الحكام القاجارية، والذي حقق طفرة واضحة ظهرت آثارها جلية على الحضارة الإيرانية، لكنه وعلى الرغم من ذلك، تخلى عن حكمته في سنواته الأخيرة، ومنح الأجانب امتيازات احتكارية عظيمة، مقابل مبالغ هائلة، لم تستفد منها خزانة الدولة، وهو الأمر الذي أثار امتعاض الشعب بسبب ارتفاع الأسعار، وحجم البطالة الذي عاني منه التجار الإيرانيون بعد توقف تجارتهم وخسارتهم بسبب امتيازات الاحتكار.
كان منح حق احتكار تصنيع وبيع وتوزيع التبغ، لأحد الضباط البريطانيين، لمدة خمسين عاما، القشة التي قسمت ظهر البعير، فحدثت مقاطعة شعبية لاول مرة في تاريخ الإيرانيين، للتبغ ومشتقاته، في ثورة شعبية على القرار لم يتوقعها أحد بسبب الإقبال الهائل من الإيرانيين من كل طبقاتهم على التدخين، لكن كان الاحتكار البريطاني لمزاج الإيرانيين سببا في ثورتهم ضد القرار، وهي الثورة التي تبعتها فتوى دينية من آية الله ميزرا حسن شيرازي، جاء فيها أن استخدام التبغ المشمول بالاحتكار بمثابة حرب على الإمام المهدي.
لم يتوقع البلاط القاجاري هذا الرد الشعبي القوي، وخشيت الحكومة البريطانية من ردود الفعل العنيفة، فقررت سحب دعمها للشركة التي تعاقدت مع الشاه، وألغى الشاه الاتفاق مقابل أن يدفع نصف مليون جنيه للشركة.
تزايدت المشاكل الاقتصادية بالدولة القاجارية في أواخر القرن التاسع عشر، وتزايد الغضب الشعبي وأدى ذلك إلى بلورة الغضب العام في إطار حرك نخبوي وشعبي، اعتبره المؤرخون بداية الإحياء الوطني الحديث في إيران، وتوّج باندلاع أحداث الثورة الدستورية الفارسية، والتي تمحورت حول المطالبة بكبح السلطة الملكية لصالح فرض السيادة القانونية والدستورية. واستمرت أحداث هذه الثورة ما بين شد وجذب بين القاجاريين والقوى الشعبية، ما بين عامي 1905 وحتى 1911.
الحرب العالمية الأولى
ما إن انتهت الثورة الدستورية حتى برزت أنياب الحرب العالمية الأولى، ورغم إعلان إيران الحياد، فإن الإمبراطورية العثمانية غزتها، واستولى البريطانيون على بوشهر، وأسهم ذلك الاحتلال في مزيد من إضعاف للدولة القاجارية ومزيد من الحنق الشعبي والنخبوي عليها.
وزاد الطين بلة أن الاستقطاب بلغ أشده بين الحزبين الكبيرين في البلاد: الديمقراطي والمعتدلين، وكانا في نزاع مستمر، حول شكل الحكم، واتِّباع العلمانية أم الشريعة، وتطور الخلاف إلى نزاع شابه العنف والاغتيالات، وأصبحت الخزينة الإيرانية على حافة الإفلاس وكان على الحكومة والشاه أن يُحمِّلا البلاد أكثر بالاقتراض لدفع النفقات الحكومية.
وبعد الحرب، وفي أواخر عام 1920م، كانت الجمهورية الفارسية السوفيتية الاشتراكية، التي تأسست لعام واحد في جيلان بإيران، تستعد للزحف نحو. وفي ظل هذا التهديد، فضلا عن العديد من الاضطرابات الأخرى، كانت بريطانيا منزعجة من ضعف الحكم القاجاري، وتخشى من خطر التمدد السوفيتي إلى إيران. وفي يناير/كانون الثاني 1921م، قام الجنرال البريطاني، السير إدموند أيرونسايد، بترقية رضا خان بهلوي لقيادة لواء القوزاق الفارسي، ثم وصلت قوات رضا خان إلى طهران. وقام بحلّ الحكومة القاجاريّة. وبذلك تم الانقلاب على الحكم القاجاري، ومن ثم أطلق رضا عمليات عسكرية للقضاء على التمردات في مختلف أنحاء البلاد.
وفي التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1925م، تم تعيين رضا خان بهلوي حاكما للبلاد من قبل الجمعية الدستورية، وبذلك انتهت الدولة القاجارية، وبدأ عصر الدولة البهلوية في حكم إيران والذي انتهى النهاية ذاتها بعد توسع النفوذ الأمريكي في البلاد وسيطرتهم على اقتصاد الدولة، والانقلاب على حكومة الدكتور محمد مصدق، كل هذا أدى إلى تزايد الغضب الشعبي ضد الدولة البهلوية فكانت النهاية على يد الخميني الذي قاد الثورة الإسلامية في عام 1979، وتأسست الجمهورية الإسلامية الأولى في إيران.