كتبت: شروق السيد
تشهد صناعة السيارات الإيرانية تحديات كبيرة مع انسحاب الشركات الأجنبية نتيجة العقوبات والقيود الاقتصادية، من بين هذه الشركات، “بي واي دي” الصينية الرائدة في مجال السيارات الكهربائية، التي فضّلت التوسع في أسواق باكستان وتركيا بدلا من العودة إلى إيران، رغم الاتفاقية الصينية-الإيرانية طويلة الأمد.
شركة صناعة السيارات الصينية BYD تفضّل سوق باكستان على إيران
شركة BYD الصينية، المنافسة لـ”تسلا” في صناعة السيارات الكهربائية والتي كانت تقوم بتجميع السيارات في إيران قبل فرض العقوبات الثانوية، لا تبدي رغبة في العودة والاستثمار في صناعة السيارات بإيران، على الرغم من الاتفاقية الصينية-الإيرانية لمدة 25 عاما، وتوجد شركة تصنيع السيارات الصينية العملاقة هذه الآن في باكستان لإنشاء أول مصنع لتجميع الكهرباء مع التركيز على أسواق التصدير.
وقد أعادت هذه الأخبار المتعلقة بتوسع أنشطة شركة “بي واي دي” الصينية في باكستان إحياء الآمال في زيادة القدرة التصديرية لقطاع السيارات بهذا البلد، ووفقا لتقرير “فايننشيال تايمز”، أعلنت شركة هاب باور، أكبر منتج خاص للطاقة في باكستان، الشهر الماضي، أن شركة مِغَا موتور التابعة لها تعتزم الدخول في شراكة مع منافسة تسلا (بي واي دي) لإطلاق أول مصنع لتجميع السيارات الكهربائية في باكستان بحلول عام 2026، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “آفتاب نو“.
استثمار شركة صناعة السيارات الصينية BYD في تركيا
على الرغم من أن الشركات الصينية لها جذور أعمق في إيران مقارنة بتركيا كما أنها على دراية بهيكل إيران وسوقها فإنه بين إيران وتركيا فإنهما يفضلان الاستثمار في الصناعة والسوق التركية.
نتيجة للاستثمارات التي تمت هناك، أصبحت تركيا الآن أكبر مُصدّر للسيارات وقطع الغيار، حاليا، تعتبر صناعة السيارات في تركيا صناعة موجهة نحو التصدير، حيث يتم تصدير أكثر من ثلثي الإنتاج.
وبالتالي، فإن الاستثمارات الأجنبية والشراكات المستدامة في صناعة السيارات جعلت من تركيا دولة معروفة عالميا في مجال صناعة السيارات.
الآن، تخطط تركيا بشكل جدي لتطوير السيارات الكهربائية وتصديرها إلى دول أخرى، ولذلك اتجهت إلى شركة السيارات الصينية الشهيرة “بي واي دي”، وهي الشركة نفسها التي دخلت إلى إيران في عام 2015 بالتعاون مع القطاع الخاص وغادرت السوق الإيراني في عام 2019، بسبب تصاعد العقوبات.
والآن تخطط “بي واي دي”، التي أحدثت ثورة في صناعة السيارات الكهربائية الرخيصة، لاستثمار ضخم في تركيا، ويعتبر هذا العقد واحدا من أكبر الصفقات في صناعة السيارات التركية في السنوات الأخيرة، وتم الكشف عن أول تفاصيله بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الصيني شي جين بينغ في اجتماع منظمة شنغهاي، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “صنعت ماشين“.
لماذا غادرت BYD إيران؟
دخلت شركات صناعة السيارات الصينية إلى إيران في 2011، بالتزامن مع العقوبات الأولى التي فُرضت على البلاد، واستطاعت ترسيخ مكانتها في سوق السيارات الإيرانية من خلال تجميع المنتجات، ولكن مع تصاعد العقوبات الثانوية التي بدأت في عام 2018، انسحبت هذه الشركات، مثلها مثل شركاء إيران الأجانب الآخرين في صناعة السيارات، حيث أوقفت شركة “بي واي دي” خط تجميعها في إيران.
ورغم أن العقوبات الشاملة كانت سببا رئيسيا في انسحاب الشركات الأجنبية المصنعة للسيارات من إيران، فإنه حتى قبل ذلك، في فترة الاتفاق النووي (برجام)، حين عادت بعض الشركات والشركاء الأجانب، ظهرت عقبات من قبل الجهات المحلية في صناعة السيارات، حالت دون إبرام عقود دائمة لاستمرار هذه الشراكات.
في الواقع، كان المعارضون يسعون إلى حصر وجود الشركات الأجنبية في إطار التعاون مع الشركات الخاصة فقط؛ أي الإنتاج بمعدلات منخفضة دون نقل التكنولوجيا، وفي نهاية المطاف، تقييد نشاط هذه الشركات.
لذلك، إذا اعتبرنا أن القيود الدولية والمخاطر المرتبطة بالاستثمار هي الأسباب الرئيسية وراء عدم رغبة الشركات الأجنبية في دخول سوق السيارات الإيراني، فإن العوائق الداخلية والمحلية أيضا لعبت دورا في هذه القضية؛ بمعنى أن العقوبات الداخلية والخارجية معا أثرت على صناعة السيارات في إيران.
ومع ذلك، كان التصور السائد أن شركات صناعة السيارات الصينية؛ نظرا إلى أن الصين تعتبر صديقا استراتيجيا لإيران، لن تتصرف مثل شركات السيارات الفرنسية ولن تقلل نشاطها، بل ستظل حاضرة في صناعة السيارات الإيرانية، لكن شركة “بي واي دي” على سبيل المثال تجاهلت سوق السيارات الإيراني وأوقفت بسرعةٍ خطوط إنتاجها وغادرت البلاد.
من الأسباب التي جعلت الشركات الصينية والفرنسية تترك سوق السيارات الإيراني بسهولة، عدم استثمارها بشكل كبير في إيران، أي إن شركات السيارات الصينية لم تكن ترغب في الاستثمار بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي في إيران واستمرار العقوبات، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “صنعت ماشين“.
ما الذي فعلته اتفاقية التعاون بين إيران والصين لمدة 25 عاما لصناعة السيارات؟
إن اتفاقية التعاون بين إيران والصين لمدة 25 عاما، التي بدأ تنفيذها في يناير/كانون الثاني 2022، كان من الممكن أن تجعل وجود الشركات الصينية في إيران أكثر جدية، بل تمت مناقشات مبدئية حول استثمار شركات صناعة السيارات الصينية.
لكن تنفيذ هذه الاتفاقية أثار العديد من السيناريوهات حول مستقبل صناعة السيارات بين إيران والصين، وقد تم تقديم الصينيين على أنهم المنقذ لصناعة السيارات الإيرانية، ومع ذلك، ما حدث حتى الآن هو أن الصينيين لا يزالون يرغبون في امتلاك خطوط تجميع في إيران دون أن يظهروا اهتماما بنقل التكنولوجيا أو الاستفادة من قدرات صناعة القطع المحلية.
لكن ما الذي يقوله الاتفاق الشامل للتعاون بين إيران والصين؟ بالنظر إلى هذه الوثيقة، يمكن استنتاج أن تنفيذها قد يُحدث تغييرات كبيرة في صناعة السيارات الإيرانية، بناء على هذه الاتفاقية، تُلزم شركتا السيارات الكبيرتان في إيران، “إيران خودرو” و”سايبا”، بالتعاون مع شركات السيارات الصينية في مجالات نقل المعرفة والتكنولوجيا.
تتضمن الاتفاقية التعاون بين شركات صناعة السيارات في البلدين بهدف نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك لتلبية احتياجات أسواق البلدين والأسواق الخارجية، إضافة إلى ذلك، تشمل الاتفاقية مشاركة الشركات الصينية مع نظيرتها الإيرانية في تبادل المعرفة الفنية لإنشاء منصات مشتركة، وكذلك تصميم منطقة صناعية متخصصة في صناعة السيارات وقطاعاتها المرتبطة، مع التركيز على استخدام تقنيات الطاقة المتجددة.
يقول العديد من الخبراء، إنه في حال تنفيذ بنود هذه الاتفاقية، كان من الممكن أن يحدث تحول جوهري في صناعة السيارات الإيرانية، ومع ذلك، حتى هذه الاتفاقية لم تتمكن من إقناع شركات السيارات الصينية بالاستثمار في إيران، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “صنعت ماشين“.