كتبت: سارة محمد علي
أعلن الاحتلال الإسرائيلي، الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، تصفية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار، في عمليةٍ جنوب قطاع غزة، ونشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو للحظات الأخيرة في حياة السنوار، كما تم تسريب صور لجثمانه.
وجاءت المشاهد المصورة مخالفة لكل ما أعلنه الإعلام الإسرائيلي على مدار عام كامل منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حيث كرر الإعلام الإسرائيلي وضيوفه مراراً، أحاديث عن كون السنوار يعيش في نفق تحت الأرض مجهز بكافة وسائل الترفيه، ولا يخرج منه، ويحيط نفسه داخله بعدد كبير من الرهائن الإسرائيليين الذين قامت حماس” بأسرهم في السابع من “أكتوبر/تشرين الأول، إضافة إلى ارتدائه حزاما ناسفا لتفخيخ نفسه في حال وصل الجيش الإسرائيلي إليه.
ووفق تلك الادعاءات كان ضيوف الإعلام الإسرائيلي، سواء من المحللين أو ممثلي الحكومة، يبررون عدم إلقاء القبض على السنوار أو اغتياله، رغم تأكيدهم علمهم بمكانه، حتى إن قائد الجيش الإسرائيلي جلس على أريكة في بيت فلسطيني بغزة في الأيام الأولى لـ”طوفان الأقصى”، وقال في مقطع مصور: “هنا كان يجلس السنوار”، إضافة إلى عشرات المحللين والخبراء العسكريين الإسرائيليين الذين طالما أكدوا عبر الإعلام الإسرائيلي، علمهم وعلم الجيش بمكان السنوار وماذا يأكل وماذا يسمع، وصولا إلى ادعاء بعضهم العلم بما يفكر فيه، ومع كل نفق يقول الجيش الإسرائيلي إنه اكتشف وجوده، تتردد في الإعلام الإسرائيلي مقولة إنه نفق سابق للسنوار عاش فيه مع عدد من الرهائن الإسرائيليين.
وبسبب الرهائن كانت تبرر إسرائيل عبر وسائل إعلامها، عدم قتل السنوار أو اعتقاله، بدعوى أنه سوف يقوم بتفجير نفسه والرهائن الإسرائيليين معه عبر الحزام الناسف الذي يرتديه.
وأضاف بعض ضيوف الإعلام الإسرائيلي، أن السنوار إذا أراد التنقل فإنه يرتدي زي امرأة ويحيط نفسه بالحزام الناسف ويأخذ بصحبته عددا من الرهائن الإسرائيليين كدروع بشرية .
وعكس كل ادعاءات الإعلام الإسرائيلي على مدار عام، أظهر المقطع المصور الذي نشره الجيش الإسرائيلي للحظات الأخيرة في حياة يحيى السنوار، أنه يعيش فوق الأرض في منزل بين الفلسطينيين، ولا يوجد معه أحد من الرهائن الإسرائيليين ولا يحيط نفسه بحزام ناسف، ولا قام بتفجير نفسه حين اقترب منه الجيش الإسرائيلي ولا فعل ذلك حتى بعدما أصيب، بل اشتبك حتى اللحظة الأخيرة وقتلته قذيفة دبابة أسقطته تحت الأنقاض وتبعتها رصاصات جنود الجيش الإسرائيلي؛ للتأكد من موته دون علمهم بهويته.
التقرير التالي يرصد تفاصيل عملية قتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، حسبما سردها الإعلام الإسرائيلي:
أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” يحيى السنوار، في عمليةٍ جنوب قطاع غزة الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول، وفقا لبيان مشترك للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك).
وجاء في البيان: “يؤكد الجيش الإسرائيلي والشاباك أنه بعد مطاردة استمرت لمدة عام، أمس الأربعاء، 16 أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، قضى جنود جيش الدفاع الإسرائيلي من القيادة الجنوبية على يحيى السنوار، زعيم منظمة حماس الإرهابية، في عملية بجنوب قطاع غزة”.
وأضاف البيان: “عشرات العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي والشاباك خلال العام الماضي، وفي الأسابيع الأخيرة في المنطقة التي تمت تصفيته فيها، قيدت الحركة العملياتية ليحيى السنوار، حيث طاردته القوات؛ ما أدى إلى القضاء عليه”.
وتابع: “وقام جنود من اللواء 828 التابع للجيش الإسرائيلي في المنطقة بالتعرف على 3 إرهابيين والقضاء عليهم. وبعد الانتهاء من عملية التعرف على الجثة، يمكن التأكد من تصفية يحيى السنوار”.
كما خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدا تصفية السنوار، بالقول: «قمنا بتصفية الحساب مع يحيي السنوار»، وأضاف أن الحرب لم تنته بعد وأن جيش الاحتلال سيواصل العمليات حتى إعادة الأسرى بالكامل.
تسلسل أحداث مقتل السنوار:
بحسب الإذاعة الإسرائيلية التي كانت أول من أذاع نبأ مقتل السنوار، فقد بدأت الأحداث عند الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول.
وأفادت “القناة 14” الإسرائيلية بأن عملية اغتيال السنوار وفقا للتفاصيل المعروفة حتى الآن، كانت عشوائية تماما وتمت بمحض الصدفة.
وأشارت إلى أن قوات “لواء بيسلماخ 828” ساورتها الشكوك بشأن وجود مسلحين بأحد المنازل في حي تل السلطان برفح، بعد أن رصد جندي من الكتيبة 410، شخصا يدخل ويخرج من هذا المنزل.
بعد ذلك توجهت قوات المشاة من “كتيبة 450” إلى المبنى وبدأت أولا في مراقبته من بعد، وعند الساعة الثالثة عصرا من نفس اليوم، تم رصد ثلاث شخصيات تدخل وتخرج من المنزل، حينها أدرك أعضاء الكتيبة أن هؤلاء مسلحون وتبين فيما بعدُ أنه السنوار ومرافقوه.
ووفق سرد الإذاعة الإسرائيلية، فقد انقسمت فرقة السنوار بعد ذلك، حيث دخل هو إلى مبنى ودخل الجزء الآخر من الفرقة إلى مبنى آخر، وصعد السنوار إلى الطابق الثاني.
ثم دخل قائد فصيل من الكتيبة 450 إلى المنطقة المحيطة بالمبنيين، واندلعت اشتباكات، وألقى قنبلتين تجاه السنوار ورفاقه، مما أدى إلى انقطاع التواصل بينهم، حدث ذلك بينما لا يعلم أحد من أعضاء الكتيبة أن الشخص الذي يشتبكون معه هو يحيى السنوار.
ثم قامت دبابة من سرية “ل” في دورية قادة الدبابات كتيبة 198، بإطلاق النار على المبنى، وفق ما ذكرته قناة 14 الإسرائيلية.
بعد ذلك أحضرت القوة طائرة بدون طيار، وشاهدت شخصا (تبين لاحقا أنه السنوار) مصابا في يده وملثما، حيث كان السنوار جالسا في الغرفة، وحاول إلقاء عصا خشبية على الطائرة. وبعد ذلك، أطلقت الدبابة الإسرائيلية قذيفة أخرى، وفق ما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية.
ثم تقدم جنود الكتيبة 450 الإسرائيلية إلى المبنى فوجدوا ثلاثة أفراد تحت الأنقاض، اشتبهوا في كونهم مسلحين فأطلقوا عليهم الرصاص حتى تأكدوا من مفارقتهم الحياة، وفق ما ذكرته القناة الـ13 الإسرائيلية.
بعد ذلك تم مرة أخرى إدخال طائرة مسيرة (بدون طيار) لتفحص المبنى من الداخل، وبعد وصول الصور إلى مقر القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي، تنبه أحد الفنيين المعنيين بفحص الصور إلى أن أحد الجثامين يشبه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، وفق ما ذكرته القناة 12 الإسرائيلية.
في الصباح التالي الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول، تم توجيه قوة إسرائيلية إلى المكان لمسحه من جديد، وكانت الجثامين ما زالت داخل المبنى تحت الأنقاض فتم تصويرها مرة أخرى وإرسال الصور إلى القيادة المركزية، وهنا زاد الاشتباه في كونه يحيى السنوار، فطلبت قيادة الجيش الإسرائيلي من الجنود الذين دخلوا لمسح المكان إحضار عينة من الجثمان المشتبه فيه لتحليل الحمض النووي ومطابقته بعينة أخرى يحتفظ بها الجيش الإسرائيلي منذ أن كان السنوار أسيرا لدى الاحتلال، وبناءً على هذا الأمر، قام مجندو الجيش الإسرائيلي بقطع أحد أصابع يده وأخذها لتحليلها في إسرائيل، وفق ما ذكرته القناة 14 الإسرائيلية.
لكن الجيش الإسرائيلي ذكر في بيان رسمي نقلته القناة 13 الإسرائيلية، أنه تم سحب الجثمان كاملا من موقع الحدث والتوجه به إلى أحد المشارح، وهناك تم فحص الحمض النووي للجثمان وتبين أنه السنوار.
وأضاف الجيش في بيانه، أنه “جرى بعد ذلك تمشيط المنطقة المحيطة بالمبنى الذي قُتل فيه السنوار، ولم يتم العثور على أي آثار لوجود رهائن إسرائيليين في المنطقة”.
ورغم تأكيد الإعلام الإسرائيلي أن قتل السنوار كان مجرد مصادفة دون تخطيط مسبق أو وجود معلومة استخباراتية عن مكانه، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دورون سبيلمان، لشبكة CNN، سبيلمان، إن الدبابات الإسرائيلية كانت هناك، لأنهم يعتقدون أن “قادة إرهابيين كبارا جدا” وضمنهم السنوار، كانوا في المنطقة.
وأضاف أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، قُتل في رفح جنوب غزة، بالقرب من المكان الذي تم فيه العثور على جثث 6 رهائن في سبتمبر/أيلول.
وتابع أن القوات الإسرائيلية تعرضت لإطلاق النار، لذلك ردوا بقذيفة من الدبابة، وعندما ذهبوا لتفقد المبنى، أدركوا أن السنوار كان بين الأنقاض.
وذكر أنه تم العثور على السنوار إلى جانب 3 أشخاص “أحدهم شخص كان بجانبه طوال الوقت، وهو قائد كتيبة لواء خان يونس، كما قُتل في تلك الأنقاض”، لكنه لم يذكر اسم القيادي.
وقال: “كان الهدف الكامل من عملياتنا في هذه المنطقة هو إجبار السنوار والقادة الآخرين على الخروج من مخابئهم باستخدام معلومات استخباراتية دقيقة للغاية في مناطق معينة”.
وأضاف: “كنا نحاول إجباره، وفي هذه الحالة نجحنا على الصعود إلى سطح الأرض، والتحرك حتى يرتكبوا خطأ”.
واعتبر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دورون سبيلمان، أن عملية قتل السنوار وإن تمت بالصدفة فهي تكليل بالنجاح لملاحقات الجيش الإسرائيلي له على مدار عام ودفعه إلى الخطأ حتى يتم قتله.