كتب: محمد بركات
رسالة طال انتظارها مع استمرار التراشق الدبلوماسي بين الطرفين حول مستقبل المفاوضات بشأن الملف النووي، رسالة لم يكن المثير محتواها فحسب، بل من سلمها أيضا، ففي ظل وجود قنوات اتصال مباشرة وقديمة بين البلدين، اختارت أمريكا الإمارات كوسيط غير متوقع لنقل رسالتها إلى طهران، ما أثار تساؤلات حول دوافع هذا الاختيار، وبينما تؤكد واشنطن رغبتها في الحوار، تتهم طهران الإدارة الأمريكية بالسعي للخداع وفرض الإملاءات.
فقد صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، صباح الأربعاء 12 مارس/آذار 2025، خلال مؤتمر صحفي، بأنه بالفعل هناك رسالة مكتوبة من قبل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، موجهة إلى إيران، لكنها لم تصل للسلطات في طهران بعد، وأنه من المقرر أن تصل الرسالة مع أحد مبعوثي دولة عربية في أقرب وقت.
وفي اليوم نفسه، صرح إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بأن أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، سيلتقي عراقجي عصر اليوم؛ لإجراء مباحثات، مضيفا أنه خلال هذه الزيارة سيسلم قرقاش رسالة ترامب إلى إيران، ليصل قرقاش بعدها بعدة ساعات إلى طهران ويلتقي عراقجي.
جدير بالذكر أنه في الأول من مارس/آذار 2025، كان مجيد تخت روانجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، قد سافر إلى أبوظبي والتقى قرقاش ضمن ما أعلن أنها زيارة لبحث القضايا المشتركة.
وكان الرئيس الأمريكي، ترامب، قد صرح في 7 مارس/آذار 2025، بأنه أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، يدعوه فيه إلى التفاوض بشأن المشروع النووي الإيراني، ليخرج بعدها ويصرح بأن أمام إيران طريقين: إما المفاوضات وإما الخيار العسكري.
ماذا جاء في رسالة ترامب؟
حتى الآن لم تصدر أية تصريحات رسمية تفيد بتفاصيل تلك الرسالة، غير أن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، كان قد صرح في 11 مارس/آذار 2025، بأن هناك أدلة تشير إلى أن الولايات المتحدة قد طرحت في هذه الرسالة مطالب تتجاوز القضية النووية، حيث قال: “إن ما يثير القلق هو وجود مؤشرات على أن الأمريكيين يرغبون في أن يكون هذا الاتفاق الجديد مصحوبا بشروط سياسية، ويصرون على ضرورة وجود آلية يمكن التحقق منها لضمان عدم دعم إيران لمجموعات في العراق ولبنان وسوريا وأي مكان آخر، وهو أمر لا أعتقد أنه سيؤدي إلى نتيجة”، وتابع: “هذه المطالب غير واقعية ولن تؤدي إلى أي نتيجة”.
لماذا الإمارات ولماذا قرقاش؟
لم يكن محتوى الرسالة فقط هو موضع الغموض الوحيد، بل كذلك الوسيط الذي اختارته الولايات المتحدة لإيصال رسالتها، وهو الإمارات، وبالأخص أنور قرقاش؛ ما دفع صحيفة جوان، المقربة من الحرس الثوري، إلى أن تذكر في عددها ليوم الخميس 13 مارس/آذار 2025: “لقد أرسل ترامب الآن رسالته إلى إيران بطريقة أكثر خطأ من السابق، وذلك بتحميلها لأنور قرقاش، وهو شخصية غير محبوبة إطلاقا لدى الإيرانيين، واسمه مرتبط بتكرار الادعاءات حول احتلال الجزر الثلاث من قِبَل إيران”.
وبهذا الشأن، ذكرت صحيفة شرق في تقريرها الخميس 13 مارس/آذار 2025، أن “الإجابة عن سبب اختيار الإمارات تكمن في أن عُمان وقطر، وهما الوسطاء التقليديون بين أمريكا وإيران، ربما اعتبرتا أن المناخ السياسي الأمريكي الحالي ونهج ترامب العدائي يتضمنان تهديدا واضحا، ومن ثم رأت الدولتان أن أي وساطة في هذا السياق لن تؤدي إلى محادثات بناءة، بل ربما تزيد من حدة التوتر. كما أن اللعب في هذا الميدان قد يُعتبر عملا ضد أمن إيران.
وتكمل: “أما الإمارات، التي أظهرت في ملفات مختلفة، انحيازها التام إلى الكيان الصهيوني، وأثبتت التزامها بتزويده بالدعم عبر ممرات برية خلال طوفان الأقصى، فقد اختارت هذه المرة أيضا أن تتحرك في إطار الخطوط المرسومة من قبل واشنطن وتل أبيب”.
وحول سبب اختيار قرقاش لهذه المهمة، أضافت الصحيفة: “كانت الوساطات التقليدية تتم عبر شخصيات سياسية بارزة، مثل سلطان عُمان، ووزير الخارجية العماني، ورئيس وزراء اليابان، لكن الرسالة هذه المرة جاءت عن طريق أنور قرقاش، الذي يشغل حاليا منصب المستشار الدبلوماسي لحاكم الإمارات، وكان سابقا وزير الدولة للشؤون الخارجية، لكنه لم يعد جزءا من الحكومة رسميا، وهو ما يجعله منصبا أدنى من وزير الخارجية في الإمارات”.
وتردف: “إن قرقاش لديه مواقف معادية لإيران، ولطالما تحرك وفق أجندة تل أبيب. لذا، عندما قبلت الإمارات لعب دور الوسيط، لم ترغب في المخاطرة بسمعتها الدبلوماسية في مهمة غير مضمونة النجاح، كما أن اختيار قرقاش بدلا من شخصية حكومية رسمية يُظهر أن أبوظبي لا تريد المغامرة بمكانتها الدبلوماسية من أجل رسالة قد لا تحقق شيئا يُذكر”.
الشراكة الاقتصادية وراء الاختيار
وبالشأن نفسه، ذكرت صحيفة هم ميهن، في تقريرها الصادر الخميس 13 مارس/آذار2025، أن “اختيار الإمارات العربية المتحدة كوسيط لنقل رسالة ترامب إلى إيران يعد خطوة غير متوقعة؛ نظرا إلى أن عمان وقطر والعراق كانت القنوات التقليدية للاتصال بين طهران وواشنطن، فالسبب الأساسي وراء هذا الاختيار قد يكون مرتبطا بعلاقات الإمارات القوية مع كل من الولايات المتحدة، وإسرائيل، وكذلك روسيا والصين، ما يمنحها نفوذا دبلوماسيا واسعا”.
وتكمل: “كذلك تعتبر الإمارات شريكا تجاريا رئيسيا لإيران، حيث استمرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين رغم العقوبات الأمريكية، إضافة إلى ذلك، تحظى الإمارات بدعم موسكو وبكين، حتى لو تعارض مع مصالح طهران، كما أنها تخشى بشدةٍ اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران وأمريكا أو إسرائيل، مما قد يعرضها للخطر”.
ويختتم التقرير، بالقول: “بناءً على ذلك، يبدو أن مهمة الوفد الإماراتي لم تقتصر على نقل الرسالة، بل ربما تضمنت محاولات لتسهيل المفاوضات حول الملف النووي وتقليل التوترات بين إيران والولايات المتحدة”.
الرفض الإيراني التام
تجدر الإشارة إلى أن إيران، ومنذ توارد الأنباء عن تلك الرسالة، وهي متمسكة بقرارها عدم التفاوض مع الولايات المتحدة، حيث صرح المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال جلسته الرمضانية مع مسؤولي النظام، والتي عقدت 8 مارس/آذار 2025، بأن “إيران لن تنصاع لرغبة بعض الدول المتسلطة في التفاوض، إن ما يريدونه ليس التفاوض، بل الخضوع تحت الضغوط، وإيران لن تتفاوض تحت الضغط”.
من جانبه، صرح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال لقاء، الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025، حول التفاوض مع ترامب قائلا: “إن ما فعله ترامب مع الرئيس الأوكراني زلينسكي أمر يبعث على الخجل”، مضيفا: “ليس من المقبول أن يقولوا: نحن نعطيكم الأوامر، وإذا لم تفعلوا ذلك بهذه الطريقة، فسنفعل كذا وكذا، وأنا أقول له: لن أتفاوض معك، ولتفعل ما يحلو لك”.
كذلك، فقد صرح خامنئي، خلال لقائه الذي عقده مع الهيئات الطلابية في إيران، الأربعاء 12 مارس/آذار 2025، بأن حديث الرئيس الأمريكي عن استعداده للتفاوض وإبرام اتفاق مع إيران محاولة لخداع الرأي العام العالمي، مشيرا إلى أن واشنطن تمزق الاتفاقات السابقة ثم تدعو إلى الحوار.
أيضا، فقد أوضح أن التفاوض بلا ثقة متبادلة عبثي، لافتا إلى أن الهدف الأساسي من المفاوضات كان رفع العقوبات، لكن الأخيرة بدأت تفقد تأثيرها تدريجيا، فيما تمكنت إيران من إيجاد طرق للالتفاف عليها.
كما أضاف خامنئي أن المشاكل الاقتصادية ناتجة بشكل رئيسي عن الإهمال الداخلي وليس فقط العقوبات، مؤكدا أن التهديدات العسكرية الأمريكية غير عقلانية، وأن إيران قادرة على الرد بالمثل، كما رفض دعوات التفاوض مع الإدارة الأمريكية الحالية، مؤكدا أن ذلك لن يؤدي إلى رفع العقوبات، بل سيزيدها تعقيدا ويمنح واشنطن فرصة لفرض مزيد من الضغوط والمطالب غير المشروعة.