كتبت: ناهد إمام
مرة أخرى يعود ترامب إلى البيت الأبيض، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وتعود معه ذكرى أحداث ولايته الأولى 2016 -2020، التي تزامنت مع فترة الرئاسة الثانية للرئيس الإصلاحي حسن روحاني، حيث اتخذ مواقف صارمة تجاه إيران، فقاد إدارته عندما كان رئيسا إلى الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة أيضا باسم الاتفاق النووي الإيراني في 2018، كما وضع عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، وتبنى استراتيجية حافة الهاوية، أو الضغط الأقصى بهدف تقليص نفوذ إيران الإقليمي وأذرعها العسكرية في أربع دول: العراق وسوريا ولبنان واليمن، وإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات لإبرام اتفاق نووي جديد بشروط جديدة.
أضف إلى ذلك، حظر تطوير البرنامج النووي الإيراني، واشتراط التفتيش على المنشآت النووية وضمنها العسكرية، مع العمل على حظر البرنامج الصاروخي وتطوير الصواريخ الباليستية الإيراني.
لذا، تعود المناقشات من جديد، والتكهنات عما يمكن أن يصدر عن نسخة ترامب 2025 في تعامله مع إيران.
وفي هذا التقرير، نرصد عددا من تعليقات المسؤولين، والخبراء السياسيين والاقتصاديين في إيران حول فوز ترامب، وتوقعاتهم حيال سياساته القادمة مع إيران.
من جهتها، أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني، عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أن انتخاب الرئيس الأمريكي لا علاقة له بمعيشة الناس في إيران.
وبحسب ما نقلته وكالة إيسنا للأنباء، قالت مهاجراني في مؤتمرها الصحفي الأسبوعي، في إشارة إلى إعلان فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية: “إن السياسات العامة للجمهورية الإيرانية مستقلة عن التطورات السياسية في أمريكا، وأنه قد تم التخطيط للتنبؤات الضرورية مسبقا، ولا يهم كثيرا من يصبح رئيسا للولايات المتحدة”.
أما محمد علي أبطحي، الناشط السياسي الإصلاحي، فقد كتب على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “إكس” تعقيبا على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية: “اغتنم الفرص فهي عابرة كالسحاب، وإذا كانت قوة الدبلوماسية الرحيمة والإرادة السياسية قوية، فإن انتخاب ترامب من الممكن أن يشكل فرصة مهمة بالنسبة لنا”.
أما “صادق زيبا كلام” أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، فقد كتب على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “إكس” موجها حديثه للمعارضين الإيرانيين من الذين طالما تمنوا فوز ترامب: “هنيئا للمعارضة كم صلوا وتمنّوا أن ينتصر ترامب، دعونا نرَ ما سيفعله ترامب العنصري، المناهض للمرأة، المناهض للسود، المناهض للمهاجرين والأمريكيين اللاتينيين، المناهض للفلسطينيين والمناهض للمسلمين ولتعزيز الديمقراطية وتحسين حقوق الإنسان في إيران كما تتخيل المعارضة”.
هكذا يرى مراقبون أنه مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن العلاقات بين طهران وواشنطن ستتأثر سلبا مرة أخرى، بينما في المقابل، يرى فريق آخر أنه بغض النظر عن اختلاف التكتيكات، فإن المتغيرات الإقليمية ستحول دون خفض التصعيد بين طهران وواشنطن خلال فترة قصيرة من الزمن، وفقا لـ”اقتصاد نيوز”.
فمن جهته، يرى محمد مهدي مظاهري الأكاديمي والمستشار الأسبق لرئاسة “مجمع تشخيص مصلحة النظام”، أن بعض حلول إيران في مجال السياسة الخارجية، لتحييد التهديدات التي يمكن أن تشكلها نتائج الانتخابات الأمريكية على إيران، “تتمثل في تعميق العلاقات مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، والمشاركة الفعالة في حل الأزمات الإقليمية، وضمن ذلك تحديد مستقبل فلسطين ومنع هذه القضية من التقدم دون حضور إيران، وتطوير التعاون مع دول الجوار”. وأضاف: “ومع ذلك، فإن الحل الأهم والأكثر فعالية بالنسبة لإيران يجب أن يركز على الساحة الداخلية، وتنمية رأس المال الاجتماعي، وتحسين الظروف الاقتصادية، وخلق الأمل بين الناس”، وفقا لما نشره موقع “مركز الدراسات السياسية والدولية” الإيراني.
ووفقا لتقرير لوكالة أنباء “مهر”، حول توقعات لسياسة ترامب تجاه إيران، كان أبرزها العودة إلى تشديد العقوبات والعودة إلى سياسة “الضغط الأقصى”.
وأشار التقرير إلى اتباع ترامب خلال سنوات رئاسته الأربع السابقة، سياسة الضغط الأقصى بهدف تقليص القوة الاقتصادية لإيران، والحد من الأنشطة العسكرية والنووية للجمهورية الإسلامية، مع تجنب الالتزامات والانسحاب من الاتفاق النووي، لافتا إلى أنه من الممكن أن يستخدم هذا النهج مرة أخرى، ويفرض عقوبات على الصادرات النفطية والصناعات البتروكيماوية والشخصيات والمؤسسات المالية والاقتصادية وغيرها؛ العقوبات التي أظهرت عدم كفاءتها في الوقت نفسه، لكن هذه هي أداة ترامب المعتادة في التعامل مع الدول المتباينة، بحسب التقرير.
وتابع التقرير: “أفاد معهد الشرق الأوسط مؤخرا بأن الولاية الأولى لرئاسة ترامب أظهرت التنفيذ القوي للعقوبات، ومع ذلك، فإن فرض عقوبات أكثر صرامة يعتمد بشكل كبير على التعاون الناجح أو الإجراء ضد الدول الثالثة المشاركة في تسهيل صادرات النفط الإيرانية إلى الصين”.
أما عدم العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ومحاولة التوصل إلى اتفاق ثانوي، فهو الإجراء الثاني المتوقع أن يتخذه ترامب، ففي الفترة الأولى من رئاسته، وعلى الرغم من المعارضة الدولية، انسحب ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني ومجموعة 5+1، ومن المرجح أنه لن يعود إلى الاتفاق بعودته إلى السلطة الآن، وربما أظهر أنه يبحث عن اتفاق ثانوي وأحادي الجانب لا يؤدي إلا إلى تأمين المصالح الأمريكية ووضع شروط صارمة على أنشطة إيران النووية والصاروخية والإقليمية؛ حلم خام لم يتم تفسيره ولن يتحقق في حكومته المستقبلية المحتملة أيضا.
وعن التحالف الإقليمي والدولي ضد إيران، فمن المحتمل أن يحاول ترامب تشكيل تحالفات ضد إيران على المستويين الإقليمي والدولي من أجل فرض عقوبات وقيود على طهران، لكن عكس مخيلته فإن الظروف اليوم تختلف عن السنوات الأربع الأولى من حكمه، فالعلاقات بين إيران والسعودية، وكذلك علاقات طهران مع الدول العربية وغير العربية في المنطقة والعالم، تختلف كثيرا عن تلك الفترة، أضف إلى ذلك أن المعادلات اليوم تغيرت بشكل كبير، ولن يتمكن ترامب من تسمية دولة ما بـ«البقرة الحلوب» لأمريكا، أضف إلى ذلك، أن الأزمات التي تصنعها الولايات المتحدة، مثل أزمة أوكرانيا وغزة، ستضع الحكومة الأمريكية المستقبلية في موقف صعب.
إضافة إلى الحالات المذكورة أعلاه، فمن المرجح أنه في إدارة ترامب، بالنظر إلى تجربة السنوات الأربع التي قضاها في السلطة وشعاراته الانتخابية الأخيرة، هناك قضايا مثل محاولة تغيير سلوك إيران، ودعم المعارضة الداخلية للجمهورية الإسلامية، والتهديد بالعمليات العسكرية، وما إلى ذلك، على جدول الأعمال، وهي كلها سلوكيات أظهرت عدم كفاءتها في السابق.
تأثيرات فوز ترامب على الاقتصاد الإيراني
وعن تأثيرات فوز ترامب على الاقتصاد الإيراني، اعتبر الخبير الاقتصادي صادق الحسيني خلال تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “إكس”، أن فوز ترامب كابوس للفقراء، والطبقة الوسطى في إيران، وحلم للأثرياء، قال: “سيكون ترامب كابوسا للفقراء والطبقة الوسطى في إيران وحلم الإيرانيين الأثرياء”.
الخسارة الأكبر من وجود ترامب ليست “الجمهورية الإسلامية”، كما يقول البعض، بل “الفقراء” و”الطبقة الوسطى” في إيران”.وتابع: “واليوم، يعيش 21 مليون نسمة من سكان إيران تحت خط الفقر”.
من جهة أخرى، وعكس الحسيني، يرى الخبير الاقتصادي بيمان مولوي أن فوز ترامب لن يؤثر على الاقتصاد في إيران.
وقال مولوي خلال مقابلة له مع صحيفة “تجارت نيوز”: “إذا كان ترامب يريد تكرار طريقته السابقة في 2016 و2017 والضغط على إيران للتفاوض، فهل سيتمكن من استخدام نفوذ النفط؟ وماذا عن باقي السلع المصدرة، هل ستجبر الدول الأخرى خاصةً الصين على عدم شراء النفط من إيران؟ وأضاف: “بناءً على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والصين وحجم التبادلات الاقتصادية بينهما، يبدو أن هذا الاحتمال لا يزال قائما”.
وأضاف: “إذا حدث ذلك مرة أخرى، فإن عجز الميزانية الإيرانية سيرتفع مرة أخرى، وستنأى الحكومة بنفسها عن سياسة ضبط السيولة، وسندخل مرة أخرى في مرحلة التضخم، لكن إذا لم يحدث ذلك ولم يكن بيع النفط محدودا، فإن الاقتصاد الإيراني سيواصل اتجاهه الحالي”.
وفي إشارة إلى انخفاض قيمة الريال بمقدار 70 ضعفا خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، وفشل الحكومات في مجال السياسة النقدية والإدارة الاقتصادية، قال مولوي: “في الوضع الحالي للاقتصاد الإيراني، كما هو الوضع على الصعيد الدولي، فإن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يكون إلا حلما؛ لأن كثيرا من الناس يفكرون فقط في المدى القصير، وهذا النهج فعال في الاستثمار في البنية التحتية، ولذلك فإن تأثير الانتخابات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني يعتمد علينا”.