كتبت: سارة محمد علي
أفادت تقارير صحفية بأن “هيئة تحرير الشام” الحاكمة في سوريا عيَّنت مستشاراً لها ونائباً عن زعيمها أحمد الجولاني، في الشؤون الإيرانية، وبحسب التقارير، فإن عبد الرحمن فتحي، الإيراني الأصل والمسجون السابق بأحد سجون طهران، منوط به وضع استراتيجية تعامل الهيئة مع إيران والمناطق الكردية، ويأتي ذلك التعيين في وقت تتصاعد فيه تصريحات زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع المكنى بـ”أبو محمد الجولاني” ضد النظام الإيراني.
ويطرح تعيين فتحي المكنى بأبو صفية الكردي، العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين نظام الحكم الجديد في سوريا وبين النظام الإيراني، خاصة مع النظر لخلفية العلاقة بين النائب الجديد للجولاني وعلاقته ببلده الأم، وما تحمله سيرته الذاتية من محطات عداء شديد بينهما.
من هو أبو صفية الكردي؟
وُلد عبد الرحمن فتحي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وعاش سنوات طفولته وتلقى دروسه التعليمية الأولى في منطقة مهاباد.
ثم تابع تعليمه في كردستان العراق؛ حيث خضع لتوجيهات عبد القادر توحيدي، الزعيم البارز لحركة التوحيد للسنة الإيرانيين، والمعروف بعدائه الشديد للسلطة الدينية الشيعية في إيران، والتي تصفه بدورها بـ “المرتد عن الإسلام”.
ويُعتبر توحيدي أحد الأشخاص الذين شكلوا معتقدات فتحي السلفية، وهو ما جعله في وقت لاحق شخصية محورية في الأوساط السلفية في إيران وكردستان العراق.
التقى فتحي بعبد القادر توحيدي عام 1970، وسرعان ما أصبحا لا ينفصلان، ووجد توحيدي أن فتحي لديه القدرة على قبول ما يصفه بـ “الفكر الجهادي”، ويمكنه أن يتولى قيادة التيار من بعده.
فجعله من المقربين منه ومرافق دائم له في كل دروسه الدينية، وأشركه في تشكيل مجموعات كردية مقاتلة في أوائل التسعينات، حتى أصبح فتحي مفتياً لتلك المجموعات.
ومع نهاية التسعينات ومطلع الألفية الجديدة، عاد فتحي إلى إيران، حاملاً على عاتقه نشر الفكر السلفي فيها، وتجنيد مقاتلين جدد في صفوف المجموعات الكردية المسلحة، مستخدماً في ذلك منابر المساجد بعد أن حصل على تصريح للخطابة بها، وأصبح إماماً لمسجد قرية زيفة في مهاباد.
كما شارك خلال تلك الفترة في تأسيس كتيبة تابعة لتنظيم القاعدة في كردستان، وأرسل عشرات الشباب الإيرانيين للقتال في العراق وأفغانستان.
ونتيجة لخطبه الداعية للقتال ومشاركته في تجنيد الإيرانيين لصالح التنظيمات المسلحة، تم اعتقاله لأول مرة، في 1 مايو/أيار 2005، من قِبل مخابرات مهاباد، ثم أطلق سراحه بعد فترة قصيرة، دون إلغاء إذن الإمامة الخاص به.
ثم عادت مخابرات مهاباد واعتقلته للمرة الثانية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2008، وبعد شهر واحد، تم نقله إلى مخابرات أورمية واحتجز هناك لأكثر من ثلاثة أشهر، حتى أطلق سراحه بكفالة قدرها 500 مليون ريال إيراني، ما يعادل عشرة آلاف دولار أمريكي.
وبعد إطلاق سراحه، عاد إلى مسجد بوش تيب لتدريس العلوم الشرعية، حتى تم اعتقاله للمرة الثالثة والأخيرة في سبتمبر/أيلول 2011 وظل في السجن حتى أكتوبر/تشرين الأول 2013، وألغي تصريح الإمامة الخاص به، إضافة لتهديده من قِبَل السلطات الأمنية الإيرانية بتنفيذ حكم بالإعدام بحقه، حال تم اعتقاله من جديد.
ومع أوائل عام 2014، اصطحب فتحي العشرات من الشباب الإيرانيين وتوجه بهم إلى سوريا مؤسسين مع من سبقوهم إلى هناك من أبناء بلادهم، ما سموه جماعة المهاجرين السنة الإيرانيين.
وفي عام 2015 بايع فتحي وجماعته تنظيم الدولة المعروف بداعش، ثم بعد انفصال التنظيم عن “جبهة النصرة” التي أصبحت فيما بعد “هيئة تحرير الشام”، نقل فتحي بيعة جماعته إلى “النصرة”.
وخلال عدة سنوات من سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب، كان فتحي أحد الشخصيات الرئيسية في “تحرير الشام” وعمل حاكماً شرعياً في الحكومة المسؤولة عن إدارة إدلب.
وتُظهِر مقاطع فيديو فتحي وهو يلقي خطباً باللغة الكردية، ويشيد بشخصيات مثل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ويندد بحكام إيران باعتبارهم “روافض”، بحسب وصفه.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ظهر فتحي في مقطع فيديو وهو يلقي خطبة في المسجد الأموي لعدد من مقاتلي الفصائل السورية في دمشق.
وفي هذه الخطب، تعهد “بتحرير أهل السنة الإيرانيين مما سماه “احتلال الصفويين لإيران”.
مستقبل العلاقات السورية- الإيرانية
وإذ يرى مسؤول الملف الإيراني في هيئة تحرير الشام الحاكمة حالياً لسوريا، أن الشعب الإيراني يعاني احتلالاً يتمثل في نظام الحكم الديني شيعي المذهب، يمكن التنبؤ بأن العلاقة بين نظام الحكم السوري الجديد والنظام الإيراني لن تكون مستقرة.
ويأتي تعيين عدو بارز للنظام الإيراني مستشاراً لـ”تحرير الشام” ونائباً لقائدها أحمد الشرع المكنى بـ”أبو محمد الجولاني”، بالتزامن مع تصريحات متتالية للشرع منذ سقوط نظام الأسد، يهاجم فيها نظام الحكم في إيران، مشدداً على أن إيران تمثل تهديداً كبيراً لسوريا.
فعقب سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق وإعلان هرب بشار الأسد، خرج الجولاني ليلقي ما سمي “خطاب النصر” 9 ديسمبر/كانون الأول 2024، وخلاله بعث زعيم الفصائل السورية المعارضة برسالة إلى قادة النظام الديني في طهران، قائلاً لهم إن تدخلهم قد انتهى، وكذلك وصولهم البري السهل إلى وكيلهم حزب الله في لبنان.
وفي حواره الأخير مع التليفزيون السوري 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال أحمد الشرع إن التوسع الإيراني في المنطقة وتحويل سوريا إلى منصة لتنفيذ أجندات إيران شكل خطراً كبيراً على البلاد وعلى دول الجوار والخليج، بحسب قوله.
وأضاف مؤكداً: “تمكنا من إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، ولكننا لا نكنّ العداوة للشعب الإيراني، فمشكلتنا كانت مع السياسات التي أضرت ببلدنا”.
وهي التصريحات التي أثارت غضباً إيرانياً، ومن أبرز ردود الفعل الرافضة لها، كان الدبلوماسي الإيراني، أمير الموسوي، حيث قال في حوار صحفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، إن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أبو محمد الجولاني تحمل وجهين سلبيين ينعكسان على المرحلة الجديدة في سوريا، مشيراً إلى أنها لا تخدم الاستقرار الداخلي والإقليمي لسوريا.
وأضاف الموسوي أن هذه التصريحات ستُستغل من قِبَل أعداء سوريا لتبرير اعتداءات جديدة على الأراضي السورية، خاصة مع فقدان سوريا لحلفائها في محور المقاومة، وعلى رأسهم إيران.
لكن رغم ما يبدو من عداء في تصريحات الطرفين، إضافة لتعيين أحد أعداء إيران مسؤولاً عن الملف الإيراني بهيئة تحرير الشام، إلا أنه وفي وقت سابق، أفادت وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤول إيراني بأن طهران منفتحة على الحوار مع المعارضة التي تسلمت السلطة في سوريا، وأنها قد فتحت بالفعل قنوات اتصال مباشرة مع عدد من فصائلها.
وبين التصريحات الرسمية وما يتم تسريبه إلى وسائل الإعلام، يبقى الغموض يحيط بمستقبل العلاقة بين النظام الإيراني والنظام الجديد في سوريا.