كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
اجتمع كبار ممثلي إيران والولايات المتحدة الأمريكية، السبت 12 أبريل/نيسان 2025، في العاصمة العمانية مسقط، لعقد محادثات غير مباشرة تناولت البرنامج النووي الإيراني ومسألة رفع العقوبات المفروضة على طهران.
جرت هذه المفاوضات خلف أبواب مغلقة في مقر وزارة الخارجية العمانية، بوساطة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، وشكلت أول تواصل دبلوماسي فعّال بين طهران وواشنطن منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
بالنسبة لإيران، الدولة التي تواجه منذ سنوات طويلة عقوبات اقتصادية قاسية وتهديدات أمنية متزايدة، وفي الوقت نفسه وسّعت تحالفاتها الإقليمية وقدراتها التكنولوجية، فإن هذه المحادثات لا تُعدّ دليلا على الضعف، بل تجسيدا لنضج دبلوماسي.
كان وزير الخارجية عباس عراقجي، قد صرّح قبل مغادرته طهران متوجها إلى مسقط بأن المفاوضات ليست تراجعا، بل هي السعي الذكي لتحقيق المصالح الوطنية من خلال مسار الحضارة والعقلانية، في مواجهة النهج الأمريكي القائم على الإكراه والضغط.
دخل الوفد الأمريكي، بقيادة ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ترامب لشؤون الشرق الأوسط، إلى المفاوضات. وكان ترامب قد أثار سلسلة من التوترات بخروجه من الاتفاق النووي عام 2018، ويبدو أنه منح مبعوثه صلاحية دراسة اتفاق محدود يركز على وقف تخصيب اليورانيوم الإيراني مقابل تخفيف جزئي للعقوبات.
استمرت هذه المحادثات لأكثر من ساعتين، وانتهت باتفاق الطرفين على مواصلة الحوار في الأسبوع التالي. وعلى الرغم من عدم إعلان أي تقدم رسمي من الجانبين، إلا أن اللقاء القصير والمباشر بين عراقجي وويتكوف في ختام الجلسة لفت انتباه وسائل الإعلام الإقليمية.
ومن منظور الإعلام الإيراني، لم يكن هذا اللقاء تنازلا، بل مؤشرا على استعداد إيران للتفاوض بصراحة وثقة، إذا توفرت الظروف المناسبة.
ووفقا لما نشره موقع “يوراسيا ريفيو” التحليلي، لا تزال إيران تملك مفاوضين أكثر دهاء من كثير من نظرائهم، لا سيما أن برنامجها النووي بلغ مراحل متقدمة.
وقد حققت إيران من خلال هذه المفاوضات أربعة إنجازات مهمة:
أولا، كانت الولايات المتحدة تصر على عقد المحادثات في الإمارات، لكن إيران نجحت في نقلها إلى عمان.
ثانيا، رغم تهديد الأمريكيين بعدم المشاركة إذا لم تكن المحادثات مباشرة، فإنها جرت كما أرادت إيران بشكل غير مباشر وفي قاعات منفصلة.
ثالثا، اقتصرت المحادثات على البرنامج النووي الإيراني فقط، دون التطرق لأي قضايا أخرى.
وأخيرا، بينما كانت الولايات المتحدة قبل بدء المحادثات تتحدث عن تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، انتهت المحادثات بالتركيز فقط على الجانب المتعلق بتسلح البرنامج، دون المساس بجوهره.
عُقدت جلسة المفاوضات يوم السبت في ظل أجواء مشحونة، حيث يرى كثيرون في طهران أنها تأتي ضمن حملة منظمة من قبل الغرب وإسرائيل لزعزعة استقرار المنطقة. فالحرب المشتعلة في غزة، والغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا ولبنان، إلى جانب إعادة تموضع حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج، كلها عوامل أسهمت في تصاعد مستوى التهديدات بشكل كبير.
محمد مرندي، المحلل السياسي البارز والمقيم في طهران، والذي يظهر بانتظام في وسائل الإعلام الرسمية، صرح قائلا: «إيران تحلت بالصبر في وجه سياسة الضغوط القصوى. والآن، أدرك الأمريكيون أن أي منظومة أمنية في غرب آسيا لا يمكن أن تُبنى دون مشاركة إيران”.
ووفقاً لمصادر قريبة من المجلس الأعلى للأمن القومي، فإن المرشد علي خامنئي، وافق على انطلاق هذه المبادرة الدبلوماسية بعد اطلاعه على تقارير تشير إلى تراجع نسبي في مواقف واشنطن، وتوفر إطار محترم للتفاوض عبر الوساطة العمانية. وتُعرف سلطنة عمان بدورها الحاسم والهادئ في تيسير الحوارات السرية، ومنها الاجتماعات التي مهدت لاتفاق برجام في العقد الماضي.
ورغم ذلك، لا تزال الثقة بين الطرفين شبه معدومة. وأكد إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في تصريح لوكالة “إرنا”، أن هدف طهران ليس مجرد مصافحات رمزية أو التقاط صور تذكارية، بل «تحقيق رفع فعلي وقابل للتحقق من العقوبات».
وأضاف: «لسنا بصدد إبرام اتفاق نووي جديد، بل نطالب الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها الدولية وإنهاء الحرب الاقتصادية المفروضة على الشعب الإيراني”.
في المقابل، لا تزال اللهجة الأمريكية تتسم بالحذر. فقد شدد مسؤولون في إدارة ترامب، خلال تصريحاتهم لصحيفتي “وول ستريت جورنال” و”بوليتيكو”، على أن أي اتفاق محتمل يجب أن يبدأ بوقف كامل لتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 20%، بالإضافة إلى فرض رقابة دولية صارمة. وفي مقابل ذلك، قد تفرج واشنطن عن جزء من العائدات النفطية الإيرانية المجمدة، وتصدر تصاريح لتجارة إنسانية محدودة.
ستيف ويتكوف، مستشار الرئيس ترامب لشؤون الشرق الأوسط، والذي يتمتع بخلفية في قطاع العقارات، صرّح قبل انطلاق المحادثات قائلا: «إيران يمكن أن تكون دولة عظيمة، لكنها لا يجب أن تُمنح الفرصة لابتزاز العالم عبر التهديد النووي».
وقد لقيت تصريحاته صدى واسعاً في وسائل الإعلام الإيرانية، حيث وُصفت بأنها تعبير عن “النوستالجيا الإمبريالية” وتجسيد لفهم سطحي للواقع الإقليمي، ما أثار موجة من الانتقادات.
وتشير تقارير إلى أن المسؤولين الأمريكيين قدموا خلف الأبواب المغلقة إطارا أوليا لاتفاق مبني على صيغة “التوقف مقابل التوقف”؛ حيث تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، مقابل تعليق الولايات المتحدة لبعض العقوبات المفروضة. غير أن محللين إيرانيين يرون أن هذا الطرح لا يلبّي المطالب الأساسية لطهران.
وفي هذا السياق، قال محمد هاديان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران: «يريدون نزع سلاح إيران من جانب واحد، بينما يواصلون تسليح خصومنا في المنطقة. تلك المرحلة قد ولّت. الأمريكيون لا يزالون عالقين في فخ الغطرسة”.
ورغم الاتفاق المعلن بين الطرفين على أن تقتصر المحادثات على الملف النووي، نقلت وكالة “رويترز” عن دبلوماسيين عمانيين أن مواضيع أخرى طُرحت أيضا، من بينها أمن الملاحة في مضيق هرمز.
وتتهم إيران منذ فترة طويلة القوات الأمريكية بمحاولة زعزعة استقرار المياه الإقليمية، في حين تنتقد واشنطن ما تصفه بـ”أنشطة إيران” في اليمن والعراق ولبنان.
ترفض إيران بشكل قاطع وصف قوات المقاومة الإقليمية التابعة لها بـ”الميليشيات الوكيلة”. وفي تقرير نشرته وكالة تسنيم ، جاء فيه: «على الأمريكيين أن يفهموا أن حزب الله، أنصار الله، والحشد الشعبي ليسوا أذرعاً تابعة لإيران، بل يمثلون يقظة أصيلة في وجه العدوان الإمبريالي”.
أما بخصوص البرنامج الصاروخي الإيراني، فإن الموقف واضح وثابت: لا مجال للتفاوض. وصرّح المتحدث باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، قائلا: «عقيدتنا الدفاعية ليست موضع مساومة. لن نناقش أدوات بقائنا الوطني”.
ورغم تجنّب الإعلام الرسمي الإيراني تضخيم نتائج اجتماع مسقط، فقد اتسمت التقارير عموما بنبرة إيجابية. فقد أشادت وكالة مهر بـ”الصبر الاستراتيجي والدبلوماسية المبدئية” التي اتسم بها الوفد الإيراني.
وقد أقرّ دبلوماسيون من كلا الجانبين، في تصريحات غير رسمية، بأن سقف التوقعات من جلسة السبت كان منخفضا. ومع ذلك، فإن مجرد الاتفاق على مواصلة المحادثات اعتُبر من قبل كثيرين دليلاً على أن الدبلوماسية لا تزال حية وسط أجواء التوتر.
وتسعى الولايات المتحدة، التي لا ترغب في التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط وتستعد لفصل انتخابي حاسم، لتجنب أزمة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وتعميق وجودها العسكري في المنطقة.
أما في شوارع طهران، فقد تنوعت ردود الأفعال بين القلق والأمل. تقول ليلى رحيمي، صيدلانية: «إذا كانت هذه المحادثات ستؤدي فعلا إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية، فنحن نرحب بها. لكننا سمعنا الكثير من الوعود سابقا. نريد أفعالاً لا شعارات”.
ومن جنوب طهران، قال رضا موسوي، عامل متقاعد: «لقد تحمّلنا العقوبات، ووقفنا إلى جانب المقاومة. لكن إذا كان بالإمكان الآن استرجاع أموالنا دون المساس بعزتنا، فليكن”.
وتعبّر هذه المواقف عن آراء متداولة في مختلف أطياف المشهد السياسي الإيراني. حتى صحيفة “كيهان” المحافظة كتبت في افتتاحيتها: «الثورة لا تخشى الحوار، بل تخشى أن تُخدع مجددا”.
في الغرب، يستمر المحللون في التكهن حول ما إذا كان ترامب يسعى لتحقيق إنجاز تاريخي في السياسة الخارجية، أم أنه يهيئ الساحة لمزيد من التصعيد. أما في طهران، فالموقف من القيادة واضح: إيران لا تتفاوض إلا عندما يتم الحفاظ على كرامتها؛ وإذا تم فرض شيء عليها، ستغادر الطاولة.
قال مجتبی ذو النوری، عضو البرلمان: “لم نأتِ إلى هذا الطريق لنسلم في النهاية. نحن نتفاوض من أجل إثبات سيادتنا، لا من أجل إرضاء الآخرين. إيران نجت من الانقلابات، والحروب، والعقوبات، والاغتيالات، والتخريب”.