كتب: محمد بركات
تشهد أجور العمال في إيران جدلا واسعا وسط تفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، حيث يواجه العمال صعوبات متزايدة في تأمين احتياجاتهم الأساسية. وعلى الرغم من أن قانون العمل الإيراني يلتزم بربط الأجور بمعدل التضخم وكلفة سلة المعيشة، فإن هذا المبدأ لا يُطبق، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة.
فحول أجور العمال الإيرانيين وآليات تحديدها في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها المجتمع الإيراني، صرح الناشط العمالي فرامرز توفيقي، في حديث مع موقع “اقتصاد 24” الإيراني، السبت 8 مارس/آذار 2025، قائلا: “إن معايير تحديد الرواتب والأجور العمالية تم تحديدها بشكل واضح منذ العام 1990، حيث تنص المادة 41 من قانون العمل في بنديها الأول والثاني، على ضرورة مراعاة معدل التضخم المعلن من قبل البنك المركزي، إضافة إلى ضمان أن يكون الأجر كافيا لتغطية نفقات أسرة متوسطة الحجم وفقا للمعدلات السكانية السنوية، الأمر الذي لا يتم تحقيقه الآن بالنظر إلى معدل الأجور المتدني”.
وعند سؤاله عن نسبة العمال الذين يعيشون تحت خط الفقر، أوضح توفيقي أن تعريف خط الفقر يختلف وفقا للجهات المختلفة، مشيرا إلى أن وزارة التضامن كانت ملزمة قانونيا بتقديم تقارير حول مستويات الفقر، إلا أن أي حكومة لم تكن تجرؤ على التطرق إلى هذا الموضوع أو إصدار تقرير رسمي حوله، مضيفا أن “بعض الدراسات قد أجريت في معهد العمل والبحوث خلال فترة حكومة حسن روحاني، من العام 2013 وحتى 2021، لتحديد معايير الفقر، لكن للأسف فقد ألقت الأحداث السياسية بظلالها على هذه الجهود، مما أدى إلى عرقلة تحديد خط الفقر بشكل دقيق”.
كما أشار خلال حديثه، إلى أن الجميع قلقون بشأن عدم تطبيق المادة 41 من قانون العمل، موضحا أن سلة المعيشة تشمل الاحتياجات الأساسية مثل اللحوم، والدجاج، والجبن، والأرز، والخبز، ويتم تحديث أسعارها شهريا من قبل مركز الإحصاء، مضيفا: “حاليا، تبلغ تكلفة سلة المعيشة في المدن الكبرى نحو 340 مليون ريال، ما يعادل 370 دولارا أمريكيا، بينما تبلغ في المدن الصغيرة نحو 280 مليون ريال، ما يعادل 305 دولارات، ومع ذلك، فعند مقارنة هذه الأرقام مع الرواتب الحالية، نجد أن العمال لا يحصلون على رواتب تتناسب مع تكاليف معيشتهم”.
وفي ما يتعلق بتحديد خط الفقر، فقد أكد توفيقي أنه ليس 180 مليون ريال، ما يعادل 196 دولارا، كما أعلنت الحكومة، موضحا أن خط الفقر وفقا للمعايير العالمية يُحدد بناء على الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، والتي تشمل فقط الغذاء، بينما الملابس وبقية متطلبات الحياة لا تدخل ضمن هذا التقييم، حيث قال: “إن أكثر من 85% من العمال يحصلون على أقل من 180 مليون ريال شهريا”، كما أشار إلى أن الواقع أكثر خطورة مما يتم الحديث عنه، حيث يواجه العمال أزمة فقر متفاقمة لدرجة أن أحدا لا يجرؤ على طرحها علنا.
وحول كيفية معالجة هذه الأزمة، أكد توفيقي أن الحل يكمن في تحديد وتنفيذ حد أدنى عادل وحقيقي للأجور، يعزز قدرة الموظفين والعمال على تحمل تكاليف المعيشة ومواجهة الضغوط التضخمية، حيث قال: “يجب ألا ننظر إلى العامل كأنه مجرد عبء إضافي على الاقتصاد، بل ينبغي تعزيز قدرته الشرائية وتحسين أوضاعه المعيشية، فإذا تمكنا من تنفيذ ذلك، عندها فقط يمكننا أن نقول إننا حكّام جيدون، ولكن للأسف، هذا ليس واقع الحال”.
أوضاع العمال في إيران.. من سيئ إلى أسوأ
حول أوضاع العمال في إيران، صرحت سمية جلبور، رئيسة الاتحاد العام للنقابات العمالية، خلال لقاءٍ الخميس 27 فبراير/شباط 2025، بأن وضع العمال بإيران في تدهور مستمر، حيث يفتقد العديد منهم لعقود عمل رسمية، ويعانون من تدني الأجور وغياب الأمان الوظيفي، وفي ظل الارتفاع المستمر في التضخم، تقلصت القدرة الشرائية للعمال بشكل حاد، ما أدى إلى تفاقم أوضاعهم المعيشية.
وأضافت جلبور: “رغم أن المادة 41 من قانون العمل تفرض أن يكون الحد الأدنى للأجور متناسبا مع معدل التضخم وكلفة سلة معيشة الأسر، فإن ذلك لا يُطبق عمليا، فالمجلس الأعلى للعمل لم يؤد دوره في تحديد أجور عادلة، حيث لم تكن الزيادات في الرواتب متناسبة مع معدلات التضخم المتصاعدة، كما أن البرلمان لم يقم بدوره الرقابي، مما أدى إلى غياب المساءلة عن القرارات التي أثرت سلبا على حياة الملايين من العمال”.
كذلك، فقد أشارت إلى أن العمال سيعانون بشكل كبير حتى مع زيادة الأجور بنسبة 200%، حيث سيظلون تحت خط الفقر، ويجب على الحكومة توفير السلع الأساسية، مثل الأرز واللحوم ومنتجات الألبان، بأسعار ثابتة؛ لضمان وصولها إلى جميع العمال دون أن تؤدي هذه السياسة إلى تضخم إضافي.
كما أكدت أن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، نفسه قد اعترف بعدم إمكانية العيش في طهران بأقل من 200 مليون ريال، ما يعادل 215 دولارا، شهريا، وعلى الرغم من ذلك فالفجوة بين الأرقام الرسمية والتضخم الفعلي لا تزال كبيرة، لا سيما مع ارتفاع أسعار الإسكان والمواد الغذائية بشكل غير مسبوق، فعلى سبيل المثال، قالت جلبور إن بدل السكن لم يشهد أي زيادة رغم الارتفاع الكبير في الإيجارات.
التضخم يضرب العمال وأصحاب العمل
من جهته، قال على أصغر آهنیها، ممثل أصحاب الأعمال في المجلس الأعلى للعمل، خلال تصريحات في فبراير/شباط 2025، إأن التضخم يشكل المشكلة الأكبر التي تؤثر على كل من العمال وأصحاب العمل أيضا، فإلى جانب الأجور، تواجه العمالة تحديات تتعلق بتكاليف الإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية.
وقد صرح آهنیها بأن المصانع والمنشآت الإنتاجية تواجه صعوبات كبيرة، حيث تعمل العديد منها بأقل من طاقتها القصوى بسبب الأزمات المالية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والركود الاقتصادي.
وكأحد الحلول لتلك المشكلة، اقترح تقديم قسائم غذائية للعمال للمساعدة في تخفيف الأعباء المالية، مشددا على أن القوة الشرائية للعمال تتآكل بسرعة مع ارتفاع الأسعار، فوفقا لتصريحاته فإن نحو 25% من القوى العاملة تتقاضى الحد الأدنى للأجور، بينما يعمل عدد كبير منهم بنظام الأجر اليومي، مما يجعلهم أكثر عرضة لتأثيرات التضخم.
هناك فجوة بين التضخم الرسمي والواقع
وحول تحديد سقف الحد الأدنى للأجور، صرح الخبير الاقتصادي حميد حاج إسماعيلي، بأن أساليب تحديد الأجور في إيران تسببت في تآكل القدرة الشرائية للعمال والمتقاعدين، مؤكدا أن معدلات التضخم الرسمية التي تعلنها الحكومة لا تعكس الواقع الحقيقي، فعلى سبيل المثال، في حين أعلنت الحكومة أن معدل التضخم يبلغ 32%، ارتفعت أسعار بعض السلع الأساسية، مثل الأرز، بنسبة تصل إلى 90%. حتى مركز الإحصاء الحكومي أقر بأن معدل التضخم في أسعار الغذاء خلال الفترة الأخيرة كان غير مسبوق، مما يشير إلى وجود تلاعب في المؤشرات الاقتصادية المستخدمة لتحديد الأجور.
وشدد حاج إسماعيلي على أهمية تحديد خط الفقر بشكل دقيق، حيث صرح بأن “الدول المتقدمة تعتمد على هذا المؤشر كأساس لاتخاذ قرارات اقتصادية واجتماعية، بينما تفتقر إيران إلى تعريف واضح له، فقد أدى هذا الغياب إلى غموض في المسؤوليات الاقتصادية للحكومة تجاه المواطنين”.
كذلك، انتقد السياسات الحالية التي لا تمنح وقتا كافيا للمفاوضات حول الأجور، مما يضعف موقف العمال عند التفاوض، حيث قال إن “تكلفة سلة المعيشة يجب أن تكون العامل الأساسي في تحديد الأجور، لكن الحكومة عادةً ما تتحمل جزءا صغيرا فقط من هذه التكلفة، فعلى سبيل المثال، في العام الماضي (2024)، قُدّرت كلفة سلة المعيشة بـ180 مليون ريال، لكن الحكومة لم تغط سوى 50% منها، بينما تشير التقديرات الفعلية إلى أن التكلفة أعلى بكثير مما هو مُعلن رسميا”.
كما اقترح أن يكون الحد الأدنى للأجور في عام 2025 بين 65% و70% من تكلفة سلة المعيشة؛ وذلك لضمان تحسين القدرة الشرائية للعمال وتخفيف معاناتهم في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
كيف يمكن حل الأزمة؟
كان حميد رضا إمام قلي تبار، مفتش الاتحاد العام لممثلي العمال في إيران، قد أشار خلال تصريحات له في 11 فبراير/شباط 2025، إلى أن الطبقة العمالية تعيش أوضاعا معيشية صعبة، حيث يواجه العمال تحديات كبيرة في تأمين احتياجات أسرهم، مضيفا أن غياب الأمن الوظيفي، وتراجع الأمل في المستقبل، وصعوبة امتلاك منزل أو سيارة أو حتى الادخار، بعض من المشكلات التي يعاني منها العمال.
ولحل تلك الأزمات، فقد أكد قلي تبار أن الحكومة يجب أن تنتهج سياسات اقتصادية واجتماعية عاجلة، تشمل عدة آليات، أهمها رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع معدل التضخم؛ لضمان قدرة العمال على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
كذلك، يجب تحسين بيئة العمل وتقليل الضغوط المالية التي تجعل العمال يلجؤون إلى القروض لتغطية نفقاتهم، إضافة إلى تخصيص دعم حكومي للشرائح العمالية الأكثر ضعفا، وذلك عبر تقديم إعانات مالية أو قسائم غذائية، وأيضا إنشاء صناديق دعم وتأمين اجتماعي؛ لمساعدة العمال في أوقات الأزمات المالية.