ترجمة: نوريهان محمد البهي
نشرت وكالة خبر أونلاين تقريرا، الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2025، عن الأزمة البيئية التي تواجه أشجار الدلب في شارع ولي عصر بطهران، حيث أشارت إلى التحديات الكبيرة التي تهدد هذه الأشجار العريقة، التي تعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ وهوية العاصمة الإيرانية.
وأشارت الوكالة وفقا لمصادرها، إلى أن طهران، التي تكاد لا تتنفّس هذه الأيام، لم تعد أشجار الدلب فيها قادرة على أداء دورها التاريخي في منح الحياة لنبض سكانها.
ويُعتبر شارع ولي عصر في طهران واحدا من أطول شوارع الشرق الأوسط، وأصبح مع مرور الزمن قلب الحياة الحضرية النابض في العاصمة.
لكن ما يميز هذا الشارع أكثر هو تلك الأشجار الشامخة من الدلب التي تتمايل فروعها في السماء، مدمجة بين جمال الطبيعة وعراقة التاريخ. هذه الأشجار التي صارت جزءا لا يتجزأ من هوية الشارع، تعد إرثا حيا يحكي قصة طهران في القرن الماضي.
اختيرت هذه الأشجار بعناية؛ لما تتمتع به من قدرة على النمو في التربة الثقيلة وتحملها للجفاف، وبفضلها تحول الشارع إلى نفق أخضر يظل المارّين من ميدان تجريش إلى ميدان راه آهن.
ومع كل فصل، كانت أشجار الدلب تضفي هوية جديدة على هذا الشارع، وتظل دائما ظلا هادئا للمارة.
إرث تاريخي
أفادت الوكالة بأن دراسة النصوص التاريخية كشفت أن أشجار الدلب في شارع ولي عصر لها جذور تمتد إلى تاريخ حي “كن” القديم في طهران، ووفقا لهذه الدراسات، فإن أصول هذه الأشجار ونسبها تعود إلى هذا الحي العريق.
وفي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، كتب عبد الله مستوفي المؤرخ والكاتب الإيراني: “في عهد رضا شاه، تم زرع شجرة دلب كل مترين في شارع بهلوي (شارع ولي عصر حاليا)، وبين كل شجرتين زُرعت شجرة من الزهور الحمراء. وهكذا، تمت زراعة ما يقرب من 18 ألف شجرة على امتداد الشارع البالغ 18 كيلومترا”.
وأضاف مستوفي أن بعض التقديرات تشير إلى أن العدد الفعلي لأشجار الدلب قد يصل إلى 24 ألف شجرة.
أرباب خليل
في رواية تاريخية تكشف عن جذور أشجار الدلب في شارع ولي عصر، يبرز اسم “أرباب خليل”، البستاني الشهير من حي “كن”، الذي لعب دورا محوريا في نقل شتلات الدلب من خزانة أشجار “باغ نو” إلى الشارع الذي أصبح لاحقا أحد أبرز معالم طهران.
كان أرباب خليل ينقل الشتلات الصغيرة من خزانة أشجار “باغ نو” في حي “كن” إلى شارع بهلوي (شارع ولي عصر حاليا) على ظهور الخيول والحمير.
يروي مرتضي رحيمي، ابن خليل رحيمي وآخر أحفاد أرباب خليل، قصة والده قائلا: “كان والدي بستانيا معروفا، عندما أعلنت بلدية المدينة عن خطة لزراعة أشجار الدلب على طول شارع ولي عصر، تم اختيار والدي كأول شخص لهذه المهمة.
وكان بستانيو شميران يعرفون والدي جيدا. وتقرر أن تُنقل شتلات الدلب من حي “كن” إلى طهران، لأن شتلات الدلب من قرية “كن” كانت معروفة بجودتها العالية.
ويكمل رحيمي: “كان والدي يروي أنه عندما تم زرع الشتلات، جاء رئيس بلدية طهران آنذاك ومرر يده على الشتلات وقال باستغراب: على الأرجح هذه الأشجار ليس لها جذور.
كيف يمكن زراعتها بهذه السرعة؟! وصل الخبر إلى رضا شاه، فجاء وأمر بانتزاع بعض الشتلات من الأرض. فوجئ الجميع عندما اكتشفوا أن الشتلات لم تكن فقط ذات جذور، بل كانت جذورها سميكة ومتشابكة”.
كان أرباب خليل قد أنشأ حضانة لأشجار الدلب في مكان يُدعى “باغ نو” في قرية “كن”، حيث كان يزرع بذور الأشجار على مسافات قريبة من بعضها البعض.
وعندما تتحول البذور إلى شتلات، يتم إرسالها لزراعتها في أطول شارع في الشرق الأوسط، ليصبح هذا المشروع علامة بارزة في تاريخ طهران.
من يقف وراء تدمير أشجار الدلب؟
وفقا لتقرير الوكالة، خلال العقود الماضية، عانت أشجار الدلب في شارع ولي عصر من ظروف قاسية من الإهمال والتهديدات البيئية، ما أدى إلى انخفاض عددها من 18 ألف شجرة إلى نحو 8 آلاف شجرة فقط. ولكن ما العوامل التي أدت إلى تدهور وضع هذه الأشجار العريقة؟
يعد التوسع العمراني وتغيير استخدامات الأراضي المحيطة بالشارع أحد أبرز التهديدات التي تواجه أشجار الدلب، وأعمال الحفر لإنشاء مترو الأنفاق، والبناء العشوائي، وزيادة تلوث الهواء والتربة، كلها عوامل ساهمت في تدهور صحة هذه الأشجار على مر السنين.
كما تواجه طهران في السنوات الأخيرة أزمة مياه حادة، مما أثر سلبا على تغذية أشجار الدلب، مما أدى نقص الموارد المائية اللازمة لري هذه الأشجار إلى إضعافها وجعلها أكثر عرضة للأمراض والجفاف، إضافة إلى الاستخدام المفرط للمبيدات والمواد الكيميائية في الفضاء الحضري
وذكرت الوكالة أنه إضافة إلى العوامل البيئية، تساهم قلة الوعي العام بأهمية هذه الأشجار والأضرار الناتجة عن التدخلات البشرية، مثل قطع الفروع وإلقاء القمامة عند جذورها، في تسريع تدمير هذه الثروة الطبيعية.
وفي وقت سابق، صرح مهدي تشمران، رئيس مجلس مدينة طهران، حول قطع أشجار شارع ولي عصر قائلا: “عندما تكون الأشجار موجودة بجانب الشارع وتعاني من حركة مرور كثيفة، يصبح الحفاظ عليها أمرا صعبا.
فإن أشجار شارع ولي عصر عاشت حياة جيدة، ولكن عندما تبدأ في التسبب بمشكلات، مثل انتشار الآفات إلى الأشجار الأخرى أو تعفنها من الداخل، لا يكون هناك حل آخر سوى قطعها”.
ومع ذلك، يجب زراعة شجرة أو أكثر مكانها أو بجانبها. ومن واجب البلدية متابعة حالة الأشجار بشكل دوري وزراعة أشجار جديدة مكان تلك التي يتم قطعها.
إهمال إداري أم قرارات خاطئة؟
أوضحت الوكالة أن خبراء البيئة أجمعوا على أن التدخل المبكر من قِبل الإدارة الحضرية كان بإمكانه إنقاذ أشجار الدلب في شارع ولي عصر من الجفاف والتلف الجسيم
وأضافت أن التوسع العمراني العشوائي وبناء الأبراج حول شارع ولي عصر من العوامل الرئيسية التي أسهمت في تدهور أشجار الدلب.
وأشارت أن هناك مشكلة أخرى تكمن في تغطية التربة بالإسمنت وغلق المساحات المحيطة بالأشجار. وعلاوة على ذلك، فإن الإسمنت المستخدم في الأرصفة ومسارات المياه أدى إلى فقدان التربة لوظيفتها الحيوية.
وتابعت: “إن شيوع الأمراض النباتية التي تعد من أبرز المشكلات التي تواجه أشجار الدلب في شارع ولي عصر، حيث يتم انتقال هذه الأمراض بسهولة عبر الأمطار أو الهواء، وإذا لم يتم علاجها في الوقت المناسب، فقد تؤدي إلى انتشار العدوى بين الأشجار”.
وأوضحت أن مكافحة هذه الأمراض تتطلب جهدا وتكلفة، ولكن الوقاية منها ممكنة من خلال تعزيز صحة التربة والصيانة الدورية.
كما لفتت إلى أن أحد التحديات الأخرى هو الإدارة غير المناسبة للموارد المائية. كانت المنطقة في الماضي مواتية لنمو أشجار الدلب بفضل وجود القنوات المائية والأنهار الجارية.
ومع ذلك، فإن جفاف هذه القنوات وتوزيع المياه غير المتساوي، يجعلان من الصعب تلبية احتياجات الأشجار، مما يؤدي إلى ضعف نموها.
وأفادت أيضا بأن بعض علماء النبات يوصون باستخدام أنواع مقاومة مثل الصنوبر أو التبريزي بديلا عن تكرار عملية زراعة أشجار الدلب في الأماكن المتضررة، وهذه الخطوة يمكن أن تساهم في ضمان استدامة البيئة الحضرية على المدى الطويل.
جدير بالذكر، أن أشجار الدلب ليست مجرد مظهر جمالي، بل تمثل جزءا من الهوية التاريخية والطبيعية لطهران.