كتبت: شروق طه
بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، أطلقت أصوات إيرانية مطالبات بإغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم، وذلك ردا على أي تصعيد محتمل من قبل إسرائيل، وهو ما يثير مخاوف عالمية بشأن اضطراب أسواق النفط وارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
تضاف تلك الأصوات إلى المطالبات المستمرة داخل إيران باستخدام مضيق هرمز كورقة ضغط سياسية واستراتيجية في مواجهة القوى الغربية وحلفائها بالمنطقة، وهو ما قد يضع التجارة العالمية في مواجهة تحديات كبرى ويزيد من احتمالية اندلاع صراع عسكري واسع.
من أبرز الأصوات التي دعت مؤخرا إلى إغلاق مضيق هرمز، النائب البرلماني عن منطقة قم محمد منان رئيسي، الذي أصدر بيانا تناقلته الصحف المحلية الإيرانية، جاء فيه: “بسم الله قاصم الجبارين وَالْحَمْدُ لِلّهِ قاِصمِ الجَّبارينَ مُبيرِ الظّالِمينَ. أهنئ جميع محبي الثورة وجبهة المقاومة، وأوجه الشكر إلى جميع القادة والأبطال الذين استجابوا لمطلب الشعب الثوري الإيراني، وإذا كانت إسرائيل وأعوانها ينوون ارتكاب حماقة والرد على الهجوم المشروع لإيران، فمن الأفضل أن يفكروا في ردودنا التالية؛ ردود من بينها إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي ورفع أسعار النفط العالمية إلى مستويات غير مسبوقة” .
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت تدوينات من المجتمع الإيراني تطالب النظام بتبني الفكرة نفسها، فكتب أحد الحسابات الإيرانية على منصة x:
عملية كسر الخطوط الحمراء لا تتوقف إلا بكسر الخطوط الحمراء:
– اصنعوا قنبلة نووية واحدة فقط.
– هددوا بالانسحاب من الأمم المتحدة (اقرأوا: منظمة الدول غير المتحدة).
– امنعوا أي سفن تجارية أوروبية من المرور عبر مضيق هرمز من خلال إجراء تدريبات بحرية لمدة أسبوع.
وكتب آخر: “في ظل الظروف التي تضغط فيها روسيا على أوروبا في جبهة أوكرانيا، فهذه أفضل فرصة لاستخدام محور المقاومة ورقتين رابحتين، وهما مضيق هرمز وباب المندب”.
تأثير إغلاق مضيق هرمز على التجارة العالمية
ارتفعت أسعار النفط الخام بسبب المخاوف من احتمالية حدوث اضطراب في الإنتاج بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على الكيان الصهيوني، وبعد دقائق فقط من هذا الهجوم، ارتفعت أسعار النفط في مؤشري برنت وغرب تكساس بنسبة أكثر من 5%، وهو أكبر ارتفاع نسبي منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وعملية “طوفان الأقصى”.
كما شهدت أسواق النفط تقلبات كبيرة منذ الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، ومن المتوقع أن تستمر الزيادات في الأسعار إذا استمرت هذه التطورات وتفاقمت الصراعات، ومن بين السيناريوهات المحتملة استهداف المنشآت النفطية الإيرانية من قبل الكيان الصهيوني، وإذا حدث ذلك، فإن إمدادات النفط في منطقة غرب آسيا ستنخفض؛ لأن صناعة النفط الإيرانية تلعب دورا حيويا في أسواق الطاقة العالمية بفضل احتياطياتها الهائلة وقدرتها الإنتاجية، وأي اضطراب طويل الأمد قد تكون له تداعيات كبيرة على استقرار إمدادات الطاقة العالمية وأسعار المستهلكين، حسب ما ذكره تقرير لوكالة الأنباء الإيرانية “خبرگزاری دانشجو“
ويوضح التقرير أن إيران تنتج حاليا 3.6 مليون برميل يوميا، ما يعادل 4% من إنتاج النفط العالمي، وتصدر نصف هذه الكمية، ما يشكل 2% من الإمدادات العالمية، مما يجعلها واحدة من أكبر مزودي النفط في العالم.
النقطة المهمة الأخرى هي أن إيران، التي تسيطر على مضيق هرمز، تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وحجم هائل من النفط الذي يمر عبره يوميا، مما يجعله ذا أهمية كبيرة للنقل العالمي للنفط، هذا الممر الضيق الذي يقع بين إيران وشبه الجزيرة العربية يُعد المسار الرئيسي لصادرات عدة دول رئيسية منتجة للنفط في المنطقة، ويمر ما يقرب من 20 إلى 30% من نفط العالم عبر هذا الممر، وأي اضطراب في مرور النفط عبر مضيق هرمز يمكن أن تكون له تأثيرات عميقة على أسعار النفط العالمية والاقتصاد العالمي.
أشار “باتريك بوكانان”، أحد كبار مساعدي ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين، إلى بعض التقارير التي تفيد باحتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، وقد حلل أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى انفجار في أسعار النفط العالمية، وستستدعي رد فعل من البحرية الأمريكية، مما قد يؤدي في النهاية إلى اندلاع حرب، وذلك حسبما ذكر الموقع الإيراني “اقتصاد نيوز“.
مضيق هرمز.. تاريخ من الصراعات
في عام 1987، رفضت إيران قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 (قرار مجلس الأمن رقم 598 صدر في 20 يوليو/تموز 1987 لإنهاء الحرب بين إيران والعراق، صدر هذا القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنه يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية أو تدخل عسكري من القوى العالمية ضد الدولة المخالفة.)، واقترحت دول أخرى في المنطقة، مثل الكويت والسعودية، على الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حماية ناقلات النفط الخاصة بها في الخليج الفارسي عبر رفع أعلامهما على السفن في أثناء عبورها مضيق هرمز.
اتهمت إيران هذه الدول بدعم صدام حسين، وادعت أنها تصدر نفط العراق عبر سفنها، لذلك، تم اتخاذ قرار بإيقاف هذه السفن المدنية بعمليات عسكرية، قامت قوات الحرس الثوري بوضع ألغام بحرية في طريق السفن، وأول سفينة أصابها لغم كانت “بريجتون”، ردت الولايات المتحدة بتدمير السفينة الإيرانية التي وضعت الألغام، وهي السفينة البرمائية “إيران أجر”.
في 14 أبريل/نيسان 1988، اصطدمت المدمرة الأمريكية “سامويل بي روبرتس”، التي كانت ترافق ناقلات النفط الكويتية في المياه الدولية، بلغم زرعته السفينة “إيران أجر”.
في 18 أبريل/نيسان من العام نفسه، هاجمت القوات الأمريكية منصتي النفط “نصر” و”سلمان” في الخليج الفارسي، حيث كانت قوات الحرس الثوري متمركزة، شاركت في العملية ثلاث مجموعات بحرية تتألف من 4 مدمرات، و3 فرقاطات، وسفينة هجومية برمائية، وسفينة إطلاق صواريخ، وحاملة طائرات، إضافة إلى وحدة خاصة من البحرية الأمريكية.
لم تنجح زوارق الحرس الثوري السريعة “عاشورا” في مواجهة الطائرات الأمريكية من طراز A-6 وتوجهت نحو جزيرة أبو موسى، لكن فرقاطة الصواريخ “جوشن” التي كانت قريبة توجهت لدعم منصات النفط، لكنها حوصرت.
عرضت القوات الأمريكية على طاقم السفينة الإيرانية مغادرة السفينة والركوب في قوارب النجاة لنقلهم، لكن قائد “جوشن”، العقيد البحري عباس ملك، أطلق صفارة الحرب، وقال للقائد الأمريكي: “هذا الخليج الفارسي، وليس لكم أي حق في التدخل في شؤون بلادي، عليكم مغادرة المنطقة”.
أطلقت مدمرتان أمريكيتان 6 صواريخ من طراز “RIM-66 Standard” باتجاه الفرقاطة الإيرانية “جوشن”، مما أدى إلى تدميرها بالكامل.
يقول العقيد البحري علي رضائي، نائب قائد الفرقاطة “سهند”: “أبلغونا أنه إذا هاجمنا الأمريكيون اليوم، فعلينا الرد بالمثل، قمنا بتجهيز السفينة، خرجنا من ميناء بندر عباس، وأثناء خروجنا أبلغونا أن جوشن قد تم تدميرها، وقالوا لنا: احذروا، سيهاجمونكم أيضا، كان الطقس غائما والرؤية ضعيفة، ثم ظهرت طائرة أمريكية من طراز A-6 فوق الفرقاطة، وأطلقت صواريخ هاربون وقنابل موجهة بالليزر من نوع سكيبر، مما أدى إلى غرق سهند”.
بعد ذلك، تم إرسال الفرقاطة “سبلان”، الشقيقة الشبيهة لـ”سهند”، والتي كانت من بين أهم أصول البحرية الإيرانية، إلى المعركة، ولكن كان مصير “سبلان” مشابها لمصير “سهند”، حيث أصابتها قنبلة سكيبر وعطلتها تماما، وبذلك تم تدمير جزء كبير من القدرات البحرية الإيرانية، وذلك وفقا لما ذكره الموقع الإيراني “اقتصاد 24“.
وسبق أن هددت إيران في مناسبات عدة بإغلاق المضيق، أبرز تلك التهديدات:
في 1 يناير/كانون الثاني 1982، عندما كان آية الله هاشمي رفسنجاني، ممثلا للمرشد الأعلى في المجلس الأعلى للدفاع وقائدا للقوات المسلحة، تحدث عن إمكانية إغلاق مضيق هرمز.
وأكد في حديثه، أن “إغلاق مضيق هرمز ليس أمرا صعبا لمن حققوا ملاحم مثل بيت المقدس والفتح المبين”، وأضاف: “سنغلق مضيق هرمز وسنضع العالم في أزمة لا يمكن الخروج منها”.
-وقد هدد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، بإغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط الخليجي إلى العالم، وجاءت تهديدات حسن روحاني بعد محاولة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حظر صادرات إيران النفطية.