حوار مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: يسرا شمندي
حول تأثير السياسة الإقليمية على العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا، يحاور ” زاد إيران” أحمد وخشيتة، أستاذ في جامعة الصداقة بين الشعوب الروسية وأستاذ زائر في قسم الدراسات الإقليمية بجامعة أوراسيا الوطنية.
وقد حصل وخشيتة على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة صداقة الشعوب الروسية، حيث كانت رسالته للدكتوراه بعنوان “استشراف سياسة روسيا الخارجية في الشرق الأوسط بعد أزمة سوريا”.
هل العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا تحقق مصالح البلدين أم كما يعتقد البعض أن العلاقة بين إيران وروسيا هي علاقة تخدم فقط مصالح روسيا؟
بالتأكيد، فإن العلاقة بين إيران وروسيا ومكانة السياسة الخارجية بين البلدين هي علاقة صداقة. فإذا نظرنا إلى آخر نظرية للسياسة الخارجية لروسيا التي تم تعريفها بعد أزمة التوترات في أوكرانيا، نجد أن الدول تُقسم إلى دول صديقة ودول غير صديقة ودول متنازعة. وإيران دولة صديقة لدى روسيا، ولديها توجه قوي نحوها بسبب السياسة المناهضة للغرب والعداوة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التوجه نحو الشرق، وهذا يعني أن إيران دائمًا تولي اهتمامًا خاصًا تجاه روسيا.
وبالتالي، نتحدث عن علاقة الصداقة بين الطرفين، التي تركّز كل منهما على مصالحها الوطنية. ومن هنا قد تنشأ بعض الاختلافات. فإن رؤية روسيا تعتمد على الواقعية والعملية والتعددية، وتعرَّف مصالحها الوطنية على أساس ذلك، وبالتالي تحدد تعاونها مع إيران.
ولكن رؤية إيران قائمة على المصالح الوطنية مع توجه أيديولوجي، وهنا قد تنشأ بعض الخلافات. على سبيل المثال، النظرة التي تتبناها إيران تجاه إسرائيل هي نظرة عداء، بينما نظرة روسيا تجاه إسرائيل وقضية فلسطين هي نظرة دولة. والتوقعات التي كانت لإيران في سوريا كانت مختلفة، وهذا ظهر في سياق أزمة سوريا. من هذه الزاوية، أعتقد أن العلاقة بين البلدين تقوم على علاقة صداقة، ولكن بالطبع يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه القصوى. وبطبيعة الحال، روسيا ليست مهتمة بتأمين مصالح إيران، ولا إيران مهتمة بتأمين مصالح روسيا.
هل يمكن أن نتوقع أن تتخذ روسيا خطوة من أجل مصالح إيران خارج إطار مصالحها الوطنية؟
إن علاقة إيران وروسيا هي علاقة صداقة تعتمد على تعريف كل بلد لمصالحه الوطنية. ومن خلال نظرتهما للنظام الإقليمي والعالمي، يمكن أن يكون لديهما علاقات ودية وتعاون مشترك. كما نلاحظ في السنوات الأخيرة، بعد اندلاع النزاعات في أوكرانيا، أن هناك نظامًا إقليميًا وعالميًا جديدًا.
وتسعى موسكو إلى تشكيل تحالفات جديدة، فعلى سبيل المثال، في الشرق الأوسط، تقيم علاقات وثيقة مع الإمارات، التي هي شريك استراتيجي للولايات المتحدة. وقد صرح كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي لافروف بأن الإمارات هي شريك أساسي لهم في المنطقة. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى السياسة متعددة الأبعاد التي ذكرناها، تسعى روسيا أيضًا إلى التعاون مع إيران.
ومن الأمور الأساسية في هذا النظام الجديد هو السعي لإنشاء تحالفات جديدة، وبالتالي، تم تشكيل ممرات جديدة. ولقد اكتسبت إيران أهمية خاصة بسبب ممر الشمال-الجنوب في هذا الهيكل الجديد الذي تسعى روسيا لتشكيله بعد عزلها من قبل الغرب. وترغب روسيا في الوصول إلى أسواق جنوب وشرق آسيا. كما لاحظنا أن الصين والهند هما البلدان اللذان تملك روسيا أكبر صادرات طاقة إليهما. وبالتالي، يعد ممر الشمال-الجنوب ذا أهمية كبيرة لروسيا.
لذا، بطبيعة الحال، تكون العلاقات بين البلدين ودية وتستند إلى رؤية استراتيجية. ولكن هنا قد يطرح السؤال التالي: إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا التعاون تكتيكياً أو استراتيجياً؟ فكما نعلم، نحن نتحدث عن تعاون نشأ بسبب قضية معينة في وقت محدد. وعلينا أن نرى ما إذا كان من الممكن أن تتخذ روسيا خطوة لصالح إيران خارج إطار مصالحها الوطنية. وبالطبع، لا روسيا ولا أي دولة أخرى، إذا كانت عاقلة، ستتخذ قرارات بناء على الأيديولوجيا. بل تستند القرارات إلى الواقعية ومصالح البلد الوطنية، وبالتالي، ستكون السياسة الخارجية لأي دولة، بما في ذلك روسيا، مرتبطة بمصالحها الخاصة. فإذا تعارضت مصالح روسيا مع مصالح إيران، فإن أولويات روسيا ستكون لمصالحها الوطنية.
إذا أردنا النظر في القضايا الخلافية بين البلدين، فما الموضوعات التي تندرج تحت هذه الخلافات؟ وما سبب هذه الخلافات؟
إذا أردنا أن ندرس القضايا الخلافية بين البلدين في مجال السياسة الخارجية والأمن، قد ترغب إيران في عدم التحكم في اصطكاكها مع إسرائيل والانتقال إلى مرحلة المواجهة معها. وإذا كانت هذه المواجهة من قبل إيران، فمن الطبيعي أن يضع هذا روسيا في موقف حرج، لأن لديها علاقات وثيقة مع كل من إسرائيل وإيران. فإحدى السمات التي تتمتع بها إيران هي أنها تُحدد الأشياء بين قطبين وتنتظر من البلدان الأخرى أن تحدد موقفها. على سبيل المثال، وضعت إيران أذربيجان في هذه الثنائية، مما أدى إلى خلافات مع أذربيجان لأنهم وُضعوا في وضع يتطلب منهم الاختيار بين إيران أو إسرائيل.
النقطة الثانية هي البرنامج النووي الإيراني، حيث يجب على إيران الالتزام بالاتفاقات النووية. وإذا كانت إيران تسعى لامتلاك القنبلة النووية أو لم تلتزم بالاتفاقات، على الرغم من دعم روسيا لإيران حتى الآن، فإن ذلك قد يثير تهديدًا لإسرائيل وتهديدًا للأمن في منطقة الخليج العربي، مما قد يؤدي إلى اختلاف جوهري مع روسيا.
أمر آخر يمكن الإشارة إليه هو اتفاقية بحر قزوين، التي وقعها الرئيس الإيراني السابق روحاني، بينما كان وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف يروج لها. وربما يمكننا القول إنهما الوحيدان من قبِلا بهذا الموضوع، حيث لم يتم قبول هذا الموضوع منذ عهد الرئيس الإيراني السابق خاتمي، الذي كان يرى أن حصة إيران في بحر قزوين يجب أن تكون 20%. وخلال فترة حكم الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، أثار وزير الخارجية السابق منوشهر متكي هذا الموضوع في البرلمان، وواجه معارضة شديدة، بل طالبت بعض الأطراف بعزله. وفي فترة روحاني، تم التوقيع على الاتفاقية، لكن روسيا تتوقع أن يتم التصديق عليها في البرلمان الإيراني، وهو ما لم يحدث بعد.
والموضوع الآخر الذي أود الإشارة إليه ليس بالضرورة اختلافًا، ولكن قد يكون مجالًا للتنافس بين البلدين. فبعد فرض العقوبات الأمريكية على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، دخلت روسيا إلى أسواق شرق آسيا وأصبحت أكبر مصدر للطاقة إلى الصين والهند. وهذا تسبب في منافسة خفية، والتي ربما تكون قد أصبحت واضحة الآن بين روسيا وإيران، حيث كانت إيران تبيع نفطها بأسعار مخفضة إلى الهند والصين لكي يتجاوزوا العقوبات، لكن روسيا دخلت بنفس الاستراتيجية، مما أدى إلى ظهور منافسة تخفيضية بين البلدين.
ما الفوائد التي تشملها العلاقات بين إيران وروسيا؟ وهل هذه العلاقات متوازنة، وهل يتم تلبية مصالح البلدين بشكل متساوٍ أم لا؟
كلما كان لدى الدول توازن إيجابي أكبر في سياستها الخارجية، فإنها تستطيع تحقيق مكاسب أكبر في سياستها الدولية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تركيا، حيث إن رئيسها أردوغان يدير سياسة بلاده بحيث إن تركيا عضو في حلف الناتو وفي نفس الوقت لديه علاقات اقتصادية واسعة مع روسيا، كما أنه يبيع الأسلحة إلى أوكرانيا ويتعاون مع الناتو. وهذا التوازن الإيجابي ساعده على زيادة قوته التفاوضية. حتى أنه من خلال هذا التوازن، تمكن من أخذ دور محوري في الأزمات الإقليمية، مثل أزمة ناغورني كاراباخ، حيث نجح في تغيير ميزان القوى في المنطقة ودعم أذربيجان مما ساعد باكو على تغيير الوضع الإقليمي.
وفي سوريا، على الرغم من أنه لا يمكننا القول إن أردوغان وتركيا كان اللاعب الأول خلف الكواليس في هذه القضية، إلا أن أنقرة كانت لاعبًا رئيسيًا نفذت دورًا مهمًا في هذا الشأن. وبالتالي، إذا كان هناك توازن إيجابي لدولة ما، فإنها يمكن أن تحقق مكاسب إيجابية وكبيرة. وبالنسبة لجيران إيران، فإذا وصلت الإمارات إلى طريق مسدود مع دولة ما في السياسة الخارجية، فإن قدرتها على المساومة ستنخفض بالطبع. وهذا يشبه الحالة التي تقول فيها إن شخصًا يمتلك سيارة ضعيفة وآخر يمتلك سيارة فاخرة مثل “بي ام دبليو”، وبينهما علاقة صداقة، ولكنهما غير متوازنين.
وإيران، إذا كانت تمتلك قوة اقتصادية أكبر، يمكن أن تحقق توازنًا اقتصاديًا مع دول أخرى. ولكن نظرًا لأن الاقتصاد الإيراني ضعيف، مع اقتصاد حكومي وفساد منهجي، فإن ذلك لا يتيح للقطاع الخاص الإيراني التفاعل بشكل فعال مع الدول الأخرى. مثلاً، في الوقت الذي شهدت فيه الإمارات توسعًا كبيرًا في علاقاتها الاقتصادية لتصل إلى 10 مليارات دولار في السنوات الأخيرة، فإن التعاون بين إيران والدول الأخرى (على الرغم من التعاون العسكري والفضائي الواسع) وصل إلى ما يقارب 5 مليارات دولار. من ناحية، يمكننا القول إن هذا تطور جيد، حيث ارتفع التعاون من 2 مليار دولار في عام 2020 إلى نحو 5 مليارات دولار في عام 2025.
ولكن من ناحية أخرى، إذا نظرنا إلى حجم إمكانية التعاون، فهناك مساحة أكبر بكثير من ذلك. وبالتالي، أريد أن أقول إن الإجابة على جميع الأسئلة تعود إلى إيران نفسها، حيث يمكن لإيران أن تقرر كيف تتصرف للحصول على أكبر قدر من المكاسب سواء مع روسيا أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى. وإذا كان لدى إيران القدرة على توقيع اتفاقيات شاملة مع روسيا والصين، بالإضافة إلى التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين، فإنها ستضع هذه القوى الكبرى في منافسة، ومن خلال هذه المنافسة يمكن لإيران أن تحصل على امتيازات أكبر في مفاوضاتها ويعود عليها بمزيد من المنافع الوطنية.