حوار: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
أجرى موقع “زاد إيران” حوارا مع الأكاديمي غلام رضا كريمي، عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الخوارزمي، حول رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أرسلها إلى إيران، وهدفه من تلك الرسالة. وفي ما يلي نص الحوار:
ما معنى إرسال دونالد ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي عبر وسيط إماراتي؟
يسعى ترامب من خلال هذا الوضع أن يُظهر نفسه كداعية للسلام، ويضع إيران في موقف تُجبر فيه إما على الرد على المفاوضات وإما على التهرب منها. في هذه الحالة، يمكن لترامب أن يعلن على الساحة الدولية أنه سعى إلى التفاوض، لكن إيران امتنعت عنه.
يهدف ترامب، في ظل تعدد الأزمات العالمية، مثل أزمة أوكرانيا وأزمة الشرق الأوسط، إلى لعب دور أكثر فاعلية في حل هذه القضايا. ورغم محاولاته إدارة الأزمة الأوكرانية، فإنه لم يحقق أي تقدم ملموس حتى الآن. في الوقت نفسه، يُولي ملف الشرق الأوسط، خاصةً قضية إيران ومحور المقاومة، اهتماما خاصا، ساعيا لتقديم نفسه كصانع حلول لهذه المشكلات.
جاءت هذه الرسالة كمحاولة من ترامب لإظهار رغبته في السلام والتفاوض مع إيران، لكنه لم يتخلَّ عن لغة التهديد، حيث أشار صراحة إلى: إما تحقيق السلام وإما اللجوء إلى الخيار العسكري.
يعتمد ترامب، بصفته رجل أعمال بالدرجة الأولى، على نهج اقتصادي أكثر منه دبلوماسيا، ويتجنب التعمق في الاستراتيجيات السياسية والنظرية. عكس معظم الرؤساء الأمريكيين، لا يعتمد بشكل كبير على مستشاريه أو الشخصيات السياسية المؤثرة، بل يتخذ قراراته بناءً على تحليلاته الشخصية.
هذا الأسلوب يجعله يسعى إلى حلول سريعة للمشكلات، بعيدا عن تعقيدات العلاقات الدولية، وهو النهج الذي ميّز فترة ولايته الأولى.
جددت إيران تأكيدها أنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، في حين يواصل دونالد ترامب ادعاء أن “إيران يجب ألا تمتلك سلاحا نوويا”، رغم أن طهران أكدت مرارا أنها ليست في هذا المسار أساسا.
تحولات مفاجئة في نهج ترامب من التهديد إلى التفاوض، فما السبب؟
يشير التحول المفاجئ في نهج دونالد ترامب، من التهديدات العسكرية القاسية والعقوبات المستمرة إلى التفاوض وإرسال رسائل إلى إيران، إلى أسلوبه البراغماتي كرجُل أعمال أكثر من كونه خبيرا في الشؤون الدولية.
يسعى ترامب إلى تحقيق نتائج سريعة وإنجازات كبيرة، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الأهداف قابلة للتحقيق أم لا، وكثيرا ما كانت تصريحاته إثارية ومرتبطة بـمصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والتجارية. على سبيل المثال، سبق أن طرح أفكارا غير تقليدية، مثل اقتراح ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة أو شراء جزيرة جرينلاند. كما أن فرضه تعريفات جمركية مشددة على الواردات من المكسيك وكندا والصين وأوروبا يعكس نهجه الاقتصادي الصارم الذي يهدف إلى تعظيم مصالح أمريكا التجارية.
في ما يخص الشرق الأوسط، كرّر ترامب مرارا، أن أي خطة سلام لا يمكن أن تنجح دون مشاركة إيران فيها، مما يكشف أن إحدى أولويات السياسة الأمريكية هي إعادة ترتيب النظام الأمني الإقليمي وتحديد دور إيران في هذا الإطار. تسعى واشنطن إلى إيجاد حلّ يُخرج إيران من أجواء التأزيم المستمر، ويمهّد لإرساء وضع جديد في المنطقة.
يسعى دونالد ترامب إلى تحقيق نتائج فورية واستعراض نجاحات كبيرة، لذا لم يكتفِ بإرسال رسالة إلى إيران، بل قام أيضا بكشف محتواها قبل أن تصل إلى إيران؛ في محاولة لتسجيل مكاسب سياسية سريعة. وكعادته كرجل أعمال، يعتمد على التحركات المباشرة والمفاوضات السريعة لتحقيق إنجازات ملموسة ومؤثرة، يمكنه استخدامها كأوراق رابحة في سياسته الخارجية.
لكن إيران، نظرا إلى تعقيد علاقاتها مع واشنطن وتجاربها السابقة رفضت ما جاء في هذه الرسالة. ورغم أنها سبق أن تفاوضت مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى، ما أدى إلى التوصل إلى الاتفاق النووي، فإن انسحاب أمريكا الأحادي من الاتفاق وانتهاكها لتعهداتها بشأن رفع العقوبات، جعل العلاقات أكثر توترا وتعقيدا.
إضافة إلى ذلك، إيران لم تضع شروطا مسبقة للتفاوض، لكنها ترفض الشروط التي يحاول ترامب فرضها، معتبرة أنها تعرقل أي حوار جاد. وعلى الرغم من أن إيران تؤمن بالحوار والتفاوض، كما أثبتت في الاتفاق النووي، فإنها تصرّ على أن أي مفاوضات يجب أن تكون شفافة ومتوازنة وخالية من الإملاءات المسبقة.
لماذا سارع دونالد ترامب إلى الإعلان عن رسالته إلى إيران قبل أن تصل إلى المسؤولين الإيرانيين؟ هل يسعى إلى التأثير على الرأي العام العالمي وإظهار إيران كطرف رافض للسلام؟ أم أن هذا التصرف مجرد تمهيد لإجراءات تصعيدية لاحقة، مثل عقوبات جديدة، تحركات عسكرية، أو ضغوط إضافية على الملف النووي؟
إن إفصاح ترامب عن رسالته قبل وصولها ليس مجرد صدفة، بل هو تكتيك سياسي محسوب، يهدف إلى التلاعب بالرأي العام العالمي. فمن خلال الترويج العلني لهذه المبادرة، يسعى ترامب إلى ترسيخ صورة، مفادها أن الولايات المتحدة تسعى للحوار، بينما ترفض إيران التجاوب، وبالتالي تحميل طهران مسؤولية فشل أي جهود دبلوماسية.
في الوقت نفسه، قد يكون هذا النهج أيضا مقدمة لخطوات تصعيدية أكبر، سواء من خلال فرض عقوبات جديدة، أو تصعيد عسكري محتمل، أو زيادة الضغوط على البرنامج النووي الإيراني. بهذه الطريقة، يحاول ترامب تهيئة الأجواء السياسية والدبلوماسية، بحيث يبدو أي تصعيد لاحق مبررا ومقبولا دوليا.
منذ وصوله إلى البيت الأبيض، جعل دونالد ترامب سياسة الضغط الأقصى على إيران أولوية رئيسية، حيث شدد وزير الخزانة الأمريكي مرارا على ضرورة تقليص صادرات النفط الإيرانية. ولم تقتصر هذه الضغوط على المستوى الأمريكي، بل امتدت إلى الساحة الدولية أيضا.
يتميز نهج ترامب في التعامل مع الأزمات العالمية برغبته في تحقيق نتائج سريعة وملموسة بدلا من الانخراط في مفاوضات طويلة ومعقدة. ولهذا السبب، أرسل رسالة إلى إيران؛ في محاولة لتسريع مسار الأحداث. ورغم أن تحركاته قد تحمل في طياتها تهديدات إضافية، فإن اندلاع حرب واسعة في الشرق الأوسط لا يبدو وشيكا.
من جهة، ترامب، بمنهجه الاقتصادي، لا يسعى إلى حرب مفتوحة، ومن جهة أخرى، فإن أي مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط، خصوصا في ظل الأوضاع الحالية، ستكون لها عواقب وخيمة. وقد حذر وزير الخارجية القطري من أن أي صراع في منطقة الخليج سيؤدي إلى تداعيات سلبية خطيرة، ليس فقط على دول الخليج، بل أيضا على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
ورغم أن إيران ستواجه أضرارا جسيمة في حال اندلاع الحرب، فإن مثل هذا النزاع سيزعزع الاستقرار الأمني في المنطقة ويترك آثارا طويلة الأمد على جميع الأطراف. ويبدو أن ترامب يدرك هذه المخاطر، ولهذا يحاول الموازنة بين تقديم نفسه كصانع سلام يسعى لحل الأزمات بسرعة، وتجنب الانزلاق في مواجهة عسكرية شاملة.
ومع ذلك، لم يحقق ترامب نجاحا يُذكر في معالجة الأزمات الدولية، خصوصا في ملف إيران. لذا، يبقى المشهد مفتوحا على جميع الاحتمالات، ويجب انتظار التطورات وردود الفعل القادمة لمعرفة الوجهة التي سيتخذها نهجه السياسي المتقلب.