كتبت – آلاء علي
في الوقت الذي يرتفع فيه منسوب التوتر من توسع الصراع وتحول الحرب في غزة إلى إقليمية، ويُشكك البعض في جدية إيران وقدرتها على توجيه ضربة عسكرية رادعة لإسرائيل رداً على اغتيالها لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أثناء تواجده على أراضيها.
تتوالى الأنباء عن خطوات تكتيكية تتخذها طهران على أرض الواقع تقول من خلالها إن الرد على إسرائيل سيكون قاسياً كما جاء على لسان مسؤوليها.
غالانت يبلغ أوستن بهجوم إيراني قبل الخميس
كشف موقع أكسيوس الإخباري الأحد 11 أغسطس/آب 2024 أن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت تحدث مع نظيره الأميركي لويد أوستين وأبلغه بأن الاستعدادات العسكرية الإيرانية تشير إلى أن طهران تستعد لهجوم واسع النطاق.
كما قال موقع “والا” الإسرائيلي إن غالانت أبلغ أوستن برصد استعدادات عسكرية لإيران مما يعزز تقديرات بنيتها شن هجوم في الأيام المقبلة.
ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن التقديرات تفيد بأن إيران قررت شن هجوم مباشر على إسرائيل، رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية أثناء تواجده في طهران يوم الأربعاء الموافق 31 يوليو/تموز لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
وعلى خلفية ذلك أعربت فرنسا وبريطانيا وألمانيا الإثنين 12 أغسطس/آب 2024 عن قلقها البالغ إزاء التوتر المتزايد في المنطقة، والتزامها المشترك بخفض التصعيد والاستقرار الإقليمي.
جاء ذلك في بيان مشترك وقعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
حيث دعا البيان، “إيران وحلفاءها إلى الامتناع عن الهجمات التي من شأنها أن تزيد من تصعيد التوتر الإقليمي وتعريض فرصة الاتفاق على وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن للخطر”.
وكانت طهران قد أكدت مراراً أنها سترد في الوقت المناسب على اغتيال هنية، مشيرة إلى أن الاغتيال كان انتهاكاً سافراً لسيادتها. كما توعد حزب الله اللبناني بالرد على اغتيال إسرائيل القيادي البارز فؤاد شكر في غارة على ضاحية بيروت الجنوبية.
وبينما تبنت تل أبيب اغتيال شكر، تلتزم الصمت حيال اتهام إيران وحماس لها باغتيال هنية، وإن ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسؤولية بلاده عن قصف مقر إقامته خلال زيارة لطهران.
إيران وساعة الصفر
وقد نقل موقع أكسيوس الإخباري عن مصدرين مطلعين أن التقييم المُحدَّث لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هو أن إيران مستعدة لمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر رداً على اغتيال هنية، وأن من المرجح أن يحدث ذلك في غضون أيام.
وقال المصدران إن التقييم الاستخباراتي الجديد يشير إلى أن الهجوم قد يأتي قبل محادثات وقف إطلاق النار المقرر عقدها الخميس المقبل.
كما نقل أكسيوس عن مصدر مطلع أن تقييم الاستخبارات الإسرائيلية المُحدَّث الذي تم إعداده خلال الساعات الـ24 الأخيرة يمثل تحولاً.
وأضاف الموقع أن الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو رفعا حالة التأهب على ضوء التقديرات بشأن رد إيراني وشيك.
وبحسب المصادر المطلعة التي نقل عنها أكسيوس، فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لا تزال ترجح أن يهاجم حزب الله أولاً ومن ثم إيران.
ورجحت تلك المصادر أن تكون الهجمات التي قد ينفذها حزب الله وإيران أكبر من تلك التي جرت في أبريل/نيسان الماضي.
كما رجّحت أن تشمل هجمات حزب الله وإيران إطلاق صواريخ ومسيرات على أهداف عسكرية وسط إسرائيل وقرب مراكز سكانية مدنية.
كما نقل الموقع الإخباري الأميركي عن مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية قوله إن النقاش في إيران مستمر ومن الممكن أن تتغير عملية صنع القرار الإيراني، إذ إن الحرس الثوري يسعى إلى رد أكثر شدة وأوسع نطاقاً من هجوم أبريل/نيسان، في حين يعتقد الرئيس الإيراني الجديد ومستشاروه أن التصعيد الإقليمي لن يخدم مصالح البلاد.
وكانت شبكة “سي إن إن” ذكرت في وقت سابق أن الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أن حزب الله سيبدأ هجوماً اليوم الاثنين، وبعده بساعات ستشن إيران هجوماً على إسرائيل.
من جهته، كرر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تهديده لإيران وحزب الله بقوله إن أي هجوم على إسرائيل سيقابل برد قوي وبطرق لم تستخدمها إسرائيل من قبل، وفق تعبيره.
حاملة طائرات أمريكية لردع إيران
في غضون ذلك، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في وقت مبكر إن الوزير لويد أوستن أبلغ نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت بأنه أمر بسرعة انتقال مجموعة حاملة الطائرات إبراهام لينكولن إلى المنطقة.
وأضاف البنتاغون أن أوستن أبلغ غالانت أيضاً بإرسال غواصة الصواريخ الموجهة “جورجيا” إلى منطقة القيادة الوسطى.
وكانت واشنطن عزّزت في الآونة الأخيرة قواتها في الشرق الأوسط تحسباً لرد من إيران وحزب الله على عمليتي الاغتيال في طهران وضاحية بيروت الجنوبية.
وتعهدت الولايات المتحدة بأنها ستدافع عن إسرائيل مثلما فعلت في أبريل/نيسان الماضي عندما تعرضت لهجمات من صواريخ ومسيرات إيرانية.
وقد أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، الخميس، 8 أغسطس/ آب 2024، وصول طائرات من طراز “إف ـ 22 رابتور” إلى المنطقة كجزء من تعزيزات أمريكية لمواجهة تهديدات إيران والجماعات المدعومة من قبلها.
وقالت سنتكوم: “وصلت مقاتلات إف-22 رابتور التابعة للقوات الجوية الأمريكية إلى منطقة مسؤوليتنا في 8 أغسطس/ آب الجاري”.
يأتي ذلك فيما ترجح تل أبيب أن “حزب الله” سيسبق إيران في مهاجمة إسرائيل، وأن سيناريو شن “هجوم منسق” هو “الأسوأ”، لكن توقعات حدوثه منخفضة.
وأوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أن “السيناريو الأسوأ بالنسبة للجيش الإسرائيلي هو هجوم منسق وسريع من كل من إيران ولبنان، لكن قادة الدفاع والسياسة يعتبرون أن احتمالية حدوث ذلك منخفضة”. وأضافت: “تشير التقييمات الأخيرة إلى أن حزب الله سيضرب أولاً، بينما تدرس إيران الرد على اغتيال هنية”.
إيران تتسلم صواريخ كروز
وعلى خلفية استعداد إيران للرد على إسرائيل، أعلنت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، الجمعة، 9 أغسطس/آب 2024، تسلّمها عدداً كبيراً من صواريخ كروز المضادة للسفن ذات الرؤوس شديدة الانفجار، والمطوّرة محلياً، مع استمرار التوتر في المنطقة.
وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، تسلّمت القوات المذكورة صواريخ كروز مضادة للسفن بناء على تعليمات القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي.
وأفادت مصادر إيرانية بأن صواريخ كروز المطوّرة محلياً ضد “مدمرات العدو”، تحتوي على رؤوس حربية شديدة الانفجار وغير قابلة للاعتراض.
أبرز ما صرّح به المسؤولون الإيرانيون في الساعات الماضية
شدد نائب قائد حرس الثورة في إيران، العميد علي فدوي قبل أيام، على أنّ “أوامر المرشد الأعلى علي خامنئي، واضحة وصريحة بشكل كبير حول معاقبة الاحتلال والانتقام لدماء الشهيد هنية”.

وأكد فدوي، في تصريحه لوسائل إعلام إيرانية، أنه “سيتم تنفيذ أوامر المرشد الأعلى بأحسن وجه ممكن، وهذه وظيفة إيران الحالية”.
كما اعتبر نائب قائد حرس الثورة، أنّ “اختيار السنوار يعني أنّ خط المقاومة الذي بدأته حماس مستمر حتى النهاية”.
وكان المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، قال” إنّ “كيان الاحتلال الإسرائيلي المجرم الإرهابي أعد لنفسه عقاباً قاسياً، عبر اعتدائه على العاصمة طهران واغتياله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية”.
وشدد خامنئي، على أن “الثأر لدماء هنية من واجب إيران، لأنّه استشهد على أرضنا”؛ مضيفاً، أنّ “اغتيال هنية الذي كان ضيفاً في طهران هو فاتحة لعقوبة شديدة جلبها الأعداء على أنفسهم”.
وفي سياق متصل أكّد قائد قوة القدس، العميد إسماعيل قاآني، عبر رسالة إلى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار أنّ “الثأر لدم القائد الشهيد إسماعيل هنية واجب علينا، وهذا ما شدد عليه قائد الثورة والجمهورية في إيران”.

واضاف العميد قاآني خلال رسالته، أنّ “الجهاد البطولي في المقاومة الإسلامية سيجعل أثر العقوبة على الاحتلال أكثر من الماضي، وسيؤدي إلى زوال هذا الكيان في أسرع وقت”.
واعتبر نائب مسؤول العلاقات العامة في حرس الثورة الاسلامية العميد “علي محمد نائيني” أن اغتيال إسماعيل هنية في طهران يعد انتهاكاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة، مؤكداً على أن الكيان الصهيوني سيتلقى الرد على حماقته في الوقت المناسب.
ورأى نائيني أن اغتيال هنية يعد نموذجًا للحرب المعرفية والسياسية التي تمت بهدف خلق الفتنة وتقليل ردع وإضعاف معنويات جبهة المقاومة الإسلامية، مضيفًا بأن الاحتلال ومع الإدانة العالمية وخاصة الدول الإسلامية فشل في تحقيق أهدافه من هذا الاغتيال.

وبيّن نائب مسؤول العلاقات العامة في الحرس الثوري أن الاحتلال وفي محاولة بائسة منه للتعتيم على هزيمته في مستنقع حربه في غزة يقوم باغتيال قادة المقاومة، مضيفًا بأنه يجب على هذا الكيان الغاصب أن يعد نفسه اليوم لمواجهة الإرادة القوية في العالم الإسلامي.
وتابع بأن العدو الصهيوني قام باغتيال هنية ظنًّا منه بأن ذلك يساعده في ترميم هزائمه المتتالية، إلا أنه يعيش حاليًا خوفًا مرعبًا شمل كافة مناطق تواجده في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويتعرض وجوده للانهيار أكثر من أي وقت مضى بعد اغتيال الشهيد هنية.
ولفت نائيني إلى أن العالم اليوم يشهد تعريفًا أحادي الجانب لحقوق الإنسان نتيجته دعم الصهاينة، مما أظهر إخفاق وعجز المجتمع الدولي ومحافله المطالبة بحقوق الإنسان عن الدفاع عن حقوق الشعوب الحرة بسبب ضغوط الدول المستكبرة.
من جانبه اعتبر رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد باقر قاليباف، أن المجتمع الدولي عاجز عن محاكمة الكيان الصهيوني، مؤكدًا أن دعم الحكومات الغربية، وخاصة أمريكا، يشجع هذه العصابة الإجرامية على مواصلة الإبادة الجماعية للفلسطينيين.

وكتب قاليباف، على شبكة التواصل الاجتماعي X مساء الخميس: “ارتكبت العصابة الإجرامية الحاكمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرة أخرى مجزرة بشعة بحق أكثر من 100 طفل نازح وأبرياء كانوا يحتمون في مدرسة التابعة بغزة وأثبتت مرة أخرى أنها تسعى للسخرية من القيم الإنسانية والإبادة الوحشية للفلسطينيين. نحن ندين بشدة هذه الجريمة.”
وأضاف: “المجتمع الدولي عاجز عن محاكمة الكيان الصهيوني، ودعم الحكومات الغربية، وخاصة أمريكا، يشجع هذه العصابة الإجرامية على مواصلة هذه الإبادة الجماعية.”
وتابع: “الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، ويجب على الحكومات الإسلامية أن توقف آلة القتل الصهيونية، وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات الاستعراضية.”
في الإطار نفسه، شدد وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، علي باقري كني، الإثنين 12 أغسطس/آب 2024، على “حق إيران بالرد” على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.
جاء ذلك في أعقاب اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أشار فيه المسؤول الإيراني إلى أنهما اتفقا “على ضرورة بذل جهد مشترك من قبل المجتمع الدولي لوقف عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة وتحقيق وقف فوري لإطلاق النار في القطاع.”
باقري كني أضاف في رسالة نشرها على حسابه الشخصي، أن إيران أكدت “على حقها القانوني في الرد المناسب والرادع لضمان استقرار وأمن المنطقة”، حسبما نقلت وكالة “إرنا ” الرسمية.
أسباب تأخر الرد الإيراني كما يراها المحللون
تُطرح تساؤلات بشأن تأخر رد إيران وحزب الله على إسرائيل، وتتفاوت آراء محللين وخبراء بشأن هذه المسألة، ومنهم من يرى أن التأخير بسبب الإعداد لهجوم “قوي ومنسق”، فيما يرجح آخرون وجود “مخاوف من رد فعل مضاد”، وسط فرضيات بأن هناك ما يدور خلف الكواليس لتوجيه “ضربات شكلية”.
يرى الخبير الاستراتيجي الإيراني سعيد شاوردي أن “إيران تريد أن تلعب بورقة الوقت وفق ما تراه لصالح مخططاتها ومخططات حلفائها العسكرية، وللتأكد من أن الرد سوف يحقق أهدافه بشكل كامل ودقيق ويؤدي لأضرار جسيمة بإسرائيل”.
وينفي شاوردي، أن يكون “تأخر رد إيران” من باب “التردد” أو التنسيق مع الولايات المتحدة لـ “توجيه ضربة شكلية” لإسرائيل.
ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، أن الرد الإيراني “لم يتأخر” لكن إيران أمام “معضلة” تتعلق بسبل الرد، وتتحسب لـ “الرد المضاد”.
ويشير إلى وجود قواعد عسكرية أمريكية وإسرائيلية في منطقة الخليج وأذربيجان، قادرة على استهداف الأراضي الإيرانية في حال “الرد المضاد”، ما يمثل “معضلة حقيقية” لدى إيران.
وإذا كانت إيران “تتفاخر” بمواجهة إسرائيل عن قرب عبر حزب الله، فإن الجانب الإسرائيلي ومعه الأمريكي قادران على مواجهة طهران بالقرب أيضًا عبر أكثر من 15 قاعدة عسكرية مجهزة بأحدث أنظمة الدفاع الجوي في العالم، بجانب “انتشار الأصول العسكرية للولايات المتحدة بالمنطقة والدفع بالمزيد منها خلال الأيام الماضية”، وفق عيد.