كتب: محمد بركات
تحركات دبلوماسية كثيرة وأجندة دولية مزدحمة، كانت هذه هي السمة الغالبة لملف السياسات الخارجية الإيرانية منذ تولّي مسعود بزشكيان السلطة، خطوات اتخذتها الحكومة الإيرانية لتعميق العلاقات مع دول الجوار، كان آخرها زيارة وفد برلماني إلى الجزائر للتباحث بشأن الأوضاع الإقليمية، زيارة لم تكن هي الأولى بين بلدين جمعتهما علاقات توصف بالجيدة منذ عقود كثيرة.
سافر وفد من لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إلى دولة الجزائر، الأحد 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وقد استقبله فور وصوله محمد رضا بابايي سياهكل، سفير إيران في الجزائر، ومحمد خوان، رئيس لجنة السياسة الخارجية في المجلس الشعبي الوطني الجزائري، وموسى حرفي، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين الجزائر وإيران، وذلك وفق ما أفادت به وكالة أنباء تسنيم، الأحد 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وقد ضم الوفد البرلماني الإيراني أعضاء بارزين من لجنة الأمن القومي، على رأسهم إبراهيم عزيزي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، وبهنام سعيدي، ومحمد رضا محسني ثاني، أعضاء اللجنة. وقد صرح عزيزي فور وصوله بأن تلك الزيارة تأتي بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، لا سيما في المجالات السياسية والبرلمانية.
وخلال فعاليات اليوم الثاني من الزيارة، فقد التقى الوفد البرلماني الإيراني برئيس البرلمان الجزائري إبراهيم بوغالي. وخلال اللقاء أعرب عزیزی عن امتنانه لحفاوة استقبال رئيس مجلس الأمة الجزائري، وهنّأ الجزائر بمناسبة الذكرى السبعين لانتصار ثورتها، مشيراً إلى أن هذا الحدث التاريخي يتزامن مع الذكرى الستين للعلاقات بين إيران والجزائر، وهو تقارب يحمل رمزية ودلالات كبيرة، وفق ما نقلت وكالة انباء ايسنا في تقريرها، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وتحدث عزیزي عن التاريخ الطويل لنضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار، مؤكداً أن الإيرانيين يثمّنون هذا الصمود ويعتبرونه مصدر فخر وقوة للجزائر. كما أشار إلى أن الثورة الإسلامية في إيران قامت على نفس الروح المناهضة للاستعمار، مضيفاً أن الجزائر دفعت ثمناً باهظاً من خلال فقدان 1.5 مليون شهيد خلال مسيرتها نحو الاستقلال، وهو ما يشترك فيه الشعب الإيراني الذي قدم العديد من الشهداء لنيل استقلاله.
وفي إطار التعاون البرلماني بين البلدين، فقد أكد عزيزي ضرورة أن تتخذ البرلمانات الإسلامية، وخاصة الجزائر، تدابير ملموسة ضد الجرائم الصهيونية في فلسطين وغزة. وفي هذا السياق، ذكر أن “طوفان الأقصى” قد أظهر أن النظام الصهيوني ليس كما يصورونه من القوة، وأن الدول الإسلامية يجب أن تحمي المدنيين في لبنان وفلسطين وغزة، كذلك فقد دعا الجزائر للمشاركة في الجلسة المقبلة لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكداً أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أية أسلحة نووية، ولكن في حال استمرار العقوبات الظالمة، قد تضطر إيران إلى اتخاذ خطوات أخرى.
وخلال اللقاء أوضح عزيزي أن هناك آلاف الشركات الإيرانية الناشئة في مجالات الطب، والتكنولوجيا، والصناعة يمكنها المساهمة في تعزيز التعاون الثنائي، كما استعرض عزيزي الأوضاع في غرب آسيا، مشيراً إلى الأزمة الراهنة ودور التعاون بين إيران والجزائر في معالجة هذه القضايا، وفي نهاية كلمته، قام عزيزي بدعوة نظيره الجزائري للمشاركة في اجتماع مشترك للدول الإسلامية في طهران، معبراً عن أمله في موقف جزائري داعم لإيران في المحافل الدولية، خاصة فيما يتعلق بقضية العقوبات والضغوط المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.
من جانبه، أكد إبراهيم بوغالي، رئيس البرلمان الجزائري، أهمية العلاقات التاريخية بين الجزائر وإيران وتطابق مواقف البلدين تجاه القضايا الإقليمية، معرباً عن شكره لجمهورية إيران على التعاون القائم بين البلدين.
وخلال حديثه، أشار بوغالي إلى المستويات المتقدمة للتعاون الثنائي في المجال السياسي، مشدداً على الحاجة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية لترتقي إلى مستوى التعاون السياسي. وأوضح أن الجزائر عملت على توفير بيئة ملائمة للاستثمار من خلال سن قانون التجارة الذي يُمهِّد لتوسيع الشراكات الاقتصادية بين البلدين.
وفي حديثه عن زيارته السابقة إلى إيران ومدينة أصفهان، نوّه بوغالي بوجود 9 آلاف شركة خاصة تعمل في مجالات التكنولوجيا والمعرفة، مما يُتيح فرصاً كثيرة للتعاون ومواجهة التحديات التي يفرضها احتكار بعض الدول للتكنولوجيا والمعرفة، كما شدد على سياسة الجزائر الخارجية الثابتة في دعم الحكومات العادلة حول العالم، مؤكداً التزام بلاده بدعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. وأوضح أن الجزائر تعارض تدخل القوى الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول، مشيراً إلى أن مثل هذه التدخلات تؤدي إلى تدهور الأوضاع في تلك الدول. واختتم بوغالي بتطلعه إلى تعزيز التعاون البرلماني والاقتصادي بين الجزائر وإيران، بما يحقق مصالح البلدين ويعزز شراكتهما في المستقبل.
العلاقات الجزائرية – الإيرانية
اتسمت العلاقات بين الجزائر وإيران بالهدوء النسبي مقارنة بعلاقات الأخيرة مع باقي الدول العربية، فكلا الدولتين تصف نفسها بأنها دولة ثورية، حيث نالت الجزائر استقلالها في عام 1962 بعد ثورات متعاقبة على ضد الاحتلال الفرنسي، وتأسس نظام الجمهورية الإسلامية بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وحتى قبل الثورة، كانت العلاقات بين البلدين جيدة إلى حد كبير، فبعد استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962 ميلادي، اعترفت إيران باستقلال الجزائر وأرسلت سفيرها إلى الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول 1964. بالمقابل، أوفدت الجزائر سفيرها المعتمد إلى طهران في عام 1966 ميلادي، وفق ما جاء في تقرير وكالة إيرنا الإخبارية بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وفي العام 1975، كانت الجزائر وسيطاً ومضيفاً لتوقيع اتفاقية الجزائر الشهيرة بين إيران ونائب رئيس الجمهورية العراقي آنذاك، والتي أسهمت جزئياً في حل النزاعات الحدودية بين البلدين.
وبعد قيام الثورة في إيران، لم تتأثر العلاقات مع الجزائر سلباً، حيث أيَّد الجزائريون الثورة الإيرانية، فقد كان خروج إيران من محور الدول الغربية عاملاً إيجابياً في تقوية علاقتها مع دول حركة عدم الانحياز، بما فيها الجزائر. وقد شهدت تلك الفترة تقارباً في وجهات النظر حول القضايا العالمية، لا سيما القضايا الإسلامية مثل القضية الفلسطينية. كما لعبت الجزائر دوراً بارزاً كوسيط في أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، حيث أدى تدخلها إلى صدور بيان الجزائر في 19 يناير/كانون الثاني 1981؛ مما عزز العلاقات الثنائية، كذلك فقد ظلت العلاقات بين البلدين قوية حتى أواخر عقد الثمانينيات، حيث كانت الجزائر تمثل مصالح إيران في واشنطن بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة.
وشهدت العلاقات بين البلدين تطورات إيجابية مع بداية الألفية الجديدة، فقد اجتمع رئيسا البلدين خلال قمة الألفية للأمم المتحدة عام 2000، وأسفر هذا الاجتماع عن استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى عالٍ. ومنذ ذلك الوقت، تم تبادل زيارات رسمية على مستويات متعددة.
تعززت العلاقات بشكل ملحوظ خلال فترة رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، حيث زار مسؤولون إيرانيون الجزائر بشكل متكرر، ومن بينهم محمد جواد ظريف في 2016، كما انعقدت اجتماعات اللجنة المشتركة لتعزيز التعاون الثنائي.
العلاقات الاقتصادية
رغم أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تصل إلى مستوى العلاقات السياسية، فإن هناك عدة خطوات اتخذها البلدان لتطوير ذلك، ففي العام 2006 أقامت إيران أول معرض تجاري وصناعي لها في الجزائر، كما تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم، أبرزها في مجالات صناعة السيارات والبتروكيماويات، كما زار إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني، الجزائر عام 2016، وقد أعطت زيارته دفعة جديدة للعلاقات الاقتصادية، حيث تم توقيع 19 مذكرة تفاهم، حسب ما جاء في تقرير موقع دبلوماسي إيراني، بتاريخ 2 مارس/آذار 2024.
كذلك فقد سافر الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، إلى الجزائر في 2 من مارس/آذار 2024 لحضور اجتماع الدول المصدرة للغاز، وفي اليوم التالي التقى بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وعُقدت جلسة مشتركة للوفود الرسمية، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون.
المواقف المشتركة إزاء القضايا الإقليمية ودعم الجزائر للمشروع النووي الإيراني
تتفق إيران والجزائر في العديد من القضايا الإقليمية والعالمية، مثل القضية الفلسطينية والأزمة السورية، كما رفضت الجزائر منح المعارضة السورية مقعد سوريا في الجامعة العربية، وعارضت اعتبار حزب الله اللبناني كياناً إرهابياً، واتخذت موقفاً مماثلاً تجاه حماس. بالإضافة إلى ذلك، ترفض الجزائر الحلول العسكرية في اليمن، داعية جميع الأطراف إلى الحوار، وفق تقرير وكالة ايسنا الإخبارية، بتاريخ 3 مارس/آذار 2024.
وفي العام 2015 أعربت الجزائر عن دعمها لحق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ووصفت الاتفاق النووي بالإنجاز التاريخي الذي يسهم في تعزيز السلام.