كتب: محمد بركات
مع تصاعد الأزمات في أفغانستان، تزايدت موجات الهجرة نحو إيران، مما فرض تحديات جديدة على الدولة من حيث الأمن، والاقتصاد، والبنية الاجتماعية. ورغم استضافة إيران الملايين من اللاجئين الأفغان لعقود، فإن الضغوط المتزايدة دفعتها إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية للحد من تداعيات الهجرة غير الشرعية. وفي ظل هذه التحديات، يتطلب الوضع حلولا متوازنة تضمن المصالح الوطنية الإيرانية، مع مراعاة البعد الإنساني.
فخلال اجتماع مجلس الأمن حول أفغانستان والذي عقد الثلاثاء 11 مارس/آذار 2025، أكد السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، أن سياسة إيران تجاه اللاجئين الأفغان لم تتغير، حيث استقبلت الملايين منهم لأكثر من أربعة عقود، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2021، كما شدد على أن اللاجئين القانونيين لا يواجهون قيودا، فيما يتم ترحيل الداخلين غير الشرعيين بسبب مخاوف أمنية.
وأشار إيرواني إلى تدهور الوضع الإنساني في أفغانستان، حيث يحتاج أكثر من 22.9 مليون شخص إلى مساعدات فورية، مطالبا الدول المانحة بالالتزام بدعم هذه الجهود. كما دعا إلى الإفراج الفوري عن الأصول المالية الأفغانية المجمدة لتسهيل الاستقرار الاقتصادي.
كما أعرب السفير الإيراني عن قلق بلاده بشأن التهديدات الإرهابية، لا سيما من تنظيم داعش خراسان، مؤكدا ضرورة التزام السلطات الأفغانية بمكافحة الإرهاب ومنع تحول البلاد إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية. كما انتقد القيود المفروضة على النساء والفتيات الأفغانيات، معتبرا أنها تتعارض مع القيم الإسلامية والثقافية.
وأكد خلال حديثه التزام إيران بالمساعدة في استقرار أفغانستان من خلال التعاون الثنائي والإقليمي، مشيرا إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لكابول في يناير/كانون الثاني 2025؛ لمناقشة قضايا اقتصادية وأمنية، كما شدد على أهمية تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان لضمان الاستقرار، مشيدا بدور بعثة الأمم المتحدة هناك، وداعيا المجتمع الدولي إلى دعمها وتقديم مساعدات حقيقية للحد من معاناة الأفغان.
الهجرة الأفغانية لإيران.. أزمات مستمرة
شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة، موجة هجرة غير مسبوقة من المواطنين الأفغان، خصوصا بعد تولي حركة طالبان الحكم في أفغانستان في العالم 2021، وقد أدى هذا التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين إلى تداعيات خطيرة على مختلف الأصعدة في إيران، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية.
فقد أدى تدفق أعداد كبيرة من العمالة الأفغانية غير النظامية إلى خلق تحديات اقتصادية معقدة في إيران، خصوصا في سوق العمل، فالمهاجرون غير الشرعيين ينافسون العمال الإيرانيين في الوظائف، مما يؤثر سلبا على فرص العمل المتاحة للمواطنين. ففي حين أن الدول المتقدمة مثل كندا تعتمد على خطط مدروسة لتحديد الوظائف المطلوبة وتقوم باستقدام المهاجرين وفق احتياجات سوق العمل، فإن الهجرة العشوائية إلى إيران تسببت في اختلالات اقتصادية كبيرة.
علاوة على ذلك، فإن بعض أصحاب الأعمال الإيرانيين يفضلون تشغيل العمالة الأفغانية غير النظامية بسبب انخفاض تكاليف تشغيلهم، حيث لا يُلزمون بدفع التأمينات الاجتماعية أو الامتيازات القانونية التي يحصل عليها العمال الإيرانيون، مما زاد من معدلات البطالة بين الإيرانيين، خصوصا في القطاعات التي كانت تعتمد تقليديا على العمالة المحلية.
كما أن وجود هذا العدد الكبير من المهاجرين غير النظاميين أدى إلى استهلاك غير عادل للموارد المدعومة من الدولة، مثل الخبز والطاقة والخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما يزيد من الأعباء المالية على الحكومة الإيرانية. فعلى سبيل المثال، فوفقا لبعض التقديرات، فإن تكلفة تعليم الطلاب الأفغان في إيران تبلغ نحو 300 ألف مليار ريال سنويا، ما يعادل 320 مليون و684 ألف دولار، وهو مبلغ يمكن استثماره في تحسين الخدمات العامة للمواطنين الإيرانيين.
التأثيرات الاجتماعية والديمغرافية
كذلك، فلم تقتصر تداعيات الهجرة غير الشرعية على الاقتصاد فقط، بل امتدت إلى البنية الاجتماعية والتركيبة السكانية للعديد من المدن الإيرانية، حيث شهدت بعض المناطق في إيران تغيرا ملحوظا في النسيج السكاني، فباتت مناطق بأكملها ذات كثافة سكانية أفغانية، ما أدى إلى تغييرات اجتماعية وديموغرافية غير مسبوقة.
فمن أبرز المشاكل التي نتجت عن هذا الوضع، الزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات ونقص المساكن في العديد من المدن الإيرانية، حيث إن العائلات الأفغانية المهاجرة غالبا ما تعيش في مجموعات كبيرة داخل منازل مشتركة، ما تسبب في ارتفاع الطلب على العقارات السكنية ورفع الأسعار بشكل غير مسبوق.
علاوة على ذلك، فإن تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين ارتبط بارتفاع معدلات الجريمة، حيث أشارت تقارير أمنية إلى تورط بعض الأفغان في جرائم مثل السرقة والاعتداءات العنيفة، وهو ما أثار قلقا متزايدا بين المواطنين الإيرانيين. كما أن الوجود الكبير للأفغان في بعض المناطق أدى إلى ضغط متزايد على الخدمات العامة، مثل المستشفيات والمدارس، مما أدى إلى تراجع جودة هذه الخدمات بالنسبة للإيرانيين.
أزمة الطاقة والإعانات الحكومية
أيضا، فإن أحد أبرز التداعيات الاقتصادية للهجرة غير الشرعية إلى إيران هو الضغط المتزايد على موارد الطاقة المدعومة من الدولة. فزيادة أعداد المهاجرين أدت إلى ارتفاع استهلاك الكهرباء والمياه والوقود المدعوم، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن اللاجئين الأفغان يستهلكون مليارات الدولارات سنويا من الإعانات الحكومية التي كان من المفترض أن يستفيد منها المواطنون الإيرانيون.
وفي هذا الإطار، فقد أشار بعض المسؤولين إلى أن الدعم الحكومي للخبز وحده يُكلّف الدولة الإيرانية أكثر من 800 ألف مليار ريال سنويا، ما يعادل 855 مليون دولار، وهو مبلغ كان يمكن استثماره في مشاريع تنموية وعمرانية داخل البلاد.
دعوات لضبط الهجرة غير الشرعية
في ظل تلك التداعيات المتزايدة للهجرة غير الشرعية، تحاول إيران اتخاذ التدابير للوقوف أمام تلك الظاهرة، كان أحدها إجراءات الترحيل والتقنين، حيث شهدت السنوات الأخيرة، عمليات ترحيل مكثفة للمواطنين الأفغان، فبحسب إدارة الهجرة التابعة لطالبان، رحّلت إيران عددا أكبر من الأفغان بنسبة 50% في عام 2023، مقارنة بعام 2022.
كذلك تفرض إيران تقييدا في الحقوق والخدمات على المهاجرين غير الشرعيين، فمنذ منتصف التسعينيات، فرضت إيران قيودا على حقوق المهاجرين الأفغان، حيث حُظر عليهم الإقامة في بعض المدن وتولّي وظائف محددة. كما واجه الأطفال الأفغان تحديات في الحصول على التعليم، بسبب الرسوم المدرسية وعدم تجديد تصاريح الإقامة، مما أدى إلى حرمان العديد منهم من التعليم.
وبهذا الشأن، فقد أعلنت الحكومة الإيرانية الثلاثاء 11 مارس/آذار، أنها ستوقف تقديم الخدمات الطبية والتعليمية إلى المهاجرين غير الشرعيين.
كذلك، فقد تم إطلاق حملات توعية وتسجيل للأفغان في إيران، حيث سعت السلطات الإيرانية إلى تنظيم أوضاع المهاجرين من خلال حملات توعية وتسجيل، بهدف تقليل الهجرة غير الشرعية وتعزيز الرقابة على الحدود، وركّزت هذه الحملات على توعية المهاجرين بحقوقهم وواجباتهم، وتسهيل عملية تسجيلهم للحصول على تصاريح إقامة قانونية.
كما تعاونت إيران مع المنظمات الدولية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لتقديم الدعم الإنساني للمهاجرين الأفغان. شمل ذلك توفير المساعدات الغذائية والصحية والتعليمية، إضافة إلى دعم برامج العودة الطوعية إلى أفغانستان.