ترجمة: شروق السيد
يكشف معدل المشاركة الاقتصادية في إيران عن تحديات عميقة، من أزمات سوق العمل إلى عوائق اجتماعية تُعرقل استغلال رأس المال البشري.
وفي هذا الصدد كتب الموقع الإيراني “جهان صنعت نیوز ” يوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني 2025، أن معدل المشاركة في القوى العاملة هو أحد المؤشرات الرئيسية لتقييم ديناميكية الاقتصاد والاستفادة من رأس المال البشري، وتكمن أهمية هذا المؤشر في كونه لا يقتصر فقط على تحديد مستوى استخدام قدرات القوى العاملة، بل يقدم صورة دقيقة عن الظروف الاقتصادية وحتى العدالة الاجتماعية في المجتمع.
وتابع: “إن ارتفاع معدل المشاركة يعني الاستخدام الأمثل لرأس المال البشري، حيث يمكن للقوى العاملة النشطة أن تكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، ويساهم اتساع نطاق مشاركة القوى العاملة في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين مستوى الرعاية الاجتماعية، وتقليل الفقر”.
وعلى العكس، فإن انخفاض معدل المشاركة يدل على عجز الاقتصاد عن استغلال القوى العاملة المتاحة، وقد يعني إهدار فرص تنموية، كما يُعتبر هذا المؤشر معيارا مهما لتقييم العدالة الاجتماعية، حيث تعكس المشاركة المتوازنة بين مختلف الفئات السكانية، وضمن ذلك النساء والشباب وكبار السن، مبدأ تكافؤ الفرص في سوق العمل، وقد يشير انخفاض معدل مشاركة النساء أو الشباب إلى وجود عوائق ثقافية أو اجتماعية أو هيكلية تحد من الوصول المتساوي إلى فرص العمل.
وأضاف الموقع في تقريره: من منظور الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فإن لمعدل المشاركة أهمية خاصة، إذ يمكن أن يكون انخفاض المشاركة نتيجة مشكلات هيكلية في الاقتصاد، مثل ارتفاع البطالة، ونقص فرص العمل المستقرة، أو انتشار الاقتصاد غير الرسمي، وتؤدي هذه التحديات، إلى جانب تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي، إلى زيادة الاستياء الاجتماعي وربما الأزمات الاقتصادية.
لذلك، فإن معدل المشاركة الاقتصادية ليس مجرد معيار لتقييم ديناميكية سوق العمل، بل يعكس قدرة الدولة على استغلال رأس مالها البشري وتحقيق العدالة الاجتماعية، وفي إيران، حيث يبلغ معدل المشاركة 40%، هناك فجوة ملحوظة مقارنة بالدول المتقدمة وحتى جيرانها.
وتابع الموقع معلقا: تعكس هذه الأزمة الخفية، إلى جانب معدل المشاركة المتدني للنساء (14.5%) وتحديات سوق العمل للرجال، مشكلات هيكلية وثقافية واقتصادية تحد من الإمكانات الكامنة للقوى العاملة في البلاد، بينما عملت دول المنطقة على تحسين هذا المؤشر من خلال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، لا تزال إيران تواجه عقبات مثل بطالة الشباب، وانتشار الاقتصاد غير الرسمي، وغياب السياسات الداعمة للمرأة.
معدل المشاركة
وأردف الموقع: يشير معدل المشاركة إلى الأفراد الذين يشاركون في سوق العمل سواء كعاملين أو كباحثين عن عمل، ويمكن أن يكون هذا المؤشر دليلا على قدرة سوق العمل على استغلال الإمكانات المتاحة من رأس المال البشري، ففي إيران، يبلغ معدل المشاركة نحو 40%، مما يضعها بفارق كبيرٍ مقارنة بالدول المتقدمة، على سبيل المثال، وفقا لإحصائيات البنك الدولي لعام 2023، بلغ معدل المشاركة في القوى العاملة في كل من فرنسا وألمانيا وكندا 56.3%، 61.5%، و65.5% على التوالي.
وأضاف الموقع في تقريره: اللافت للنظر أن معدل المشاركة الاقتصادية في إيران منخفض حتى بالمقارنة مع دول المنطقة والدول النامية، ووفقا لبيانات البنك الدولي، بلغ معدل المشاركة الاقتصادية في الإمارات العربية المتحدة عام 2023 نحو 78.5%، ما يشير إلى فارق يزيد على 30 نقطة مئوية مقارنة بإيران.
وتُظهر بيانات الدول الأخرى في المنطقة أن إيران تعاني من وضع غير ملائم من حيث المشاركة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، بلغ معدل المشاركة في تركيا 53.3% وفي السعودية 66.6%، مما يعكس تفوقا كبيرا مقارنة بإيران.
النساء الإيرانيات
وتابع الموقع: أحد أهم المؤشرات لتقييم وضع سوق العمل هو معدل مشاركة النساء، الذي يعكس نسبة النساء المشاركات في الأنشطة الاقتصادية، بإيران، يبلغ معدل مشاركة النساء 14.5% فقط، وهو معدل منخفض بشكل مثير للقلق مقارنة بالدول الأخرى التي شملتها الدراسة، يعكس هذا المعدل الوضع المقلق الذي تواجهه النساء اقتصاديا في إيران، ويرتبط انخفاض معدل مشاركة النساء في إيران بشكل أساسي بعوائق اجتماعية وثقافية وقانونية.
فعلى سبيل المثال، تواجه العديد من النساء الإيرانيات صعوبات كبيرة في العثور على وظائف مناسبة، كما تؤثر القوانين الخاصة التي تنظم الأنشطة الاقتصادية للنساء، مثل القيود المفروضة على العمل في بعض الصناعات، وعدم المساواة القانونية، وغياب الدعم الاجتماعي للنساء العاملات، على مشاركتهن في سوق العمل، إضافة إلى ذلك، تعتبر المخاوف الاجتماعية والثقافية بشأن وجود النساء في بعض بيئات العمل من العوامل التي تعيق مشاركتهن.
وأضاف التقرير: في المقابل، نجد أن معدل مشاركة النساء في دول أخرى مثل كندا (61.6%)، وألمانيا (56.4%)، وفرنسا (52.8%)، والإمارات (54.5%)، والسعودية (34.6%)، وتركيا (35.8%) أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بإيران، وقد تبنت هذه الدول خلال السنوات الأخيرة سياسات داعمة لتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل، مثل توفير فرص عمل متكافئة، وإقرار إجازات أمومة طويلة الأجل، وتوفير مرافق لرعاية الأطفال، وخلق ظروف عمل مرنة.
أما في إيران، فلا تزال العوائق الثقافية والاجتماعية تمثل تحديات كبيرة تحول دون تعزيز دور النساء في السوق الاقتصادية.
الضحايا القادمون
وذكر الموقع في تقريره: يشير معدل مشاركة الرجال إلى النسبة المئوية للرجال المشاركين في سوق العمل، وعادة ما يكون معدل مشاركة الرجال أعلى بكثير من النساء، نظرا إلى قلة العوائق الاجتماعية والثقافية التي يواجهها الرجال.
في إيران، ووفقا للإحصاءات المنشورة لخريف عام 2023، بلغ معدل مشاركة الرجال 68%، وهو أعلى بكثير من معدل مشاركة النساء، لكنه لا يزال أقل من العديد من الدول الأخرى.
فعلى الرغم من أن هذا المعدل أعلى قليلا من الدول المتقدمة مثل ألمانيا (66.7%) وفرنسا (60.1%)، فإنه أقل بكثير من دول الخليج مثل السعودية (83.6%)، والإمارات (90.8%)، وتركيا (71.2%).
وأضاف: تُعزى هذه الفوارق إلى عوامل اقتصادية، وتوافر فرص عمل أوسع، والسياسات الداعمة في الدول الأخرى، في إيران، وعلى الرغم من أن معدل مشاركة الرجال مرتفع نسبيا، فإن مشاكل مثل البطالة، ونقص فرص العمل المناسبة للشباب، والتحديات الاقتصادية تعيق توفير فرص عمل كافية، خاصة للرجال الحاصلين على تعليم عالٍ.
أما في دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، فقد حققت معدلات مشاركة الرجال أداء أفضل بكثير، يعود ذلك إلى النمو الاقتصادي السريع، وتوافر فرص عمل متنوعة، وسياسات داعمة قوية ساهمت في جذب الرجال إلى سوق العمل بشكل كبير، بالمقارنة، لا تزال إيران تواجه تحديات جدية في خلق فرص عمل كافية للرجال.
أسباب انخفاض معدل المشاركة
بحسب تقرير الموقع، يمكن إرجاع انخفاض معدل المشاركة في سوق العمل الإيراني إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
انخفاض معدل مشاركة النساء
حيث يُعد انخفاض مشاركة النساء في سوق العمل أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض معدل المشاركة في إيران، تواجه النساء في إيران العديد من العقبات والتحديات التي تمنعهن من دخول سوق العمل، ومن أبرز هذه العقبات الأدوار التقليدية للجنسين التي تعرّف النساء على أنهن المسؤولات عن شؤون المنزل ورعاية الأطفال، تؤدي هذه الأدوار إلى تقليل الفرص المتاحة لهن للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية.
سوق العمل
وأضاف: أحد الأسباب الرئيسية الأخرى لانخفاض معدل المشاركة في إيران هو الوضع غير المستقر لسوق العمل، ففي إيران، يؤدي ارتفاع معدل البطالة ونقص الفرص الوظيفية المناسبة إلى تقليل فرص العديد من الأفراد، حتى أولئك الذين يمتلكون المهارات والكفاءات اللازمة، في العثور على وظائف مناسبة.
وتسببت المشاكل الاقتصادية الداخلية، وغياب التنوع في القطاعات الصناعية، والاعتماد الكبير على قطاع النفط والغاز، في عجز الاقتصاد الإيراني عن توفير فرص عمل كافية لجميع الفئات العمرية، خاصة الشباب وخريجي الجامعات.
الحد الأدنى للأجور
وتابع الموقع: يُعتبر عدم توافق الحد الأدنى للأجور مع تكاليف المعيشة أحد العوامل المهمة التي تؤدي إلى انخفاض معدل المشاركة الاقتصادية، فعندما يكون الحد الأدنى للأجور، الذي تحدده الحكومة أو أصحاب العمل، غير قادر على تغطية الاحتياجات الأساسية، خاصة في ظل ظروف التضخم، فإن دافع الدخول إلى سوق العمل يتضاءل.
وتؤثر هذه المشكلة بشكل خاص على الفئات ذات الدخل المنخفض والنساء، اللواتي يعملن غالبا في وظائف ذات أجور منخفضة، يفضل البعض الاعتماد على مصادر دخل أخرى، مثل الدعم العائلي أو العمل في الاقتصاد غير الرسمي، بدلا من قبول وظائف ذات أجور غير كافية وظروف عمل سيئة.
عدم الاستقرار السياسي
وأضاف الموقع: يؤثر عدم الاستقرار السياسي بشكل عميق على معدل المشاركة الاقتصادية، حيث يُعد الاستقرار السياسي أحد الشروط الأساسية لخلق فرص عمل مستدامة وتحفيز المشاركة في سوق العمل، بينما في ظل تصاعد حالة عدم اليقين السياسي، تتأخر الاستثمارات وفرص العمل الجديدة أو تختفي تماما.
وتؤثر هذه الحالة بشكل خاص على الشباب والفئات الأكثر ضعفا، حيث تقلص آمالهم في العثور على وظائف مناسبة، كما يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى توسع الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، إذ يتجه الأفراد إلى الوظائف غير الرسمية وغير المستقرة لتقليل المخاطر التي يواجهونها.
القوى العاملة
وتابع الموقع: يمكن أن يؤدي ارتفاع عوائد الأسواق المالية وتوسع الاستثمارات المضاربية في ظل التضخم إلى انخفاض معدل المشاركة الاقتصادية، ففي الأوضاع التضخمية، تُشجع الأرباح المرتفعة في الأسواق المالية مثل الأسهم، والعملات، والذهب، والعقارات الأفراد على التوجه نحو الأنشطة المضاربية، حيث توفر هذه الأسواق عوائد أسرع وأعلى مقارنة بالعمل في السوق الرسمية.
الاقتصاد غير الرسمي
وواصل الموقع: يُعد وجود الوظائف الخفية والاقتصاد غير الرسمي أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض معدل المشاركة في سوق العمل الإيراني، ففي العديد من المناطق، تعتمد نسبة كبيرة من العمالة على وظائف غير رسمية لا تُدرج في الإحصاءات الرسمية.
عادة ما تكون هذه الوظائف مؤقتة، دون عقود رسمية، وبأجور غير مسجلة، ويتركز معظم هذا النوع من العمل في قطاعات الخدمات، الزراعة، والصناعات التحويلية، وغالبا ما يكون العاملون في هذه القطاعات محرومين من أي دعم اجتماعي، تأمين، أو حقوق قانونية، مما يجعلهم يفضلون البقاء في هذا النوع من العمل، بسبب ندرة الوظائف الرسمية والمستقرة المتاحة لهم.