كتب: ربيع السعدني
عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة الأربعاء 12 مارس/ آذار 2025 لمناقشة زيادة مخزونات إيران من اليورانيوم عالي التخصيب إلى مستويات قريبة من الدرجة العسكرية، بناءً على طلب ست دول من أصل 15 عضوًا في المجلس، وهي الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، واليونان، وبنما، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
كما طلبت هذه الدول من إيران تقديم معلومات للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول المواد النووية غير المعلنة التي تم اكتشافها في عدة مواقع مختلفة في إيران، ولم تستجب بعثة طهران لدى الأمم المتحدة في نيويورك فورًا لطلب التعليق على الاجتماع المُخطط له، وتؤكد الدول الغربية عدم وجود حاجة لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي في أي برنامج مدني، وأنه لم يسبق لأي دولة أخرى أن فعلت ذلك دون إنتاج قنابل نووية.
هل تفرض عقوبات أممية على إيران؟
كما حذرت بريطانيا من أنها ستثير قضية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران إذا لزم الأمر لمنعها من الحصول على سلاح نووي، في الوقت الذي اجتمع فيه مجلس الأمن لمناقشة التوسع الإيراني في مخزونها من اليورانيوم الذي يقترب من الدرجة اللازمة لإنتاج أسلحة، بحسب رويترز وفي وقت سابق، أبلغت دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، مجلس الأمن بأنها مستعدة، عند الضرورة، لإعادة فرض عقوبات دولية على إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي، وقالت البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في بيان بعد اجتماع المجلس إن إيران هي “الدولة الوحيدة في العالم التي لا تملك أسلحة نووية وتنتج يورانيوم عالي التخصيب ليس له غرض سلمي يمكن التحقق منه”.
بينما تؤكد طهران أن برنامجها النووي سلمي، ولطالما نفت سعيها للحصول على سلاح نووي، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذرت من أن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم بسرعة كبيرة إلى درجة نقاء تصل إلى 60% وهو مستوى قريب جدًا من 90% الذي يُعد ضروريًا لصنع سلاح نووي، ويعتقد الغرب أن أي برنامج غير عسكري لا يحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بهذا المستوى العالي، حيث لم يسبق لأي دولة أن قامت بهذا دون أن تصنع قنبلة نووية.
وبعد قرار إدارة ترامب الأولى بالانسحاب من الاتفاق النووي في عام 2018، ابتعدت إيران عن التزاماتها في الاتفاق رغم الانتقادات الدولية الواسعة، وقد وجّه ترامب مبعوثه لدى الأمم المتحدة للعمل مع حلفائه لإعادة فرض العقوبات والقيود الدولية على إيران.
هل يتم تفعيل “آلية الزناد”؟
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وافق مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بناءً على اقتراح من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، على قرار ضد البرنامج النووي الإيراني، مشددًا على ضرورة تعاون طهران الفوري مع الوكالة، كما أخبرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا مجلس الأمن أنه إذا لزم الأمر، فهي مستعدة لتفعيل آلية الزناد لإعادة فرض جميع العقوبات الدولية ضد إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي، وقد تمتد هذه الفترة حتى 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025 حيث سينتهي قرار الأمم المتحدة رقم 2231 بشأن الاتفاق النووي بعد هذه الفترة.
وفي هذا الصدد، يكتسب عامل الوقت أهمية مضاعفة، إذ إن مدة سريان التزامات إيران وفق الاتفاق النووي، بموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 20 يوليو/ تموز 2015، باتت تقترب من نهايتها، ولم يتبقَّ أمام الدول الموقعة على الاتفاق سوى أشهر قليلة حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2025 لتفعيل “سناب باك” أو “آلية الزناد” أي إعادة فرض العقوبات الدولية الملغاة على طهران، وفي هذه الحالة لا يمكن للدول التي تتمتع بحق النقض منع تطبيق “آلية الزناد”.
سياسة الضغط القصوى
ومن جهة أخرى، أصدر دونالد ترامب في فبراير/ شباط 2025 مرسومًا تنفيذيًا لاستئناف سياسة “الضغط القصوى”، وطلب من ممثله في الأمم المتحدة العمل مع حلفاء أمريكا لإعادة فرض العقوبات الدولية ضد إيران.
كما انتقدت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع مجلس الأمن، إجراءات روسيا في إشراك دول مثل إيران وكوريا الشمالية في “حربها الاستعمارية” في أوكرانيا، واستخدام موسكو للمساعدات العسكرية من طهران وبيونغ يانغ في هذه الحرب، وقالت كالاس: “الدعم العسكري الإيراني لروسيا، بما في ذلك تسليم الصواريخ الباليستية، يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الدولي”.
دعم غير محدود لموسكو
وقد أدانت الدول الغربية مرارًا المساعدات ذات الاستخدام المزدوج التي قدمتها الصين إلى روسيا، وكذلك المساعدات العسكرية التي قدمتها إيران وكوريا الشمالية لهذه الدولة، وفرضت في هذا السياق عقوبات واسعة ضد طهران وبيونغ يانغ، وعلى مدى العقد الماضي، أقامت إيران وروسيا علاقة غير مسبوقة، تعززت بسبب عزلتهما المشتركة عن الغرب والتعاون العسكري في أوكرانيا، ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، أرسلت طهران بشكل مباشر إلى روسيا معدات عسكرية بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية قصيرة المدى، رغم التحذيرات الغربية، ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2024 بدأت روسيا في استخدام جنود من كوريا الشمالية في عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا في منطقة كورسك، بحسب جريدة “لوموند” الفرنسية وقد عقد المسؤولون الأوكرانيون والأمريكيون، الثلاثاء 11 مارس/ آذار 2025، في مدينة جدة السعودية محادثات حساسة لإيجاد طريقة لإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وكانت الرياض قد استضافت من قبل في فبراير/ شباط 2025 محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا.
الاتحاد الأوروبي يحذر
حذرت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، من أن التوسع المستمر في البرنامج النووي الإيراني يتناقض مع التزامات طهران، وأعادت تأكيد طلب الاتحاد الأوروبي لحل القضية النووية الإيرانية عبر الدبلوماسية، جاء ذلك في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الثلاثاء 11 مارس/ آذار 2025، وذكرت كالاس في كلمة لها لحفظ السلام والأمن الدوليين أن “التوسع المستمر في البرنامج النووي الإيراني يتناقض مع التزامات طهران وأن نهجا جماعيا مثل الاتفاق النووي هو الحل”، وأضافت: “لا يوجد حل مستدام آخر سوى الدبلوماسية لحل هذه القضية.
اجتماع “غير مبرر”
واتهمت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، الولايات المتحدة بالسعي إلى استخدام مجلس الأمن الدولي سلاحا “لتصعيد الحرب الاقتصادية على إيران”، واحتج مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني على الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، مشيرًا إلى أن طهران تعتبر هذه الجلسة تدخلًا غير مبرر في مسار التعاون البناء والمستمر بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأكد أن هذا الإجراء يهدف فقط إلى استمرار سياسة “الضغوط القصوى” الفاشلة وغير القانونية المستمرة ضد إيران.
وأضاف إيرواني خلال الاجتماع حول موضوع “عدم الانتشار”، يوم الأربعاء 12 مارس/ آذار 2025 في نيويورك، أن إيران ترفض بشكل قاطع الادعاءات التي طرحتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا التي تتجاهل حقيقة أنها نفسها مسؤولة عن الوضع الحالي، موضحًا أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق النووي (الاتفاق الشامل لخطة العمل المشتركة) عام 2018، منتهكة بذلك قرار مجلس الأمن رقم 2231.
وأعرب مندوب إيران في الأمم المتحدة عن اعتراض بلاده الشديد على الجلسة التي وصفها بـ”الاستفزازية وغير المبررة” لمجلس الأمن بشأن برنامجها النووي، مضيفاً أنه يعتقد أن هذه الإجراءات تشكل “سابقة خطيرة” تضعف مصداقية المجلس الأممي، كما سبق أن قامت واشنطن بإعادة فرض عقوبات غير قانونية، منتهكةً القانون الدولي ومعاقبة الشعب الإيراني، كما أكد أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لم تلتزم بتعهداتها، وفضلت إرضاء واشنطن بدلًا من الوفاء بالتزاماتها، وشدد إيرواني حسبما نقلت وكالة تسنيم للأنباء على أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة والاستياء هو أن الولايات المتحدة، التي تقود هذه الاتهامات، هي نفسها أكبر منتهك للقرار رقم 2231، حيث أعلنت صراحة في وثائقها الرسمية أنها تهدف إلى استخدام مجلس الأمن كأداة لتصعيد الحرب الاقتصادية ضد إيران.
واعتبر ذلك استغلالًا خطيرا لهذا الكيان الدولي، ودعا جميع الأعضاء المسؤولين في المجلس إلى رفض هذا الاستغلال، مشددًا على أن مجلس الأمن يجب ألا يصبح أداةً لمن ينتهكون قراراته، بينما يطالبون الآخرين بالالتزام بها، كما أكد أن القرار 2231 يجب أن يُنفذ كما تم الاتفاق عليه، وأن ينتهي سريانه في الموعد المحدد وفقًا لنصه (ينتهي في18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025).