كتب: محمد بركات
شهدت الساحة الإيرانية في الساعات القليلة الماضية انتشار شائعة عن استقالة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مما أثار جدلا واسعا في وسائل الإعلام، ورغم نفي هذه الشائعة من قبل المسؤولين الحكوميين، فإنها أثارت تساؤلات حول الجهات التي تقف وراء انتشارها، والأهداف السياسية المحتملة.
فبعد زيارة بزشكيان، العاصمة المصرية القاهرة للمشاركة في قمة مجموعة الدول الثماني النامية، والتي عقدت الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، انتشرت أنباء على بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول استقالة بزشكيان، والتي سرعان ما نفاها مجلس الإعلام الحكومي.
فقد كتب علي أحمد دنيا، المشرف على شؤون الإعلام بمجلس الإعلام الحكومي، على حسابه بمنصة إكس، السبت 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، معلقا على هذا الأمر، قائلا: “هناك جهة استغلت صمت الحكومة الواعي خلال الأشهر الأخيرة وهاجمت الرئيس، إن أولوية الحكومة هي معالجة الاختلالات، وتحسين سبل العيش، وتحقيق وعود الرئيس الانتخابية، والحكومة لن تلتفت إلى الأكاذيب الكبيرة، مثل شائعة استقالة الرئيس التي تهدف إلى كسب المتابعين، ولن تنشغل بالقضايا الجانبية”.
وحول مصدر تلك الشائعات، كتب علي ربيعي، مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الاجتماعية، على حسابه بمنصة إكس، الأحد 22 ديسمبر/كانون الأول: “رأيت مؤخرا منشورات حول استقالة الرئيس، ورغم أنها كانت محدودة وقليلة التأثير، فقد كان غريبا بالنسبة لي هذه المواقف الداخلية وسرعة انتشار تلك الأكاذيب”.
وتابع: “ففي حديث أجريته مع عدد من خبراء الإنترنت، ومن خلال تتبُّع أول تغريدة، توصلنا إلى أن المصدر الأول لشائعة استقالة الرئيس والحكومة قد نُشر من قبل مجموعات مقيمة خارج البلاد، وتم الترويج له كجزء من عملية نفسية تستهدف الداخل”.
وأضاف: “للأسف، يُؤسفني مدى سرعة انسجام معارضي الحكومة الحاقدين مع هذه الجهات. يبدو أن هذه الأيام ستشهد مزيدا من محاولات إثارة الرأي العام بهذا النوع من الحملات في أشكال مختلفة”.
هذا وقد علق محمد مخبر، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ومستشار المرشد الإيراني على خامنئي، الاثنين 23 ديسمبر/كانون الأول، على شائعة استقالة بزشكيان، واصفا إياها بأنها خطوة تصب في مصلحة أعداء البلاد الذين يسعون إلى خلق حالة من انعدام الثقة بين الشعب ومسؤولي النظام.
وأضاف مخبر أن الوحدة والتآزر بين الشعب والمسؤولين هما مفتاح مواجهة المؤامرات والتحديات المستقبلية، مشددا على أنه “يجب على الجميع مساعدة الحكومة للتغلب على المشكلات وتحقيق الأهداف المنشودة، فإن الأعداء يسعون دائما لنشر الفرقة والخلاف لخفض ثقة العامة بالنظام وترك تأثيرات سلبية على معنويات الشعب”.
ودعا جميع وسائل الإعلام والأحزاب والمجموعات السياسية إلى الحفاظ على الوحدة والتعاون لدعم الحكومة الرابعة عشرة، قائلا: “علينا جميعا أن نُظهر للأعداء أن أحلامهم المزعجة لن تتحقق في هذه الظروف الحساسة”.
مَن وراء انتشار الشائعات؟
بعد انتشار تلك الشائعات، انتشرت العديد من التكهنات حول الجهة التي وراءها وأهدافها، في حين ذهبت معظم الآراء إلى أن ما حدث مؤامرة خارجية يشارك فيها أطراف داخلية.
كان من بين المحاولات لقراءة المشهد ما نشرته صحيفة آرمان ملي الإصلاحية، التي ادعت أن تلك الشائعات كان يقف وراءها التيار المتشدد، حيث ذكر تقريرها الأحد 22 ديسمبر/كانون الأول، أن “المتشددين لا يهمهم ضد من توجه هذه الأعمال، فكل من يقع في مرمى مدافعهم يصبح هدفا لهجماتهم، فأشياء مثل المصالح الوطنية، والوحدة الوطنية، والظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، كل هذا لا يشغلهم ولا يساوي لديهم شيئا، فهم يسيرون فقط وفق مصالحهم وأهدافهم الخاصة”.
كذلك، فقد أشار التقرير إلى أن بزشكيان قد واجه خلال الأشهر الأربعة منذ توليه منصب الرئاسة، تحديات غير مسبوقة، تشمل التغييرات الدولية والقضايا الداخلية مثل اختلال الموارد وانقطاعات الكهرباء والغاز، لكنه واصل العمل على حل هذه المشكلات، ولكن في المقابل، استغل المتشددون أي فرصة، مثل مصافحته للرئيس التركي أردوغان، لتشويه سمعته وحتى الترويج لشائعة استقالته، رغم الدعم الشعبي والسياسي الذي يحظى به.
تحالف منظم ضد الحكومة
وبهذا الشأن أيضا أشارت صحيفة هم ميهن إلى وجود تحالف ضد الرئيس الإيراني وحكومته، حيث ذكرت في تقريرها الأحد 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن موجة التشويه الإعلامي ضد رئيس الجمهورية والحكومة مستمرة بقوة، فبالتزامن مع شائعات الاستقالة، بدأت حسابات تابعة للتيار المتشدد والدوائر الثورية المتطرفة في حملة مكثفة منذ أيام؛ للمطالبة باستقالة أو استجواب الرئيس بزشكيان”.
كذلك، فقد نقلت الصحيفة عن محمد رهبري، عالم الاجتماع والباحث في شبكات التواصل، قوله: “أعتقد أن الهدف الأساسي من مثل هذه الشائعات هو تقديم صورة متزعزعة عن الحكومة أمام المجتمع، فعبر تصوير الحكومة ككيان ضعيف، يحاولون تقويض سلطتها ومنعها من الحصول على القوة اللازمة لتنفيذ مشاريعها. إنهم يريدون إظهار حكومة بزشكيان كحكومة مؤقتة وغير مستقرة”.
وأضاف: “إن الجهات التي تقف خلف هذا المشروع تسعى أيضا إلى تحفيز ودعم أنصار التيار المنافس للحكومة، خاصةً أولئك الذين خسروا في الانتخابات، لكنهم ما زالوا يشغلون مواقع في البيروقراطية الوسطى للدولة، والهدف هو تعزيز مقاومتهم للتغييرات وإضعاف الحكومة. فحين يشعر الأفراد بعدم استقرار الحكومة، قد يتراجع استعدادهم للتعاون مع نهجها”.
أيضا، فقد نقلت تعليق رهبري حول تواطؤ المتشددين الداخليين مع الجماعات المعارضة في الخارج، وضمن ذلك منظمة مجاهدي خلق، حيث صرح بأن “هناك منذ سنوات موجتين، داخلية وخارجية، ضد القوى المعتدلة والإصلاحية، وما يحدث الآن ليس جديدا، فالهجوم المتزامن من هذه الأطراف له أهداف مشتركة، وهو تقويض الحكومة وإظهارها غير فعالة. ضعف الحكومة واستقرارها يخدمان مصلحة كلا الطرفين، سواء المعارضة الداخلية أو الجهات الخارجية. لذلك، لا يجب أن نتفاجأ من هذا التزامن أو توافق الأهداف بينهما”.
أهداف مشروع زعزعة الحكومة
ذلك الرأي دعمته أيضا صحيفة فرهيختكان الأصولية، حيث قالت في مقالها الإثنين 23 ديسمبر/كانون الأول: “بغض النظر عن فكرة انتقاد بزشكيان من عدمها، ولكن هذه الأيام يمكن حتى للعين المجردة التمييز بين الناقد المخلص وأولئك الذين يعملون لمشاريع مشبوهة، فالجماعات الخارجية الساعية للإطاحة بالنظام والجماعات الداخلية الراديكالية توجه سهامها أولا نحو الناقدين الوطنيين والمصلحين، الذين سئموا سوء الإدارة ويحاولون تقديم انتقادات بناءة وموضوعية”.
وخلصت الصحيفة إلى أن المشروع المشترك بين المعارضين الخارجيين والمتشددين الداخليين، والذي ظهر بعد تصريحات بلينكن الداعمة للشغب الداخلي ورسائل نتنياهو، يسعى لتحقيق أربعة أهداف؛ أولها هو إيصال رسالة اجتماعية بأنه لا يوجد مستقبل إيجابي يلوح في الأفق، فصحيحٌ أن الناس لا يتوقعون معجزات من الرئيس في غضون ثلاثة أشهر، لكنهم يريدون الحفاظ على بصيص من الأمل.
وأما الهدف الثاني فيكمن في خلق تشابه بين الوضع الراهن والأحداث السابقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ويناير/كانون الثاني 2018، وهي فترات التظاهرات التي شهدتها طهران، إذ بدأت آلة الدعاية المعادية آنذاك بأكاذيب كبيرة، ويبدو أن بعض المنتقدين، حتى أصحاب اللحى والهيئات المحافظة، يسلكون الطريق نفسه.
كذلك فمن ضمن الأهداف إرسال إشارات للمعارضة الخارجية بأن عدم الاستقرار السياسي الداخلي يمهد الطريق للإجراءات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية ضد إيران.
ويكمن الهدف الأخير من وجهة نظر الصحيفة، في تشويه فكرة الديمقراطية في نظام الجمهورية الإيرانية، وتصوير أن اختيار الشعب بلا أهمية، وأن النتيجة واحدة مهما كان الشخص المنتخب.
هل كان لسعيد جليلي دور في انتشار تلك الشائعات؟
إضافة إلى توصيف الأمر على أنه مؤامرة بين أطراف داخلية وخارجية، فقد تساءلت صحيفة خراسان في تقريرها، الإثنين 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، عن هوية الأطراف الداخلية لتلك المؤامرة، حيث قالت: “إن النقطة المهمة في هذه القضية تكمن في تحديد من هم الأشخاص، خاصة داخل البلاد، الذين يروّجون لهذه الشائعات، حيث تشير الأدلة إلى أن العديد من هذه الجهات هم أولئك الذين لم يكونوا راضين عن نتائج الانتخابات الأخيرة، فهذه المجموعة تسعى لاستخدام تكتيكات تخريبية بهدف إضعاف الحكومة المنتخبة”.
وتابعت: “وفي هذا السياق، يُتوقع من الدكتور سعيد جليلي، كشخصية بارزة ومتدينة ذات نفوذ وتأثير على العديد من هذه الشخصيات والتيارات، أن يعلن موقفه بوضوح وشفافية تجاه هذه التصرفات الراديكالية، وعلى جليلي أن يصرح بوضوح بأنه إذا كانت المصالح الوطنية تهمه، وهو أمر مؤكد، فإنه لن يتسامح مع أي شكل من أشكال التخريب أو الهجوم على الحكومة”.