كتب: محمد بركات
تشهد الساحة السياسية الإيرانية تطورات متسارعة تعكس حالة من عدم الاستقرار داخل الحكومة، حيث برزت خلال الآونة الأخيرة استقالات وإقالات شملت شخصيات بارزة، تأتي هذه التغييرات في ظل تصاعد الضغوط السياسية والبرلمانية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل بعض المسؤولين في الحكومة الحالية.
ومع استمرار التحديات التي تواجه الإدارة الاقتصادية والسياسية، يبدو أن التوازنات داخل السلطة التنفيذية تمر بمرحلة حرجة.
في هذا السياق، تكشف التحليلات السياسية عن أسماء قد تكون المغادرة التالية في ظل التدقيق القانوني والتحولات الداخلية، مما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة لمصير الحكومة.
فقد أعلن سيد رازق بهيار مقدم، مدير مكتب على طيب نيا، وزير الاقتصاد في حكومة روحاني والمستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، أن طيب نيا قد تقدم باستقالته من منصبه في الحكومة، وذلك في تغريدة على حسابه بمنصة إكس، وذلك في 15 مارس/آذار 2025.
حيث كتب: “في الفترة القصيرة التي تعاون فيها الدكتور طيب نيا مع الحكومة الرابعة عشرة، كان لي الشرف بأن أكون في خدمته بصفتي رئيس مكتبه، لقد كان الدكتور طيب نيا ولا يزال لديه خط أحمر واحد في جميع هذه التقلبات، وهو عدم إضعاف الحكومة، وانسحابه بهدوء كان فقط مراعاة لهذا الاعتبار”.
جدير بالذكر، أن الرئيس الإيراني كان قد أصدر قرارا في 4 أغسطس/آب 2024، يعين بموجبه طيب نيا مستشار اقتصاديا له.
هذا وقد تناقلت وسائل الإعلام خبر الاستقالة، وعلى رأسها موقع رجا نيوز الأصولي، الذي ذكر أنه خلال فترة الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت في إيران بعد تحطم طائرة إبراهيم رئيسي في مايو/أيار 2025، اعتمد الفريق الإعلامي لبزشكيان على شخصيات عديدة، مثل أذري جهرمي، وزير الاتصالات الأسبق، وظريف وطيب نيا وإسحاق جهانجيري، نائب الرئيس حسن روحاني، بهدف إيصال بزشكيان إلى قصر الرئاسة.
لكن فترة التحالفات الانتخابية لم تدم طويلا، حيث تولى فريق المقربين من بزشكيان، بقيادة قائم بناه، إقصاء المنافسين واحدا تلو آخر.
كذلك، فقد ذكر الموقع أن طيب نيا كان من المتوقع أن يصبح النائب الأول لرئيس الجمهورية، أو حتى وزير الاقتصاد، الأمر الذي لم يحدث، ليعينه بزشكيان بعدها مستشارا اقتصاديا.
وبشأن توليه منصب النائب الأول، كان طيب نيا قد أوضح خلال رسالة مصورة نشرت في 28 يوليو/تموز 2024، قائلا: “أهنئ محمد رضا عارف على توليه مسؤولية منصب النائب الأول للرئيس بزشكيان، وأود أن أؤكد أنني لم أكن مستعدا لتولي هذه المسؤولية في الوقت الحالي لأسباب شخصية”.
وتابع مستدركا: “لكنني كنت إلى جانب الدكتور بزشكيان منذ اليوم الأول، وسأبقى معه حتى النهاية، وسأبذل كل جهدي من أجل نجاح حكومته. وأنا على قناعة بأن تجاوز الظروف الصعبة الحالية لن يكون ممكنا إلا من خلال التكاتف والتعاون بين جميع الأطراف”.
علي طيب نيا.. الوزير الذي كافح التضخم في حكومة روحاني
يُعتبر طيب نيا أحد أبرز الاقتصاديين في إيران، حيث لعب دورا محوريا في السياسات المالية وإدارة التضخم خلال توليه وزارة الاقتصاد والمالية في حكومة حسن روحاني، بين عامي 2013 و2017، فقد استطاع خلال فترة وزارته خفض معدل التضخم إلى أرقام أحادية لأول مرة منذ عقود.
وُلد طيب نيا عام 1960 في العاصمة طهران، وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة طهران عام 1993، حيث كانت أطروحته حول التضخم الهيكلي في إيران.
وبدأ مشواره الأكاديمي كأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة طهران، وسرعان ما أصبح واحدا من أبرز الخبراء في السياسات النقدية والمالية، حيث قدم العديد من الأبحاث حول إدارة التضخم وأساليب السيطرة عليه.
لم يكن طيب نيا بعيدا عن العمل الحكومي، فقد بدأ مسيرته في عام 1994، أمينا للجنة الاقتصادية للحكومة، ثم شغل عدة مناصب مهمة في مجال التخطيط الاقتصادي والسياسات المالية، كما عمل مستشارا اقتصاديا للحكومة، وتولى مسؤولية تنظيم السوق والإشراف على استقرار الأسعار في إيران، مما أكسبه خبرة عملية في إدارة الأزمات الاقتصادية.
مع فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2013، تم اختيار طيب نيا وزيرا للاقتصاد والمالية، حيث حصل على 274 صوتا في البرلمان، وهو أعلى تصويت لوزير في تاريخ إيران، ومنذ اليوم الأول، كان هدفه الأساسي هو السيطرة على التضخم وتحقيق استقرار اقتصادي، في وقت كانت إيران تعاني فيه من معدلات تضخم تجاوزت 34%.
خلال فترته الوزارية، نجح طيب نيا في خفض معدل التضخم إلى أقل من 9% في عامي 2016 و2017، وهو إنجاز غير مسبوق في الاقتصاد الإيراني خلال العقود الأخيرة، كما عمل على إصلاح السياسات المالية والمصرفية، وتعزيز الانضباط المالي في البلاد، مما جعله أحد أكثر الوزراء تأثيرا في حكومة روحاني.
بعد انتهاء فترته الوزارية، عاد طيب نيا إلى الأوساط الأكاديمية، لكنه بقي حاضرا في المشهد الاقتصادي كمستشار حكومي، إلى أن انضم إلى حملة بزشكيان الانتخابية، ويعين لاحقا مستشارا اقتصاديا له.
الاستقالات داخل الحكومة.. من سيلحق بالمغادرين؟
جاءت استقالة طيب نيا في الوقت الذي فقدت فيه حكومة بزشكيان شخصيتين رئيسيتين، حيث سحب البرلمان الإيراني الثقة من عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد السابق، في 2 مارس/آذار 2025؛ وذلك بعد استجواب لم تشفع فيه حتى كلمات بزشكيان، في الوقت الذي لم يكمل فيه سبعة أشهر في منصبه.
وفي اليوم نفسه، تقدم محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني السابق للشؤون الاستراتيجية، باستقالته، الأمر الذي أوضح ظريف أسبابه خلال تغريدة على حسابه بمنصة إكس، حيث قال: “التقيت بالأمس، رئيس السلطة القضائية الموقر، محسني إجئي، حيث أشار إلى أوضاع البلاد ونصحني بالعودة إلى الجامعة؛ لتجنب مزيد من الضغوط على الحكومة. قبلت هذا الأمر فورا، إذ كنت دائما أسعى لأن أكون عونا لا عبئا”.
ومن بين الأسماء التي طُرحت مؤخرا في وسائل الإعلام لاحتمالية ترك مناصبهم، يأتي اسما محمد رضا عارف، النائب الأول لرئيس الجمهورية، وجعفر قائم بناه، النائب التنفيذي لرئيس الجمهورية على رأس تلك الأسماء، حيث ذكرت صحيفة هم میهن الإصلاحية في تقريرها 5 مارس/آذار 2025، أن هذين المسؤولين قد يواجهان مصيرا مشابها لظريف.
كما أن النائب الأصولي حميد رسائي، كان قد أشار خلال تصريحات أدلى بها في 15 مارس/آذار 2025، إلى أن وجودهما في الحكومة قد يكون مخالفا للقانون.
إلى جانب ذلك، يواجه بعض الوزراء ضغوطا برلمانية، كما حدث مع وزير العمل والتضامن الاجتماعي أحمد ميدري، الذي حصل على بطاقة صفراء من البرلمان بعد عدم اقتناع النواب بردوده على الأسئلة المطروحة خلال الجلسة التي عقدت في 11 مارس/آذار 2025.