كتب: ربيع السعدني
استقال محمد جواد ظريف، مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، مساء الأحد، الثاني من مارس/ آذار 2025، من منصبه حسبما أفادت وكالتا أنباء “فارس” و”تسنيم“، التابعتان للحرس الثوري، ووفقًا للمتابعات، فقد أكد مصدران خبر استقالة ظريف بعد جلسة استجواب وزير الاقتصاد، عبد الناصر همتي، في البرلمان الإيراني، ولم يوافق الرئيس مسعود بزشكيان على هذه الاستقالة حتى الآن”.
“ظريف يستقيل مجددا“.. هذا ما أعلنته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “فارس” التي كتبت في تقرير إخباري قصير أن أثنين من أبناء ظريف “يحملان الجنسية الأمريكية المزدوجة وأن وجوده في الحكومة بصفته مستشارا للرئيس يُعدّ “انتهاكًا واضحًا” لقانون الوظائف الحساسة، ومن جهتها، أشارت وكالة “تسنيم” إلى أن “بعض المقربين” من ظريف أكدوا نبأ استقالته، وأضافت الوكالة التابعة للحرس الثوري أن مصادرها شددت على أن استقالة ظريف “لا علاقة لها باستجواب عبد الناصر همتي”، مؤكدة أن وجوده في حكومة بزشكیان “غير قانوني”.
كما أكدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، أن ظريف قدّم استقالته إلى بزشكیان، وأضافت أن استقالة ظريف وصلت إلى مكتب بزشكیان، لكنه “لم يردّ عليها بعد” بدون تقديم أي تفاصيل أخرى إضافية.
وتعتبر استقالة ظريف مؤشرا على التوترات العميقة والخلافات داخل الحكومة وبين الحكومة والبرلمان، حسبما نشر موقع “تابناك” الإيراني وتشير الضغوط السياسية من جانب أعضاء البرلمان والانتقادات من جانب وسائل الإعلام المناهضة للحكومة والتي تدعو إلى عزله إلى وجود تشققات يمكن أن تمثل بداية فترة من عدم الاستقرار وعدم الاستقرار في حكومة بزشكیان.
نصيحة قضائية وراء استقالة ظريف
كما قدم ظريف استقالته من منصب مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية، لكنه بقي في منصبه بعد رفض الرئيس الإيراني هذه الاستقالة، وذكر ظريف، الاثنين 3 مارس/ آذار 2025، أنه استقال من منصبه بناء على نصيحة من رئيس السلطة القضائية من أجل المساعدة في تخفيف الضغوط على إدارة الرئيس مسعود بزشكيان، وذلك في أول تعليق له بعد تقديم استقالته من منصبه.
وكتب ظريف في منشور على منصة “إكس”، في وقت مبكر صباح الاثنين 3 مارس/ آذار 2025، إنه زار رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، بدعوة من الأخير، يوم السبت 1 مارس/ آذار 2025 وخلال اجتماعه معه، نصحه بأنه “نظراً لظروف البلاد، يجب أن يعود إلى التدريس في الجامعة لتجنّب المزيد من الضغوط على الإدارة”، وأعرب في منشوره عن أمله أن يتم، من خلال تركه لمنصبه، تجريد أولئك الذين يعوقون تحقيق “إرادة الشعب ونجاح الإدارة من أعذارهم”.
وأكد ظريف أنه “ما زال فخورا بدعمه للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وتمنى له ولغيره من الخدم الحقيقيين للشعب كل التوفيق وقد واجهت أفظع الإهانات والافتراءات والتهديدات بحقي وبحق أفراد عائلتي، وعشت أسوأ فترة ضمن سنوات خدمتي الأربعين”.
هل هذه بداية النهاية للإجماع الوطني؟
جاءت هذه الاستقالة في الليلة نفسها بعد عزل عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد في حكومة مسعود بزشكيان، مما أدى إلى إقالته من قبل البرلمان الإيراني وقد أدى التقارب الشديد بين الحدثين إلى اشتعال التكهنات بأن هذين الحدثين يشيران إلى بداية المواجهة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ونهاية ما كان يسمى “الإجماع الوطني”، الذي تم الترويج له منذ تولي الحكومة الرابعة عشرة السلطة، علاوة على ذلك، تشير التصريحات الأخيرة لرئيس السلطة القضائية حسين محسني إيجئي إلى أن هذه المؤسسة تعد قائمة بأشخاص في مواقف مماثلة لظريف، ولا تقتصر هذه القضية عليه وحده، وهذا يدل على أن استقالة ظريف كانت نتيجة لعملية أطول من المطالبة بتنفيذ القانون، وليس رد فعل مفاجئ على عزل همتي.
ولكن هذا الرأي، لا يتفق مع الأدلة المتوفرة بحسب تقرير لوكالة تسنيم للأنباء؛ والذي يفيد بإن عزل همتي واستقالة ظريف قضيتين مختلفتين، وجاءت عملية عزل همتي لأسباب اقتصادية وإدارية، في حين جاءت استقالة ظريف نتيجة ضغوط قانونية وشرعية تم إجراؤها منذ أشهر.
وأضاف التقرير أن موقف السلطة القضائية بشأن ظريف يتجاوز فردا محددا وقد أعلنت أنها تنظر في قضايا مماثلة، مما يشير إلى أن هذا الإجراء هو جزء من سياسة أكبر، وليس مجرد رد فعل على وضع الحكومة.
كما زعم التقرير أن حكومة بزشكیان لعبت دورا فعالا في هذا الأمر؛ ولو كان الرئيس الإيراني مهتما بالحفاظ على ظريف، لكان بإمكانه حل هذا التحدي في وقت سابق من خلال تقديم مشروع قانون أكثر تفصيلا والتمييز بين الجنسية القسرية وغير القسرية ، بحسب تقرير وكالة أنباء تسنيم .
استقالة أم إقالة؟
لقد أدار ظريف، إلى جانب جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إيران سابقًا حملة مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية، وقد يشكل خروجه من الحكومة تحديًا خطيرًا لهيمنة الرئيس، وتشير المعلومات الإضافية التي أوردها موقع “تابناك” إلى أن محمد جواد ظريف قد أُقيل من منصبه نائبا للرئيس للشؤون الاستراتيجية، وليس أنه استقال.
الجنسية المزدوجة
وتعود الضغوط على ظريف إلى قانون الوظائف الحساسة، بحسب موقع “تابناك”، وبحسب القانون فإن تعيينه كأحد نواب الرئيس، لأن اثنين من أبنائه يحملان الجنسية الأمريكية المزدوجة والمفروضة، يعد انتهاكا واضحا للقانون ويخالف نص القانون الصريح، ويتابع بعض أعضاء البرلمان قضية تعيين ظريف غير القانوني في منصب النائب الاستراتيجي منذ بداية عمل الحكومة.
ويرى المعارضون لظريف أن تعيينه من قبل بزشكيان الذي تولى السلطة في منتصف يوليو/ تموز 2024 في منصب مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية في الأول من أغسطس/ آب 2024 كان غير قانوني، لأن اثنين من أبنائه يحملان الجنسية الأمريكية، وهي مسألة أثارت جدلًا واسعًا في الإعلام وأوساط المعارضين خلال الأسابيع الأخيرة، لكن ظريف استقال بعد أقل من أسبوعين على ذلك قبل أن يعود إلى المنصب في وقت لاحق من الشهر ذاته، وأكد يومها أنه واجه ضغوطاً لأن ولديه يحملان الجنسية الأمريكية إلى جانب الإيرانية.
الذراع اليمنى للرئيس
محمد جواد ظريف الذي شغل سابقًا منصب وزير الخارجية الإيراني في حكومة حسن روحاني (2013-2021)، كان أحد الشخصيات البارزة في المفاوضات التي أفضت إلى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في 14 يوليو/ تموز 2015.
ووصف ظريف بمهندس الاتفاق من جانب إيران، بحسب تقرير تفصيلي عن مسيرة مستشار الرئيس الإيراني السابق للشؤون الاستراتيجية وبات ظريف معروفا في الساحة الدولية بفضل الدور البارز الذي لعبه في المفاوضات التي أدت إلى إبرام الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي عام 2015، لكن الاتفاق انهار عملياً بعد ثلاث سنوات عندما أعلنت الولايات المتحدة في ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، الانسحاب منه بشكل أحادي وإعادة فرض العقوبات على طهران من جديد.