كتبت- ميرنا محمود
قال الباحث ” Hurşit Dingil” في موقع “IRAM” يوم الثلاثاء 20 أغسطس/آب 2024، إن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” ومقتله في طهران، حيث كان سيحضر مراسم تنصيب الرئيس الإيراني “مسعود بيزشكيان”، يُعَدُّ تطورًا يجب التركيز عليه بأبعاده الفنية والسياسية.
بيت الضيافة الذي كان من المُقرَّر أن يقضي فيه “هنية” ليلته بالقرب من قصر “سعد آباد” في شمال العاصمة الإيرانية، يخضع لحراسة وحدة أنصار “المهدي” التابعة لجيش الحرس الثوري الإيراني.
في التصريحات اللاحقة للجانب الإيراني عن الحادث، التي أُعلنت عن الحادث حوالي الساعة 00:06 صباحًا، زُعِمَ أن “هنية”، الذي تَوَجَّه إلى دار الضيافة بعد الحفل، استُهدِف بصاروخ أُطلِق من الخارج حوالي الساعة 00:02 صباحًا. وفي بعض الأخبار الإيرانية التي ظهرت بعد وقت قصير من الحادث، زُعِمَ أن الصاروخ أُرسِل من خارج الأراضي الإيرانية.
لكن أشارت التصريحات اللاحقة إلى أن الهجوم تم من داخل إيران وباستخدام صاروخ قصير المدى. لكن بما أن المسؤولين الإيرانيين لم يقدموا تفسيرًا مقنعًا بشأن تفاصيل الاغتيال، فإن التصريحات لم تُلغِ علامات الاستفهام في الأذهان وزادت من الشكوك. لذلك، في هذه المرحلة، تبقى الأسئلة حول من وكيف وبأي نوع من الأسلحة تم تنفيذ هذا الاغتيال الذي كانت وراءه إسرائيل، دون إجابة.
سياق ما قبل الاغتيال وعودة مَذهَب الأخطبوط الإسرائيلي
وقعت عملية الاغتيال في الساعات الأولى من تولي “مسعود بيزشكيان” رئاسة إيران بشكل رسمي نتيجة الانتخابات التي أجريت بعد وفاة “إبراهيم رئيسي”. والأهم من ذلك أن عملية الاغتيال جرت في ظل تصاعد سريع للتوتر في المنطقة نتيجة العدوان الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر. خلال الفترة المعنية، تم تنفيذ هجوم مُنسَّق غير تقليدي ضد إسرائيل من قِبَل “الحوثيين” في اليمن، والقوات المدعومة من إيران في العراق و”حزب الله” في لبنان، مما أثار قلقًا كبيرًا في تل أبيب. وقد جعل التنسيق بين هذه المنظمات من الصعب على إسرائيل والولايات المتحدة التصدي للتهديدات الأمنية التكتيكية المعقدة.
على الجانب الآخر، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها العسكرية في “غزة”، حيث ارتكبت جرائم حرب، وبلغت حدود استراتيجيتها العسكرية. وبينما كانت إسرائيل تناقش إمكانية شن عملية عسكرية محتملة في لبنان، فإن القيود العسكرية المَعنية جعلت إسرائيل غير قادرة على شن عملية عسكرية شاملة ضد لبنان بجيش نظامي. وفي واقع الأمر، لجأت إسرائيل إلى التغيير القسري في استراتيجياتها وممارساتها الأمنية لتعويض فشلها العسكري في “غزة”. وقد ظهر هذا التغيير بشكل ملموس خاصةً في استراتيجية إسرائيل الأمنية ضد إيران، المعروفة باسم “مَذهَب الأخطبوط”.
بحسب إسرائيل، التي تُعرِّف إيران بـ “رأس الأخطبوط” بسبب علاقاتها مع التنظيمات المعنية في المنطقة، فإن هذه الهياكل، التي تعتبر “القوى الوكيلة” لطهران، هي “أذرع الأخطبوط”. ووفقًا لهذا التوجُّه، يجب على إسرائيل استهداف إيران، التي تُعرف بـ “رأس الأخطبوط”، مباشرةً للتصدي للخطر. في حين أن إسرائيل تستهدف إيران بشكل مباشر (المسؤولين الفنيين العسكريين الإيرانيين رفيعي المستوى ومتوسطي المستوى/البنية التحتية الحيوية والمنشآت النووية والعسكرية)، وخاصة طهران، منذ عام 2018، فقد لجأت إلى تغيير قسري في استراتيجيتها الأمنية بدءًا من حرب “غزة”، وبدأت باستهداف الشخصيات العليا في تلك الهياكل المرتبطة بالمنظمات في المنطقة، أي “أذرع الأخطبوط”.
وفي هذا السياق، استهدفت إسرائيل “صالح العاروري”، أحد كبار القادة السياسيين في حماس، بطائرة انتحارية مُسَيَّرَة من الطراز “كاميكاز” في بيروت، وكان هذا الاغتيال نقطة تحول مهمة. وبالمثل، فإن اغتيال “فؤاد شكر”، الذي كان يشغل منصبًا في قيادة “حزب الله”، والذي وقع قبل اغتيال “هنية” مباشرة، يُجسّد هذا التحوُّل. بالإضافة إلى ذلك، أظهر استهداف كبار القادة العسكريين في “حزب الله” منذ يونيو/حزيران تغيير في المَذهَب. فعلى سبيل المثال، منذ عام 2018، نفذَّت إسرائيل سلسلة من الاغتيالات المتتالية مثل اغتيال “قاسم سليماني” و”محسن فخري زاده” والعقيد “حسن سيد حديثي”، بالإضافة إلى العمليات التخريبية التي استهدفت البنية التحتية الحيوية والمنشآت العسكرية داخل إيران.
لكن بعد 7 أكتوبر، وخاصة بعد بدء الهجمات الإسرائيلية على “غزة”، لوحظ أن أهداف الاغتيالات والتخريب قد تغيرت. ويمكن القول إن دوافع هذا التغيير تشمل الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية في “غزة” والقيود التي تعيق إطلاق عملية برية محتملة في لبنان. وبهذا التغيير تسعى إسرائيل إلى استعادة الهيمنة النفسية التي فقدتها في “غزة”. ونظرًا للتكاليف والقيود الصعبة المترتبة على شن عملية برية ضد لبنان، فقد لجأت إسرائيل إلى شن غارات جوية واغتيالات ضد أهداف محددة والتي أكسبتها خبرة نسبية. يمكن أيضًا تقييم الهجوم الجوي على ميناء “الحديدة” ضمن هذا السياق. تهدف إسرائيل من خلال هذا الهجوم إلى إظهار قدرتها على شن هجمات طويلة المدى ضد إيران، بالإضافة إلى اكتساب التفوق النفسي. ونتيجة لذلك، يجب أن نُقدّر عملية اغتيال “هنية” من هذا الزاوية. وفي واقع الأمر، تقدم الأمثلة المدروسة ضمن الاستراتيجيات والممارسات الأمنية في فترة ما بعد الاغتيال وما قبله تظهر أيضًا أوجه تشابه من حيث الأهداف والأدوات والأساليب والإجراءات.
التفاصيل الفنية لعملية الاغتيال
بعد عملية اغتيال “هنية”، ترددت مجموعة متنوعة من الادعاءات المتناقضة والمتضاربة حول تفاصيل عملية الاغتيال. يمكن للتحليل الدقيق المستند إلى المصادر المفتوحة أن يزيل حالة الغموض الناجمة عن هذه الاضطرابات والتناقضات. الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة هنا تتعلق بكيفية تنفيذ عملية الاغتيال، والسلاح المستخدم، والطريقة التي تم بها التنفيذ، والأطراف التي نفذتها، والسلطة التي وافقت عليها.
ادعاءات الاغتيال والتحليلات
الادعاء الأول: تم تنفيذ عملية الاغتيال من خارج إيران باستخدام صاروخ باليستي أو صاروخ “كروز”.
التقييم: هذا الادعاء يتعارض بشكل مباشر مع الصور المنشورة لموقع عملية الاغتيال. إذا كان الاغتيال قد تم باستخدام صاروخ باليستي أو صاروخ كروز، لكان من المتوقع أن تتضرر البيئة المستهدفة والمحيطة بشدة. وتكشف الصور التي نُشرت بعد عملية الاغتيال عدم صحة هذا الادعاء.
الادعاء الثاني: تم تنفيذ عملية الاغتيال بوضع قنبلة في غرفة الإقامة التي كان يقيم فيها “هنية” قبل شهرين. وبحسب نسخة مختلفة من هذا الادعاء، فقد وُضعت القنبلة في الغرفة يوم الاغتيال. ويجادل أصحاب الادعاء بأن “هنية” استخدم دائمًا نفس بيت الضيافة والغرفة عند زيارته لإيران، وأن وحدة 8200 من الموساد قامت بتجنيد عضوين من فريق الحماية دي.إم.أو (أنصار المهدي) الذين كانوا يحرسون المجمع الذي كان يتواجد فيه “هنية”. وعليه فقد تم تفجير القنبلة الموضوعة تحت سرير “هنية” بالتحكم عن بُعد، بعد التأكد من وجود “هنية” في الغرفة، وأُخرج الأفراد المعنيون من إيران ونُقلوا إلى أوروبا بعد عملية الاغتيال.
التقييم:
لا تبدو هذه الادعاءات معقولة، خاصة أنها مبنية على افتراض أن القنبلة زُرِعت منذ فترة طويلة، لأنه لا توجد دلائل متسقة أو معقولة تدعم الادعاءات بأن “هنية” استخدم دائمًا نفس بيت الضيافة ونفس الغرفة، وأنه كان معروفًا مسبقًا أن “هنية” سيبقى هناك قبل شهرين. كما تتعارض الادعاءات الإسرائيلية المختلفة مع هذا الادعاء، لكن في الصور المنشورة بعد عملية الاغتيال يمكن رؤية آثار الحطام التي تعزز احتمالية حدوث الانفجار من الداخل إلى الخارج. لكن المثير للدهشة في الصور المنشورة بعد عملية الاغتيال، أنه لم تُرفَع بقايا الانفجار من منزل الضيافة الذي تم تغطيته بشبكة خضراء. تتسبب التحقيقات المتكررة في إيران في ظهور ادعاءات مماثلة بشكل متكرر بعد عمليات الاغتيال والتخريب المختلفة التي قامت بها إسرائيل داخل إيران، مثل الهجوم على منشأة نطنز النووية عام 2021، مما يجعل مثل هذه الحجج العامة المعتادة الصادرة من إسرائيل مشكوكًا فيها في سياق الحدث.
الادعاء الثالث:
تم تنفيذ عملية الاغتيال باستخدام صاروخ مُوجَّه مضاد للدبابات من طراز متطور أو طائرة انتحارية صغيرة تكتيكية مُسَيَّرة. وزَعُمت مصادر إيرانية أنه تم استخدام أحد صواريخ “سبايك” الإسرائيلية الموجهة المضادة للدبابات في عملية الاغتيال.
التقييم:
تبدو هذه الادعاءات معقولة بالنظر إلى الصور قبل وبعد عملية الاغتيال. وفي واقع الأمر، أكد تقرير تقييم (DMO) بشأن عملية الاغتيال أن رأس الحربة يزن 7 كجم، وأنه تم استخدام نوع من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات. علاوة على ذلك، توفر صور ما بعد الاغتيال وموقع الحرم الجامعي المُستهدَف الظروف التي تؤكد هذا الادعاء. حقيقة أن بيت الضيافة الذي وقع فيه الاغتيال يقع في سفوح جبال “البرز” ووجود ارتفاعات حول الموقع المُستهدَف تسمح باستخدام هذا النوع من الأسلحة من مسافة قريبة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن السكان المقيمين أو السياح يمكنهم رؤية بيت الضيافة الذي وقع فيه الاغتيال بوضوح من المنشآت السياحية عند سفوح جبال “البرز”. وبناءً على ذلك، تزداد إمكانية استخدام صاروخ مُوجَّه مضاد للدبابات أو طائرة انتحارية تكتيكية صغيرة مُسَيَّرة يمكن نقلها بسهولة، لكن بحسب الخبراء العسكريين، فإن الحطام المتناثر في الخارج والذي يظهر في الصور بعد عملية الاغتيال يعزز احتمال أن يكون الانفجار قد حدث من الداخل إلى الخارج. على الجانب الآخر، يمكن أن يؤدي كون رأس الحربة لصاروخ قاذف الدبابات مصنوعًا من مواد ترموباريك (مُدمِّرة للضغط) إلى نتائج مماثلة.
بشكل عام، وبالنظر إلى البيانات المتاحة والتفاصيل المحيطة بالهدف والأساليب المستخدمة في الاغتيال، يمكن القول إن العوامل الرئيسية لهذا الإجراء مثل مدى ملاءمة التأثير الانفجاري للهدف، والقدرة على الضرب الدقيق، والقدرة على الضرب الحركي، والتتبع الفوري للهدف، واستيفاء تداول التحقق المتعدد والاتصالات. بالنظر إلى هذه العوامل، يمكن القول إن الأنظمة المتطورة المُوجَّهة والتكتيكية قصيرة المدى متوافقة مع هدف الاغتيال وبيئته. من ناحية أخرى، فإن إصرار المسؤولين الإيرانيين على أن الهجوم وقع من الجو يهدف إلى خلق انطباع بأن جميع البروتوكولات الأمنية قد تم تنفيذها على الأرض وتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة. في واقع الأمر، يبدو أن جميع التصريحات التي أدلت بها إيران تركز على الهجوم الجوي.
ومن ناحية أخرى، فإن منفذي عملية الاغتيال يحفظون سرية السلاح وآلية تنفيذ عملية الاغتيال، وذلك استنادًا إلى مبدأ أمان العمليات. في المقابل، تمتنع طهران عن الكشف عن تفاصيل الاغتيال نظرًا لرغبتها في عدم كشف الثغرات الأمنية التي استفادت منها إسرائيل. يوفر هذا الوضع أيضًا ظروفًا مواتية لشن حرب نفسية ضد الأطراف المعنية، ويجعل من الصعب الحصول على إجابة واضحة عن السلاح المستخدم وآلية تنفيذ الاغتيال.”