ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “كيهان” الإيرانية الأصولية، المقربة من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية”علي خامنئي” والتي يتولي رئاسة تحريرها الصحفي الإيراني الأصولي حسين شريعتمداري، يوم الإثنين الموافق 10 مارس/آذار 2025. مقالة كتبها سيد محمد عماد أعرابي الصحفي الإيراني بصحيفة كيهان تنتقد فيها التيار الإصلاحي وتصف الإصلاحيين بأنهم “دكتاتوريون صغار”.
وأشار سيد أعرابي في المقال إلى أنه في ربيع عام 1997، عندما كان التيار المعروف بـ”اليسار” (الإصلاحيون) يستعد للانتخابات الرئاسية، كان يؤكد في خطابه ودعايته، التي كان يقودها رموز هذا التيار، على سيادة القانون والالتزام بالدستور. لكنه أضاف أنهم كانوا يقصدون من هذا التأكيد على القانون شيئا آخر، حيث كانوا يطرحون شعاراتهم بلهجة خاصة تتحدث عن “صلاحيات القيادة في إطار الدستور”، وذلك بهدف الحد من صلاحيات القائد وفقا لتفسيرهم الخاص للدستور.
لقاء خاتمي بخامنئي
تابع سيد أعرابي أنه في ذلك الوقت، ذهب محمد خاتمي إلى لقاء قائد الثورة ليعلن قراره بالترشح للانتخابات الرئاسية، قائلا: “أنا أعتقد أن القيادة يجب أن تعمل في إطار الدستور.” وكان رد قائد الثورة على هذا الكلام لافتا، حيث قال له: “أخبرته أن هذا كلام جيد جدًا، ولكنك يا سيد خاتمي ستكون أكثر من يطلب في المستقبل استخدام صلاحيات القيادة التي تتجاوز الدستور لحل مشاكل البلاد.” وأكد سيد أعرابي أن هذا ما حدث بالفعل؛ فأولئك الذين أرادوا تقييد صلاحيات القيادة كانوا الأكثر طلبا لاستخدام صلاحيات القائد فوق الدستور.
وأضاف سيد أعرابي أنه بعد سنوات، وصف القائد هذه الطلبات المتكررة من حكومة محمد خاتمي بقوله: “خلال سنوات رئاسته، كان السيد خاتمي يرسل لي مرارا رسائل يطلب فيها حل بعض القضايا التي لا يستطيع أحد غيري حلها، وكنت أجيبه بأن طلبك هذا لا يندرج ضمن إطار الدستور، فاكتب لي رسميا أن الأمر يُحل عبر صلاحيات القيادة التي تتجاوز الدستور، وقد قام بذلك مرارا وتكرارا.”
وذكر سيد أعرابي أن إحدى هذه الحالات وقعت في 25 يناير/كانون الثاني 2001، عندما تم العفو عن غلامحسين كرباسجي، السياسي الإيراني والإصلاحي البارز، الذي كان يقضي عقوبة السجن بتهمة الاختلاس وإهدار المال العام، بوساطة من محمد خاتمي وبعض أعضاء حكومته، وذلك بقرار من قائد الثورة.
وكان كرباسجي قد أُدين بارتكاب مخالفات خلال فترة رئاسته لبلدية طهران، وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين، مع إلزامه برد 160 مليون تومان (ما يعادل 247 ألف دولار في ذلك الوقت)، بالإضافة إلى دفع غرامة مالية، ومنعه من تولي المناصب الحكومية لمدة 10 سنوات. وبما أنه بدأ تنفيذ الحكم في أبريل/نيسان 1999، كان من المفترض أن يبقى في السجن حتى عام 2001 وفقًا للقانون، لكنه خرج بعد 9 أشهر فقط، بعدما استخدم قائد الثورة صلاحياته استجابة لطلب محمد خاتمي وأصدقائه، وأصدر عفوا عن بقية مدة سجنه.
انتخابات حكومة خاتمي
أشارسيد أعرابي إلى أنه بعد فترة وجيزة، في 18 فبراير/شباط 2000، أجرت حكومة محمد خاتمي أول انتخابات لها، وذلك لاختيار أعضاء الدورة السادسة لمجلس الشورى الإسلامي. كانت تجربة أعادت إلى الأذهان الذكريات المريرة لانتخابات الدورة الثالثة لمجلس الشورى الإسلامي؛ حيث كان التيار المعروف بـ”اليسار” هو الجهة المشرفة على الانتخابات آنذاك أيضًا.
وفي 1 مارس/آذار 2000، وبينما تم التأكيد على أن “معظم الدوائر الانتخابية لا تواجه مشكلات كبيرة”، تم الإبلاغ عن حدوث بعض المخالفات خلال سير الانتخابات، خاصة في دائرة طهران. وبعد مراجعة الشكاوى وإعادة فرز بعض الصناديق، شهدت نتائج بعض المرشحين تغييرات ملحوظة.
وأشارت كذلك إلى أن أحد هؤلاء المرشحين كان حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني، الذي ترشح للبرلمان عن دائرة طهران بعد مرور عامين على انتهاء فترته الرئاسية. محسن هاشمي، رئيس مكتبه آنذاك، قال: “فتحوا بعض صناديق الاقتراع، وكل صندوق كان يتم فتحه كانت نتائجه مشوهة ومعلنة كأصوات باطلة. وبعد إعادة فرز 30% من الأصوات، حلّ الحاج آقا في المرتبة العشرين… وعندما انتقل ترتيبه من المركز 30 إلى 20، أدركوا أن الانتخابات في طهران مشكوك فيها. لقد قام المتطرفون من الإصلاحيين ومسؤولوهم التنفيذيون بالتلاعب بالأصوات.”
وتابع سيد أعرابي أن غلامعلي حداد عادل، السياسي الأصولي والأكاديمي الإيراني البارز، تعرض لنفس السيناريو، حيث ارتفع ترتيبه في دائرة طهران بعد إعادة الفرز من المركز 33 إلى 28.
وأشار إلى أنه بعد تقديم مجلس صيانة الدستور شكوى، تم تحميل المعاون السياسي لوزارة الداخلية في حكومة الإصلاحيين مسؤولية وقوع مخالفات واسعة في انتخابات طهران. ومع ذلك، وكما حدث في السابق، استفاد هذا التيار من صلاحيات قائد الثورة، حيث تم إنهاء الجدل حول الانتخابات بإصدار القائد حكمًا يقضي بالمصادقة على النتائج بعد إبطال الصناديق المشبوهة، ليُغلق بذلك ملف انتخابات الدورة السادسة لمجلس الشورى الإسلامي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، لجأ الإصلاحيون مرة أخرى إلى صلاحيات قائد الثورة لتنفيذ إجراء يتجاوز القانون. حيث قام رئيس وعدد من نواب الدورة السادسة لمجلس الشورى الإسلامي، الذين كانوا ينتمون إلى هذا التيار السياسي، بكتابة رسالة إلى قائد الثورة يطلبون فيها العفو عن عبدالله نوري، أول وزير داخلية في حكومة محمد خاتمي.
وكان عبدالله نوري قد أُدين في ديسمبر/كانون الأول 1999 بتهم إهانة المقدسات، ونشر الأكاذيب، والعمل ضد الأمن القومي وغيرها، خلال فترة إدارته لصحيفة “خرداد”، وحُكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، ما يعني أنه كان ينبغي أن يظل في السجن حتى عام 2004 وفقا للقانون. لكن، وبناء على طلب الإصلاحيين، وبتوجيه حكم من قائد الثورة، لم يتم تنفيذ بقية العقوبة، وحصل عبدالله نوري على عفو عن المدة المتبقية من سجنه.
وأفاد سيد أعرابي أنه في يناير/كانون الثاني 2005، كان هناك مثال آخر على استفادة الإصلاحيين من حكم قائد الثورة. حيث طالب نواب الدورة السابعة لمجلس الشورى الإسلامي، وفقًا لصلاحياتهم القانونية، باستجواب مرتضى حاجي، وزير التربية والتعليم آنذاك، وعبدالواحد موسوي لاري، وزير الداخلية في حكومة محمد خاتمي الثانية. تمت التحضيرات اللازمة للاستجواب، لكن في 24 يناير/كانون الثاني 2005، وجه قائد الثورة رسالة إلى غلامعلي حداد عادل، رئيس المجلس آنذاك، منع فيها هذا الإجراء.
وقد اعتبر قائد الثورة في رسالته أن استجواب الوزراء في الأشهر الأخيرة من حكومة الإصلاحيين ليس في مصلحة البلاد، ما أدى إلى إلغاء هذه الخطوة.
الانتخابات الرئاسية
قال سيد أعرابي إنه بعد بضعة أشهر، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية للدورة التاسعة في ربيع 2006، لجأ الإصلاحيون، الذين كانوا يسعون وفق تصورهم إلى تقييد صلاحيات القيادة في الدستور، مرة أخرى إلى الصلاحيات الخاصة لقائد الثورة. حيث تمكنوا، رغم رفض مجلس صيانة الدستور لأهلية مرشحيهم، من إدخال بعض مرشحيهم إلى السباق الانتخابي بفضل تدخل قائد الثورة.
ومع ذلك، وبسبب أدائهم الضعيف والمثير للجدل على مدى 8 سنوات، لم يحظَ أي من مرشحيهم بدعم الشعب. ومع أن الإصلاحيين فشلوا في الفوز بالانتخابات، إلا أن التاريخ سجل أنهم، منذ اليوم الأول لتوليهم السلطة وحتى آخر لحظات وجودهم فيها، كانوا يسعون إلى كسر الأطر القانونية، وتجاوز القوانين، والقيام بإجراءات تتجاوز الدستور.
وأضاف سيد أعرابي أنه على الرغم من أنهم كانوا يرفعون شعارات سيادة القانون، إلا أنهم لم تكن لديهم علاقة جيدة بالقانون؛ وكما كانوا يدّعون تقبّل النقد وتحمل المعارضة، لم يترددوا في إقصاء منتقديهم وخصومهم السياسيين بكل الوسائل.
وتابع أنه في صيف 2017، عندما تشكّل مجلس بلدية طهران للدورة السابعة بأغلبية منتمية لهذا التيار، كان الجميع يعتقد أن محسن هاشمي هو الخيار الأفضل لمنصب عمدة طهران، حتى إنه كان يرى ذلك بنفسه. لكن، وبما أن انتقال محسن هاشمي من مجلس البلدية إلى منصب العمدة كان سيؤدي إلى استبداله بعضو من التيار المنافس داخل مجلس البلدية، فإن الإصلاحيين، الذين يزعمون تحمل المعارضة، رفضوا ذلك تمامًا، ولم يوافقوا على تعيينه.
ورغم أنهم خلال أربع سنوات من إدارتهم للبلدية قاموا بتغيير ثلاثة عمداء، إلا أنهم، خوفا من وجود معارض بينهم، لم يكونوا مستعدين لتعيين محسن هاشمي، رغم خبرته الطويلة في مجال الإدارة الحضرية، كعمدة لطهران.
وحتى محمد جواد ظريف، الذي يُعتبر أحد رموز هذا التيار السياسي، انتقد أصدقاءه في فبراير/شباط 2024، قائلًا: “في رأيي، التيار اليساري يتفوق على التيار اليميني في احتكار السلطة.”
تجاوزات الاصلاحيين
أشار سيد أعرابي إلى أن الأحداث الجارية اليوم تُذكّر مرة أخرى بتجاوزات هذا التيار، الذي يدّعي دائمًا احترام القانون لكنه يسعى إلى احتكار السلطة. ورغم أن ملف لوائح “FATF” قد أُغلق قبل سنوات وفقا للقانون في مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلا أنهم، عبر اللجوء إلى صلاحيات قائد الثورة، أعادوا الموضوع مجددًا إلى المجمع لمراجعته.
ورغم أن مشروع قانون “دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة الحجاب” قد أُقرّ في البرلمان وصادق عليه مجلس صيانة الدستور وأصبح قانونا رسميا، إلا أنهم رفضوا الالتزام بتنفيذه، ولجؤوا إلى طريق التفاف جديد عبر أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي لتعطيله.
كما أنهم دعموا لمدة 9 أشهر بقاء محمد جواد ظريف بشكل غير قانوني في منصب مساعد الرئيس الاستراتيجي، وعندما تم تنفيذ القانون وإقالته، تصرفوا وكأنهم أصحاب حق!
وقال سيد أعرابي إن آخر مثال يتعلق باستجواب عبدالناصر همتي، وزير الاقتصاد السابق، الذي لم يكن لديه سجل يُذكر في تحسين الأوضاع الاقتصادية، بل لم ينجح حتى في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي. وبناءً على واجباته القانونية، قام مجلس الشورى الإسلامي باستجوابه دفاعًا عن حقوق الشعب، لكن هذا الإجراء القانوني لم يحتمله التيار الغربي الهوى الذي يدّعي الإصلاح، لدرجة أن بعض الشخصيات التابعة لهم تساءلت “لماذا لا يمتلك رئيس الجمهورية صلاحية حلّ البرلمان؟”!
واختتم المقال إن غربيّي الهوى المدّعين للإصلاح جماعة قليلة ولكن صاخبة، وكما هو حال قدواتهم في الغرب، ليسوا سوى مجموعة من الشعارات الفارغة. إنهم طغاة محدودو التأثير، لا يقبلون أي إطار قانوني، ويسعون بجشع لاحتكار جميع مفاصل السلطة لأنفسهم فقط.