كتب: مصطفى أفضل زادة، مراسل “زاد إيران” في طهران
ترجمة: علي زين العابدين برهام
يعتبر الازدحام المروري أحد أبرز التحديات التي تواجه العاصمة الإيرانية طهران، وقد تحول منذ سنوات إلى هاجس رئيسي يشغل بال المواطنين والمسؤولين على حد سواء. هذه المشكلة لا تقتصر على هدر أوقات ملايين الأشخاص يوميا، بل تتسبب أيضا في تكاليف باهظة، سواء من حيث استهلاك الوقود، أو تلوث الهواء، أو الضغوط النفسية التي يتحملها السائقون. ويُعزى تفاقم هذه الأزمة إلى النمو المتسارع لعدد سكان طهران، وتزايد أعداد السيارات الخاصة، إلى جانب ضعف البنية التحتية للنقل العام.
على مدار العقود الماضية، بذلت بلدية طهران جهودا حثيثة للحد من هذه الأزمة، من خلال تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة، وتوسيع شبكة النقل العام، وفرض قيود مرورية صارمة. وشملت هذه الجهود تطوير شبكة الطرق السريعة، وتوسيع خطوط المترو، وإطلاق أنظمة النقل السريع مثل حافلات الـ”BRT”، إضافة إلى تطبيق خطط تنظيم المرور مثل “خطة التردد المروري”، إلى جانب برامج تهدف إلى تقليل اعتماد المواطنين على السيارات الخاصة.
ويُمكن إرجاع أسباب ازدحام المرور في طهران إلى عدة عوامل متداخلة، من أبرزها النمو السكاني المتسارع، وارتفاع عدد السيارات الخاصة، وعدم مواكبة البنية التحتية لاحتياجات السكان، فضلا عن قصور في إدارة البلدية، وتغير أنماط السكن والعمل.
كما يعد التركز السكاني الكثيف في المناطق الوسطى والشمالية للمدينة أحد الأسباب الرئيسة، حيث يؤدي إلى تزايد الرحلات اليومية إلى هذه المناطق، ما يُثقل الشوارع الرئيسية المتجهة نحو وسط المدينة بحركة مرورية خانقة.
يشكّل تزايد أعداد السيارات الخاصة عاملا رئيسيا في تفاقم أزمة المرور بطهران. إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد السيارات في المدينة قد تضاعف عدة مرات خلال العقدين الماضيين، في حين لم تُواكب البنية التحتية للطرق هذا النمو المتسارع.
إضافة إلى ذلك، لم تكن شبكة الشوارع والمعابر في طهران مُصممة أساسا لاستيعاب هذا الحجم الكبير من حركة المرور، كما أن توسع المدينة وتغير أنماط التنقل أديا إلى عجز العديد من الشوارع القديمة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المركبات.
ومن الأسباب الجوهرية الأخرى، ضعف منظومة النقل العام في فترات مختلفة. فبينما سارعت المدن المتقدمة إلى تعزيز أنظمة النقل العام للحد من الازدحام، ظلت طهران حتى العقود الأخيرة تفتقر إلى شبكة فعالة للنقل، سواء عبر المترو أو الحافلات السريعة.
وقد أدى التأخر في تطوير النقل العام إلى اعتماد شريحة واسعة من السكان على السيارات الخاصة، مما ساهم بشكل مباشر في تعميق أزمة المرور.
وفي السنوات الأخيرة، شرعت بلدية طهران في تنفيذ سلسلة من المشاريع الهادفة إلى تخفيف الضغط المروري عن العاصمة، حيث حققت بعض هذه المبادرات نتائج ملموسة. وشملت هذه الجهود توسعة شبكة الطرق السريعة، وتطوير منظومة النقل العام، وفرض قيود مرورية جديدة، بالإضافة إلى إدخال تعديلات على السياسات الحضرية لدعم هذه التوجهات.
من أبرز الخطوات المتخذة في مجال تطوير البنية التحتية الحضرية في طهران، توسعة شبكة الطرق السريعة التي شكّلت ركيزة أساسية للتخفيف من حدة الازدحام المروري. ففي العقود الأخيرة، تم بناء العديد من الطرق السريعة بهدف زيادة القدرة الاستيعابية وتقليل الاختناقات المرورية.
خلال فترة إدارة غلام حسين كرباسجي، رئيس بلدية طهران حينها، أُطلقت مشاريع كبرى مثل طرق «همت»، «حكيم» و«نيايش»، التي ساهمت بشكل ملموس في تحسين حركة المرور داخل العاصمة. وفي عهد محمد باقر قاليباف، اكتمل مشروع تطوير طريق «الإمام علي» السريع، أحد المشاريع الرئيسية، والذي أنشئ ليكون محورا شماليا-جنوبيا، يهدف إلى تخفيف الضغط عن الشوارع المركزية.
ويبلغ الطول الإجمالي لشبكة الطرق السريعة في طهران حاليا أكثر من 500 كيلومتر، تم إنشاء القسم الأكبر منها خلال العقدين الأخيرين.
إلى جانب ذلك، كان لتطوير منظومة النقل العام، وخاصة مترو الأنفاق، دور محوري في مواجهة أزمة المرور. فقد بدأ مترو طهران عمله قبل نحو 30 عاما، واليوم يُعد من أهم أعمدة النقل في المدينة، إذ يمتد لأكثر من 250 كيلومترا ويضم 7 خطوط رئيسية. وقد أدى توسّع خطوط المترو وزيادة عدد المحطات إلى تقليل اعتماد المواطنين على السيارات الخاصة. كما وضعت خطط مستقبلية لتوسيع هذه الشبكة وتحسين خدماتها، بهدف تغطية أوسع لمناطق العاصمة.
وفي الإطار ذاته، جاء تطوير منظومة الحافلات السريعة (BRT) كخطوة فعالة أخرى في ضبط الحركة المرورية. فقد انطلق هذا النظام عام 2007، ويضم حاليا أكثر من 10 خطوط، بطول يزيد عن 150 كيلومترا، ويلعب دورا مهما في نقل أعداد كبيرة من الركاب.
ويتميز BRT بمروره في مسارات مخصصة، ما يقلل بشكل كبير من زمن الرحلة، ويجعله خيارا مفضّلا للحد من الاعتماد على السيارات الخاصة، لا سيما في الطرق المزدحمة.
وتتيح هذه الحافلات، من خلال محطاتها المحددة ومساراتها المنفصلة التي تمر عبر الشوارع الرئيسية والطرق السريعة، تجربة تنقل سريعة ومنتظمة دون توقفات متكررة. وقد أثبت هذا النظام فاعليته في تقليل الضغط المروري على محاور حيوية مثل شوارع “انقلاب”، “ولي عصر” و”آزادي”.
سعت إدارة مدينة طهران إلى تقليل حجم السيارات الداخلة إلى المناطق المكتظة من خلال تنفيذ خطط للتحكم في المرور، مثل خطة المرور الرئيسية وخطة «الزوجي والفردي». فقد طُبّقت خطة المرور منذ سنوات في المنطقة المركزية للعاصمة، بهدف الحد من عدد السيارات الخاصة داخل هذه المنطقة.
وتشترط هذه الخطة حصول السيارات على تصاريح خاصة لدخول المنطقة، تُمنح بشكل يومي أو سنوي، وتُدار حاليا عبر نظام مراقبة بالكاميرات التي ترصد حركة الدخول والخروج، حيث تُفرض غرامات على السائقين الذين يدخلون دون تصريح.
أما خطة «الزوجي والفردي»، فهي إحدى المبادرات الأخرى التي اعتمدتها إدارة المدينة للتخفيف من الازدحام. وبموجب هذه الخطة، كان يُسمح للسيارات بالتنقل في أيام معينة استنادا إلى الرقم الأخير في لوحة ترخيصها؛ حيث سُمح للسيارات التي تنتهي لوحاتها برقم زوجي بالتجول في الأيام الزوجية، بينما خُصصت الأيام الفردية للسيارات ذات الأرقام الفردية. وقد تم لاحقا تعديل هذه الخطة لتصبح ضمن «خطة الحد من تلوث الهواء»، والتي تُطبق بناء على مؤشرات جودة الهواء.
تبقى أزمة المرور في طهران تحديا معقدا ومتعدد الأبعاد، يتطلب معالجته اتخاذ مجموعة من الإجراءات المنسقة والمستدامة على المدى الطويل. وعلى مدار السنوات الماضية، بذلت إدارة المدينة جهودا ملحوظة عبر تطوير البنية التحتية الحضرية، وتحسين أنظمة النقل العام، وفرض قيود مرورية، للحد من هذه المشكلة.
ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، مثل ازدياد عدد السيارات الخاصة، وعدم ملاءمة توسّع المدينة لقدرة الشوارع، والحاجة إلى تعزيز أكبر لمنظومة النقل العام. ولا يمكن تحقيق تحسّن فعلي في أوضاع المرور إلا من خلال اعتماد خطة شاملة ومتكاملة، تضمن جودة حياة أفضل لسكان طهران.