في هذا الحوار مع “زاد إيران” نستكشف مع الباحث السياسي الإيراني محمد محبوبي، باحث دكتوراه العلوم السياسية في جامعة طهران، تداعيات وفاة إبراهيم رئيسي على الداخل الإيراني؟ وانتقال السلطة في إيران إلى الجيل الثاني للثورة؟ وكذلك استمرار نهج حسن الجوار مع دول الإقليم خلال الفترة القادمة. فإلى نص الحوار:
كيف تقرأ تداعيات وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي على الداخل الإيراني؟
كانت وفاة الرئيس الإيراني بمثابة ضربة كبيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن وفاته لا تعني نهاية شؤون البلاد الداخلية. فآية الله رئيسي هو ثاني رئيس شهيد لإيران بعد محمد علي رجائي. واستشهد رجائي في عملية تفجير في عام 1981، كما استشهد رئيسي خلال إحدى رحلات عمله إلى المناطق الحدودية للبلاد. حدث كانت له رسالة واضحة للإيرانيين.
ترك الدكتور رئيسي بعض الممارسات الجيدة التي يمكن اعتبارها نموذجاً يحتذى للرؤساء القادمين. كانت المثابرة والعمل الجاد والاهتمام بالمحرومين والكفاءة والبساطة من سماته المميزة التي يمكن أن تؤثر على الثقافة السياسية لإيران. وإضافة إلى الاهتمام بالمحتاجين في الداخل، فقد اهتم أيضاً بالمستضعفين في الخارج، وأراد تعزيز جبهة المقاومة والشعوب المضطهدة. وإذا استمرت حكومة الدكتور رئيسي فترة على الأقل أو فترتين كحد أقصى (أي ثماني سنوات)، فإن سماته الشخصية ونتائج خدماته الحكومية يمكن أن تكون لها آثار مهمة على الثقافة السياسية في إيران. ومع ذلك، فإن شهادته في رحلة عمل إلى المناطق البعيدة من البلاد، يمكن أن ترفع هذه السمات كنموذج في الثقافة السياسية للبلاد.
هل يعيد رحيل رئيسي بطريقة مفاجئة مأساوية تفعيل الحراك بين الإصلاحيين والمحافظين؟
على الرغم من أن آية الله رئيسي كان شخصية يحددها تيار الأصوليين، فإنه حاول أن يكون رئيساً وطنياً وألا يقحم نفسه في الخلافات السياسية والفئوية بين الأحزاب والجماعات الداخلية، وكان يركز على واجبات الحكومة وخدمة الشعب. لذلك، خلال فترة رئاسته، كان هناك حد أدنى من التوتر بين الحكومة والإصلاحيين.
لهذه الأسباب، وبعد وفاة رئيسي واقتراب الانتخابات، هناك احتمال أن يتفاقم الصراع السياسي بين الأصوليين والمعتدلين والإصلاحيين. ويُظهر هذا الصراع السياسي، الذي نشهده عادة في الانتخابات الإيرانية، ديناميكية وحرية السياسة في إيران، ولدى جميع الأطياف السياسية إمكانية التصرف والتعبير عن رأيهم والمشاركة في السياسة.
ما أهم الملفات التي تنتظر خليفة رئيسي داخل إيران وخارجها؟
يواجه كل رئيس يحل محل رئيس سابق، عدة ملفات مهمة في سياسة إيران الداخلية والخارجية. وفي السياسة الداخلية، يبدو أن القضية الأهم بالنسبة للرئيس القادم هي تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للشعب. وتزداد أهمية هذه القضية وتعقيدها عندما نعلم أنها مرتبطة بقضيتين مهمتين في السياسة الخارجية: القضية النووية، والعقوبات الأمريكية الصارمة. سيكون حل هذه المشكلة هو الأولوية الأهم لكل رئيس؛ لأن العقوبات الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها أثرت بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي للمجتمع الإيراني لعدة سنوات. كما أن المشاكل الاقتصادية ومبيعات النفط والتجارة الخارجية وغيرها من القضايا، كلها تعتمد على حل هذه القضية.
وفي السياسة الخارجية، فإن القضية الأهم أمام الرئيس الجديد هي قضية فلسطين وجرائم الصهاينة. إن قضية فلسطين في الجمهورية الإسلامية وبين مختلف القوى والأحزاب السياسية، قضية وطنية يتزايد الإجماع عليها. لدى جميع المرشحين الرئاسيين وجهة نظر مشتركة بشأن القضية الفلسطينية، وبهذا المعنى لن يكون هناك اختلاف كبير في السياسة الخارجية الإيرانية. وإضافة إلى القضية الفلسطينية، من المؤكد أن الرئيس المقبل سيولي التفاعل مع روسيا والصين اهتماماً خاصاً، لأن مشاركة إيران في النظام الجديد الذي يتطور في المنطقة هي إحدى السياسات الرئيسية للجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة. كما سيتم اعتبار دبلوماسية الجوار والتواصل مع دول الجوار بديلاً عن رئيسي.
هل إيران على وشك الانتقال لحكم الجيلين الثاني والثالث للثورة؟
نعم، يبلغ عمر الجيل الأول من الثورة الآن نحو 70 عاماً، وكما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، فإن الجيل الجديد من الحكام يصل إلى السلطة تدريجياً. على سبيل المثال، في حكومة السيد روحاني، وُلد وزير الاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، في السنوات التي تلت الثورة، أو كان هناك عدة أشخاص وُلدوا بعد الثورة بين نواب السيد رئيسي ووزرائه. نائب الرئيس التنفيذي محسن منصوري، ووزير الاقتصاد سيد إحسان خاندوزي، ووزير الاتصالات عيسى زارع بور، ووزير العمل السابق حجة الله عبد الملكي، ووزير الطرق مهرداد بازارباش، كلهم وُلدوا بعد انتصار الثورة الإسلامية. وفي المستويات المتوسطة والدنيا من مديري البلاد، نشهد قدوم الأجيال القادمة.
كيف تنظر إلى استراتيجية إيران مع دول الجوار والإقليم في الفترة القادمة؟
ليس لدى المرشحين الرئاسيين الرأي نفسه في دبلوماسية الجوار والدبلوماسية الإقليمية، ومن السابق لأوانه الحكم على هذه القضية. وبشكل عام، لا يوجد فرق كبير بين هؤلاء في قضايا مثل فلسطين ودول المقاومة مثل سوريا واليمن. ومن سيحل محل آية الله رئيسي، فإن سياسة حكومته ستستمر في هذه المجالات. ولكن في ما يتعلق بجيران إيران، فقد يتم تطبيق سياسات مختلفة. بعض الأطراف والأفراد في إيران يؤيدون بشكل جدي، الدبلوماسية الاقتصادية من خلال الاعتماد على قدرات دول الجوار واستغلال الممرات الإقليمية على وجه التحديد. لكن آخرين يرون أن هذه السياسة ليست حلاً حقيقياً ونهائياً، بل هي مجرد مسكن مؤقت.
كيف تنعكس مؤشرات العلاقات الإيرانية مع القوى الإقليمية على ملفات، اليمن، العراق، البحرين، لبنان، سوريا، المقاومة الفلسطينية، السودان؟
أغلب الدول التي ذكرتها هي دول مقاومة، وكما قلت سابقاً فإن علاقات إيران مع دول المقاومة مثل اليمن وسوريا وفلسطين والعراق واليمن لن تختلف كثيراً. إن آراء المرشحين الرئاسيين، سواء كانوا أصوليين أو إصلاحيين، متشابهة إلى حد كبير مع بعضها البعض، ومن غير المتوقع حدوث تغيير كبير في سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانيۀ. ولذلك يبدو أن علاقات إيران مع القوى الإقليمية في هذه الملفات هي استمرار لفترة رئيسي؛ ومع ذلك، من الممكن إجراء تغييرات طفيفة وتكتيكية.
لماذا تدعم إيران قوى خارج نسق الدولة كحزب الله في لبنان والحوثي في اليمن، ولا تدعم الدولة نفسها؟
إن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه هذه الجماعات والقوی، إضافة إلى أصولها الإسلامية والثورية، تنبع من دستورها. تنص المبادئ المختلفة للدستور الإيراني، خاصةً المادة الـ154، على أنه مع الامتناع التام عن أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإن النضال المشروع للمظلومين والمحرومين ضد المستكبرين في كل نقطة يدعم العالم. في المادة الـ11 من الدستور، تم تأكيد وحدة المسلمين في جميع أنحاء العالم. وعلى هذه المادة، وبحسب الآية الكريمة “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، فالمسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تبني سياستها العامة على أساس تحالف ووحدة الشعوب الإسلامية.
برأيك.. هل يجب على إيران تقديم تطمينات للقوى الاجتماعية الإسلامية التي ترتاب من التشيع وسط الحواضن السنية؟
برأيي، إيران لا تسعى إلى ترويج المذهب الشيعي في الدول السنية. الأصل هو تحرير مظلومي ومحرومي الأمة الإسلامية من أيدي المستكبرين. ومن الأمثلة البارزة على ذلك حركات المقاومة الفلسطينية.
التمدد الإيراني في أفريقيا ما هو مبتغاه؟ وما هي نتائجه حتى الآن؟
من المبادرات التي تمت خلال فترة رئيسي، السياسة الخارجية المتوازنة، مما جعل إيران تولي الدول الأفريقية اهتماماً أكبر. على سبيل المثال، زار الرئيس الإيراني كينيا وزيمبابوي وأوغندا في عام 2023، ووقع 21 وثيقة تعاون اقتصادي مع هذه الدول. كان استيراد اللحوم من كينيا، وبدء الزراعة خارج الحدود الإقليمية في أوغندا، وتخليص المنتجات البتروكيماوية مع الدول الأفريقية جزءاً من إنجازات تعاون إيران مع الدول الأفريقية. إن أهداف هذه السياسة الخارجية المتوازنة هي توسيع قدرات إيران السياسية والاقتصادية، وإيجاد شركاء اقتصاديين جدد.
والآن بعد أن وجدت الدول الأفريقية مكاناً خاصاً في السياسة الخارجية الإيرانية وأصبحت شريكاً استراتيجياً لإيران، يبدو أن الرئيس المستقبلي سوف يغتنم هذه الفرصة وهذه القدرة.