تقرير – مراسل ” زاد إيران” في طهران مصطفى أفضل زاده
ترجمة: هاجر كرارة
يعتبر كتاب “محطة شارع روزفلت” من أهم المراجع التي تتناول أحداث احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران. يقدم المؤلف محمد محبوبي سردا دقيقا وموثقا لهذه الأحداث، بدءا من الأوضاع التي كانت سائدة في السفارة الأمريكية قبل الثورة الإيرانية، وصولا إلى عملية الاحتجاز وتداعياتها.
يُحتفل في إيران بيوم الثالث من نوفمبر /تشرين الثاني من كل عام كيومٍ لـ”مجابهة الاستكبار العالمي”.
قبل أكثر من ستين عاما، في مثل هذا اليوم، تم نفي “الخميني” إلى تركيا. كان السبب احتجاجه على إقرار قانون “الحصانة القضائية” للأمريكيين في إيران. وهي مسألة اشتهرت في الأدب الإيراني المعاصر باسم الاحتجاج على تنازل الدولة عن جزء من سيادتها القضائية لصالح دولة أجنبية
أيضا، في مثل هذا اليوم وقبل أشهر قليلة من انتصار الثورة الإسلامية، استشهد بعض الطلاب الذين شاركوا في المظاهرات ضد الشاه. ولهذا السبب، يُعتبر هذا اليوم أيضا “يوم الطالب”.
ولكن قبل خمسة وأربعين عاما، في مثل هذا اليوم، دخل ما بين 400 و 450 طالبا إيرانيا سفارة الولايات المتحدة في طهران واستولوا عليها. كان الهدف من هذا العمل هو الاحتجاج على استقبال الولايات المتحدة للشاه ورفض طلب إيران إعادته ومحاكمته. كان الطلاب يعتزمون في البداية الاعتصام فقط واتخاذ إجراء رمزي احتجاجي، ولكن سرعان ما اكتشفوا، بعد حصولهم على وثائق سرية من السفارة، أن هذا المكان كان في الواقع مركزا لتدبير المؤامرات ضد الثورة الإسلامية الوليدة. وقد أطلق هؤلاء الطلاب على أنفسهم اسم “الطلاب التابعين لخط الإمام”.
بعد استيلاء الطلاب على السفارة، وتلقيهم رسالة من “الخميني” يؤيد فيها تصرفهم، والتي وصلت إليهم عبر محمد موسوي الخميني، في اتصال هاتفي بمكتب الإمام، تغيرت خطة الطلاب. فبدلا من الاعتصام الرمزي لمدة يومين، أصبحوا يفكرون في أهداف أعلى وأكثر أهمية.
بعد مرور قرابة خمسة عقود على هذا الحدث التاريخي، لم يتم إنتاج أعمال ثقافية مناسبة له في إيران بالشكل المطلوب.
قبل أقل من عام، أصدر معهد الدراسات والأبحاث السياسية كتابا جديدا يتناول جوانب مختلفة أدت إلى هذه الحادثة، والتي تعتبر بالفعل نقطة تحول في تاريخ العلاقات بين إيران وأمريكا. يتناول هذا الكتاب بالتفصيل عملية تطور هذا الحدث ونتائجه وإنجازاته النهائية.
محمد محبوبي، طالب دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة طهران، هو باحث شاب ألف كتاب “محطة شارع روزفلت”.
صدر منذ أيام، تقريظ من زعيم المرشد الأعلى لهذا الكتاب، حيث اعتبر تأليف كتب من هذا النوع ضرورة مُلحة في ظل الظروف الراهنة التي تشهد حربا ضارية على مستوى الروايات والأفكار، وهي حرب ناعمة تعد من أخطر أنواع الحروب في الوقت الحالي.
أشار مؤلف هذا الكتاب، خلال حفل إطلاق كتابه الذي تضمن تقريظا لـ”آية الله خامنئي”، إلى أن الرواية السائدة في ذلك الوقت كانت تزعم أن جمع المعلومات عن دولة ما، يُعتبر جزءا من المهام الاعتيادية لأي سفارة في تلك الدولة، وأن هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال الاعتداء على السفارة واحتلالها، إلا أن الأحداث اللاحقة كشفت زيف هذه الرواية، فقد أظهرت الوثائق التي تم العثور عليها داخل السفارة، أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخطط لتنفيذ انقلاب عسكري ضد الثورة وإسقاط النظام الإسلامي، وهو ما يُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
جدير بالذكر أن الأمريكيين قبل استسلامهم وتسليم السفارة للطلاب، قاموا بتدمير معظم الوثائق الموجودة فيها؛ فقد قاموا بتمزيق بعضها وتحويل كميات كبيرة منها إلى شرائح صغيرة. ولكن سرعان ما تمكن الطلاب في خطوة حماسية وجهادية مذهلة، من إعادة تجميع قطع الأوراق الممزقة ووضعها جنبا إلى جنب، مما مكنهم من استعادة الوثائق وترجمتها ونشرها. وقد أدى ذلك إلى إنتاج عدة مجلدات من وثائق السفارة، وكان لهذه المعلومات تأثير كبير على الأحداث المستقبلية في إيران.
كتاب “محطة شارع روزفلت” هو كتاب يتكون من 12 فصلا، يستهل أحداثه من فترة ما بعد انتصار الثورة في إيران، ويسعى إلى تقديم صورة شاملة للعلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الممتدة من عام 1979م إلى عام 1981م. وفي هذا المسار، يستند الكتاب إلى مصادر أولية نشرت بعضها لأول مرة بعد أكثر من أربعين عاما.
يشير الكاتب في مقدمته للكتاب إلى وجهين للغموض في عنوان الكتاب “شارع روزفلت”، أولا، يشير إلى الشارع الذي كانت تقع فيه السفارة الأمريكية في طهران والذي تم تغيير اسمه لاحقا إلى شارع الشهيد “مطهري”. ويشير أيضا إلى المقر الإقليمي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في طهران والذي كان يقع في هذه السفارة وفي هذا الشارع ثانيا، يرى أن قضية احتلال السفارة بمثابة “محطة” يجب على الباحثين في التاريخ المعاصر لإيران التوقف عندها والتأمل فيها وتحديد موقفهم منها.
لكنه لا يشير إلى جانب آخر من هذا الاسم، وهو أن 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 والأحداث التي تلته كانت بمثابة نقطة توقف نهائية لأنشطة السفارة الأمريكية في شارع روزفلت بطهران.
سيتعرف قارئ هذا الكتاب على واقعة أول اقتحام للسفارة الأمريكية، والتي حدثت بعد ثلاثة أيام فقط من انتصار الثورة، والتي نسبت بعض الأطراف حدوثها إلى الأمريكيين أنفسهم، بينما نسبها البعض الآخر إلى جماعات مرتبطة بالاتحاد السوفيتي. يمكن للقارئ مقارنة هذه الواقعة بواقعة اقتحام السفارة واحتجاز الرهائن. كما سيتمكن من فهم موقف الولايات المتحدة الأمريكية من وجود الشاه الإيراني على أراضيها، وهي قضية ساهمت بشكل كبير في تأجيج مشاعر الغضب لدى الشعب الإيراني ضد الولايات المتحدة.
ويتطرق الكتاب أيضا إلى تفاصيل الأنشطة الطلابية التي تم تنفيذها، والأشخاص الذين شاركوا فيها، والمؤيدين والمعارضين لها. ثم ينتقل إلى شرح تفصيلي للمسار السياسي الذي سارت عليه العلاقات بين البلدين، وضمن ذلك المفاوضات الرسمية وغير الرسمية، ومواقف الخميني، ومجلس الثورة، والبرلمان الإيراني، وغيرها من المؤسسات النظامية.
وفي قسم آخر من الكتاب، نجد سردا لقصة عملية عسكرية سرية تُعرف باسم “مخلب العقاب” نفذتها القوات المسلحة الأمريكية في صحراء طبس شرق إيران؛ عملية باءت بالفشل وانتهت بتدمير بعض الطائرات وسقوط عدد من الجنود الأمريكيين في الأراضي الإيرانية.
يكشف الكاتب في ختام كتابه عن تفاصيل المفاوضات التي جرت بين إيران وأمريكا، والتي أسفرت عن إبرام اتفاقية الجزائر عام 1981م، والتي كانت السبب في تحرير الرهائن بعد أكثر من عام في الأسر.
في عام 1979م، نظم سائقو التاكسي بطهران وقفة احتجاجية أمام السفارة الأمريكية؛ تعبيرا عن دعمهم لعملية احتلال السفارة التي نفذها طلاب إيرانيون متأثرون بأفكار “الخميني”.