ترجمة: شروق السيد
شهدت إيران خلال العقد الأخير ارتفاعا ملحوظا في معدلات الفقر واضطرابات في مؤشرات النمو الاقتصادي، مما خلق ضغوطا متزايدة على صناع القرار لمواجهة تحديات التضخم وتدهور القوة الشرائية للمواطنين، ومع وصول نسبة الفقر إلى 30.1% من إجمالي السكان في عام 2023، أصبح من الضروري معالجة هذا الوضع من خلال إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على قطاع النفط وتحقيق استقرار مالي مستدام، وفي هذا الصدد، سلط الموقع الإيراني “دنياي اقتصاد”، الضوء على هذه الأزمة، مناقشا العوامل المؤثرة في استقرار الفقر وأبرز التوصيات لتحسين الاقتصاد.
أظهرت أحدث الدراسات التي أجرتها المؤسسات البحثية أن نسبة الفقر في إيران وصلت في عام 2023 إلى 30.1% من إجمالي سكان إيران، بزيادةٍ قدرها 0.4 نقطة مئوية مقارنة بالعام السابق، كانت نسبة الفقر في بداية العقد 2011 عند مستوى 20%، إلا أنها ارتفعت إلى 31% بعد عام 2019 نتيجة لزيادة معدل التضخم وتراجع النمو الاقتصادي، وخلال السنوات الخمس الأخيرة، لم يحدث تحسن يُذكر في تقليل نسبة الفقر، حيث لا يزال ثلث سكان إيران يعيشون في الفقر.
لكن، ما الذي يجب فعله للحد من الفقر وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين؟ يؤكد مركز الأبحاث التابع للبرلمان في تقرير له، بعد استعراض آخر المستجدات في الاقتصاد الإيراني، أن على صناع القرار تجنب التقاعس وتأجيل الإجراءات، واعتماد سياسات إصلاح تدريجي لحل جزء من الاختلالات الموجودة. ويشدد التقرير على ضرورة اتخاذ حلول مناسبة لمواجهة عدم الاختلالات في قطاعات الطاقة والبنوك، والعجز في الميزانية، وسياسات استقرار الأسعار.
تشير دراسة حديثة إلى أن نسبة الفقر في عام 2023 ارتفعت بمقدار 0.4 نقطة مئوية مقارنة بعام 2022، لتصل إلى 30.1%، وهذا يعني أن ثلث الإيرانيين لم يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم الأساسية خلال العام الماضي، اللافت أن نسبة الفقر قد استقرت عند 30% خلال السنوات الخمس الماضية، ومن المتوقع أن تظل كذلك في عام 2025 كما وصل مؤشر فجوة الفقر هذا العام إلى 0.28.
على الرغم من أن النمو الاقتصادي يعد أحد العوامل الأساسية في تقليل الفقر، فإن نسبة الفقر في إيران تزايدت بالرغم من تحقيق الاقتصاد نموا قدره 4.5% في عام 2023، السبب الرئيسي في ذلك هو الاعتماد الكبير على قطاع النفط، وبعبارة أخرى فإن النمو الاقتصادي غير شامل لكافة القطاعات.
ويشير ارتفاع معدل نسبة الفقر إلى أن سياسات الدعم الحكومية لم تكن ناجحة في السنوات الأخيرة، إذ باتت تكلفة الالتزامات المتمثلة في الدعم عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة، يرى الخبراء حاليا أن الأسباب الرئيسية لانتشار الفقر تكمن في اضطراب الاقتصاد الكلي، وخاصة في ارتفاع معدلات التضخم المتواصل. ولهذا، ينصح الخبراء صناع القرار بالتركيز على استقرار الاقتصاد وكبح التضخم؛ حيث يؤدي استمرار التضخم المرتفع إلى صعوبة الخروج من الفقر ويقلل من فعالية السياسات التمكين والدعم.
ضافة إلى مسألة الفقر، يُتوقع أن يصل معدل النمو الاقتصادي في عام 2025 إلى 2.8%، وأن ينخفض معدل التضخم بنحو 8% بحلول نهاية العام المذكور مقارنة بشهر سبتمبر الحالي، كما يُتوقع أن يبلغ عجز الميزانية نحو 3000 ألف مليار ريال بحلول نهاية عام 2024، وقد قدم مركز أبحاث مجلس الشورى في تقرير بعنوان «تحليل تطورات وآفاق الاقتصاد الإيراني» صورة شاملة عن الاقتصاد الإيراني.
صورة الاقتصاد الإيراني بشكل عام
تشير دراسات مركز أبحاث مجلس الشورى إلى أن الاقتصاد الإيراني، وبعد تحقيقه نموا يزيد عن 4% لأربع سنوات، شهد انخفاضا بنسبة 2.5% في عام 2024، ويعود هذا الانخفاض إلى انقطاع الكهرباء عن القطاعات الصناعية، وتراجع الصادرات النفطية، والسياسات المالية الترشيدية للحكومة، يُتوقع أن يكون النمو الاقتصادي في عامي 2024 و2025 عند معدلي 2.5% و2.8% على التوالي، وهي معدلات أقل من الهدف المحدد في الخطة السابعة عند 8%، وقد وصل التضخم في سبتمبر 2024 إلى 35%، إلا أن الاتجاه العام كان نحو الانخفاض، ومع ذلك، ونظرا لنمو إيجار العقارات، فمن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم بشكل أبطأ وقد ينخفض إلى 8٪ فقط بحلول نهاية عام 2025.
أما فيما يتعلق بالميزانية، فتحتاج الحكومة إلى توفير 3000 ألف مليار ريال إضافية حتى نهاية عام 2024 لتغطية الميزانية العامة، ومن المتوقع أن يُعالج جزء من هذا العجز من خلال إلغاء بعض النفقات، كما هو متبع في السنوات السابقة، التحدي الأبرز هو عجز ميزانية دعم السلع الأساسية الذي تفاقم بشكل كبير، ليؤثر بشكل ملحوظ على الانضباط المالي للحكومة، وقد وصل اتجاه العجز في (صندوق دعم السلع الأساسية) في عام 2023 إلى 170 ألف مليار تومان، مع توقعات بتفاقمه على المدى القصير.
على صعيد آخر، أظهرت البيانات في الربع الأخير ارتفاعا في ميزان الحساب الجاري نتيجة لزيادة كبيرة في الصادرات النفطية في عام 2024، وفي حال استمرار هذا الاتجاه مع استمرار نمو الصادرات غير النفطية واستقرار الواردات على غرار النصف الأول من العام، فمن المتوقع أن يصل فائض الحساب الجاري إلى 13.7 مليار دولار بنهاية عام 2024 ويعني ذلك أن البنك المركزي سيحظى بقدرة أكبر على التحكم في سعر صرف العملة، ومع ذلك، فإن الاعتماد الكبير لميزان الحساب الجاري على الصادرات النفطية يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات في أسعار أو صادرات النفط، ما قد يؤثر بشكل مباشر على ميزان الحساب الجاري وسعر الصرف.
عودة معدل الفقر إلى 30%
شهدت السنوات الأخيرة عوامل متعددة أدت إلى ارتفاع كبير في معدل الفقر، والذي يعد مؤشرا خطيرا وله تبعات اقتصادية واجتماعية في المجتمع، وقد ارتفع معدل الفقر في إيران بشكل ملحوظ منذ عام 2018، ليصل إلى 31% في عام2019، وتظهر التحولات على مدار السنوات الخمس الماضية أن معدل الفقر انخفض إلى أقل من 30% مرة واحدة فقط في عام 2022 وبفرق طفيف قدره 0.3 نقطة مئوية.
يعني هذا أن معدل الفقر استقر حول نسبة 30%، حيث إن ثلث الإيرانيين لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية حاليا، ويعزو الخبراء انتشار الفقر إلى الاضطرابات في الاقتصاد الكلي وارتفاع معدلات التضخم المستمرة؛ فقد أدت معدلات التضخم المرتفعة، المستمرة على مدى العقد الماضي، إلى تراجع ملحوظ في القوة الاقتصادية للأفراد وزيادة نسبة الفقراء.
كما انخفض دخل الفرد في البلاد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة بسبب النمو الاقتصادي السلبي، بحيث بلغت قيمة دخل الفرد في عام 2020 نحو 66% فقط من دخل الفرد في عام 2011، ورغم تحسن النمو الاقتصادي منذ عام 2020، والذي دعم بدوره النمو الإيجابي لدخل الفرد، إلا أنه من المتوقع أن يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة إلى تراجع نمو دخل الفرد أيضا، وتشير تقديرات مركز أبحاث مجلس الشورى إلى أن معدل الفقر سيبقى عند مستواه الحالي البالغ نحو 30% في عام 2024.
الفجوة بين دخل الفقراء وخط الفقر
تُعدّ الفجوة بين دخل الفقراء وخط الفقر من المؤشرات المهمة لفهم مدى عمق الفقر في المجتمع، ويعتمد تقرير مركز أبحاث مجلس الشورى على مؤشر شائع لتقييم الوضع المالي للفقراء من خلال قياس الفجوة بين دخلهم وخط الفقر، حيث يُظهر هذا المؤشر مدى إمكانية خروج الفقراء من دائرة الفقر.
فكلما زادت الفجوة، قلت فرص الفقراء للخروج من الفقر، ومن هنا، قد لا ينخفض معدل الفقر بشكل سريع عند تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية، إلا أن تقليل فجوة الفقر قد يؤدي إلى تقليص أعداد الفقراء على المدى الطويل، تُظهر البيانات أن فجوة الفقر انخفضت من 0.28 في عام 2022 إلى 0.27 في عام 2023، مما يعني أن متوسط دخل الفقراء كان يمثل نحو 72% من خط الفقر في عام 2022، وزاد إلى 73% في عام 2023، وهذا يعني أن دخل الفقراء ارتفع قليلا مقارنة بالعام السابق، لكنه لم يكن كافيا لتحقيق خروج فعلي من دائرة الفقر أو للحد بشكل ملحوظ من معدل الفقر.
عدم تأثير النمو النفطي للحد من الفقر
على الرغم من أن معدل الفقر ظل ثابتا، بل وزاد بنسبة 0.14%، فقد شهد الاقتصاد الإيراني نموا خلال عام 2023، يعكس هذا الوضع أن النمو الاقتصادي لم يكن شاملا، وأن الفئات ذات الدخل المنخفض لم تستفد منه، ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى الاعتماد الكبير على النفط؛ إذ يقتصر أثر هذا النمو على مجموعة محدودة من المجتمع، ولا يساهم في خلق فرص عمل واسعة أو نوعية، وبالتالي لا يؤدي إلى رفع مستوى رفاهية الأفراد أو خفض معدلات الفقر، ووفقا لإحصاءات البنك المركزي، بلغ معدل النمو الاقتصادي لإيران في عام 2023 نحو 4.5% شاملا قطاع النفط، و3.6% باستثنائه.
الحد من الفقر من خلال الاستقرار الاقتصادي
يرتبط انتشار الفقر بتداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة، مما يجعل السياسيون يسعون لاتخاذ خطوات عملية للحد من الفقر، ويوصي التقرير بضرورة العمل على مستويين: أولا، على مستوى الاقتصاد الشامل؛ إذ تعد معالجته ضرورية، خصوصا وأن عدم استقراره كان السبب الأساسي وراء زيادة وثبات معدل الفقر في السنوات الأخيرة.
يتطلب خفض معدلات الفقر تحقيق نمو اقتصادي مستمر وشامل، واعتماد سياسات اقتصادية مستقرة تستهدف خفض معدلات التضخم، إذ إن التضخم يسهم بشكل كبير في زيادة التفاوت الاقتصادي واتساع فجوة الفقر، ما يجعل الخروج من دائرة الفقر أمرا صعبا ويقلل من فعالية السياسات الداعمة، في النهاية، لا يمكن الاعتماد فقط على سياسات الاقتصاد الكلي للحد من الفقر، بل يتطلب الأمر أيضا تبني سياسات دعم وتمكين اجتماعية لمساعدة الفئات الضعيفة على تحسين ظروفها المعيشية.