( بمناسبة ذكری نفي الإمام الخميني من قم إلی تركيا )
حسين محمودي
الدولة العثمانية كانت آخر إمبراطورية إسلامية شاملة في العالم، وقد ادعت لنفسها الخلافة الإسلامية. وقد تآكلت هذه الدولة لسنوات عديدة بسبب عوامل داخلية وخارجية مختلفة، وانهارت في نهاية المطاف في خضم الحرب العالمية الأولي، وتحولت كل قطعة منها إلي دولة مستقلة حتی الیوم.
أضافت الحضارة الغربية، إلی جانب جهودها الكثيرة في سبيل تدمير هذه القوة الهامة في العالم الإسلامي، لاحقًا قناعًا آخر وهو الاستشراق والدراسات الأكاديمية، وقد زعمت في تحليلاتها أن السبب الرئیسی لانهيار الدولة العثمانية هو الخلافات الداخلية وتخلفها عن ركب الحضارة الحديثة.
يعتقد السيد قيس جواد العزاوي في كتابه “الدولة العثمانية، دراسة جديدة لعوامل الانحطاط” أن أحد أسباب زوال وتدهور الإمبراطورية العثمانية بعد عصرها الذهبي، هو إبرام معاهدة منح الامتيازات للأجانب من قبل السلطان سليمان القانوني والحكومة الفرنسية في أوان نصره و عظمته.
كانت مثل هذه المعاهدات قد أبرمت من قبل سلاطين عثمانيين سابقين ولم تؤدِ أحدهم أبدًا إلي زوال هذه الدولة.
لكن يری العزاوي أن هذه المعاهدة تضمنت بنودًا مهدت السبيل لانهيار الدولة العثمانية. فقد أتاحت هذه المعاهدة والتكميلات التي أضيفت إليها لاحقًا، ولأول مرة بعد الحروب الصليبية، الفرصة للسفير الفرنسي لزيارة القدس ووضعت الكهنة ورهبان الأراضي المقدسة تحت الحماية الفرنسية. الأمر الذي مهد الطريق للهيمنة والتدخل الفرنسي في الشام حتی يومنا هذا. كما سمحت لهم بإرسال المبشرين الفرنسيين ونشر المسيحية ومناقب الدولة الفرنسية في المدن التي كانت تضم أقليات مسيحية، وبذلك رسخت المسيحية والتوجه الثقافي الفرنسي في بلاد الشام. و كان التحدي الجوهري في نصوص هذه المعاهدة هو منح الرعايا الفرنسيين حصانة قضائية من قوانين الدولة العثمانية، مما حجب عن الدولة العثمانية الحق في محاكمة معاقبة الفرنسيين على أي جرائم يرتكبونها في أراضيها.
الأمر المثير للاهتمام أن حكومتي بريطانيا وهولندا انضمتا فيما بعد إلی هذه المعاهدة وحصلتا علی نفس الامتيازات من العثمانيين. قد طالب السلاطين العثمانيون مرارًا وتكرارًا في السنوات اللاحقة بإلغاء هذه الامتيازات و فی رأسهم الحصانة القضائیة، ولكنهم واجهوا دائمًا ردًا سلبيًا من الأوروبيين. وقد حاولوا بدورهم الضغط علی الجانب الأوروبي من خلال زيادة الرسوم الجمركية وفرض قوانين صارمة، ولكنهم لم يحققوا نجاحًا كبيرًا. تفاقمت هذه الخلافات إلی درجة أن العثمانيين الذين اقتحموا المجر وتقدموا حتی أبواب فيينا ذات یوم لدعم فرنسا ، وقفوا في الحرب العالمية الأولی إلی جانب النمسا والمجر ضد فرنسا.
ولم يتم قبول طلب إلغاء تلک الامتيازات من قبل الأوروبيين إلا بعد انهيار الدولة العثمانية و تولی زعيم علماني وقومي يدعی أتاتورك قيادة الدولة التركية الحديثة الولادة.
والحادثة المؤلمة الثانية التي نتجت عن الامتيازات هي معاهدة تركمانجاي التي أبرمت بين الإمبراطورية الروسية القيصرية والدولة القاجارية في إيران. وشملت هذه المعاهدة المشينة، بالإضافة إلی فصل جزء كبير من الأراضي الإيرانية وضمها إلی روسيا (قوقاز حاليًا)، منح الامتيازات للمواطنين الروس المقيمين في إيران و إعطائهم حصانة قضائية خاصة. ومع ذلك، ألغيت هذه المادة من معاهدة تركمانجاي بعد الثورة البلشفية في روسيا.
و أیضا بعد أن هُزمت الدولة القاجارية في حرب هرات أمام بريطانيا، اضطرت إلی قبول معاهدة باريس التي نصت شأنها شأن معاهدة تركمانجاي، علی فصل هرات (جزء من أفغانستان حاليًا) عن إيران، ومنحت الامتيازات للمواطنين البريطانيين في إيران. وانضمت دول أوروبية أخری فيما بعد إلی هذه المعاهدة مثل فرنسا والسويد والدنمارك، شأن ما حدث للدولة العثمانية مع فرنسا.كما ألغيت الامتيازات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب في الدولة العثمانية بعد تولي شخصية موثوقة مثل أتاتورك مقاليد الحكم، ألغيت أيضًا الامتيازات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب في إيران مع تولي شخصية موثوقة أخری هي رضا خان مقاليد الحكم. وبعد حوالي أربعين عامًا، وبعد الانقلاب الأمريكي الذي وقع في 19 أغسطس1953 لدعم الشاه و ضد الشعب الإيراني و الرئیس الجمهوریه، زاد نفوذ