حوار: مصطفی أفضل زاده مراسل “زاد إيران” في طهران
بعد هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية على الأراضي السورية في أبريل/نيسان الماضي، قامت إيران بالرد بعملية الوعد الصادق 1، ومع قيام إسرائيل بتجاوز الخطوط الحمراء للمرة الثانية باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أرض طهران ليلة تعيين مسعود بزشكيان رئيسا للجمهورية الإيرانية يوم 31 يوليو/تموز 2024، ثم اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، في بيروت 27 سبتمبر/أيلول 2024، قامت إيران بالرد في عملية الوعد الصادق 2، فهل يتوقع أن تعاود تل أبيب الاعتداء على طهران أم أن عملية الوعد الصادق كانت رادعة؟
“زاد إيران” يناقش ذلك من عدة زوايا مع الخبير العسكري الإيراني مهدي بختياري.
ما هو هدف النظام الصهيوني من الهجوم على إيران برأيك، وهل حقق هدفه؟
كان من المتوقع أن تكون عملية الوعد الصادق 2 من أعنف الهجمات التي تعرضت لها إسرائيل من خارج الأراضي المحتلة. فكل دولة تسعى عن طريق العمليات العسكرية أن تظهر للطرف المقابل قدرتها على بدء الحرب أو استمرارها، وهو ما يعرف بـ”قوة الردع”.
فبعد عملية الوعد الصادق 1، حاول الإسرائيليون القيام برد فعل على هذا الأمر أيضا، ويقال إنه كان على أحد الأهداف في محيط أصفهان، وقد واجهت هذه الخطوة ردود فعل سلبية حتى في الأراضي المحتلة، حيث اعتبرها كثيرون خطوة ضعيفة جدا في مواجهة الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة الإيرانية.
ونتيجة لذلك، فبعد عملية الوعد الصادق 2 التي حققت نجاحا أكبر من الهجوم الأول، كان يُتوقع أن يقوم مسؤولو الكيان الصهيوني بخطوة لاستعادة هيبتهم أمام الرأي العام، وقبل أيام من الهجوم، كانوا يروجون- خلال حرب نفسية- أنهم سيقومون بهجوم كبير داخل إيران.
لكن في الواقع، لم يكن الهجوم الذي قاموا به متناسبا مع ما صرح به مسؤولو الكيان الصهيوني مرارا بالطبع، بل كان محدودا للغاية، وكان من غير المتوقع أن تكون هجماتهم ضد الأهداف الأساسية والاستراتيجية والاقتصادية في إيران مثل المؤسسات النفطية أو المنشآت النووية كما رددوا مرارا، بل أن تقتصر على بعض القواعد العسكرية، وهو ما حدث بالفعل، كما توقعت إيران.
وبالطبع قامت السلطات الإيرانية باتخاذ التدابير، وضمن ذلك زيادة الدفاع السلبي وإخلاء بعض القواعد التي كان من المحتمل أن تتعرض للهجوم.
في هجوم إسرائيل الأخير على إيران، ذكر البعض أن 68 صاروخا من الصواريخ التي أُطلقت نحو إيران تم اعتراضها وتدميرها في الأجواء العراقية، كيف يمكن للدفاع الإيراني أن يعترض الصواريخ في الأجواء العراقية؟
ليس لديّ معلومات حول عدد الصواريخ والأهداف التي تم التصدي لها، فلم تتم الإشارة إلى الأرقام في البيانات الرسمية سواء من جانب إسرائيل أو من جانب إيران، وتمت الإشارة بشكل عام في بيانات القوات المسلحة إلى أنه تم التصدي لأهداف خارج حدود إيران، ومن الطبيعي أن تكون هذه الأهداف في أجواء العراق، نظرا إلى أن هذا الهجوم قد تم من العراق.
وعلى أي حال، نعلم أن الأمريكيين موجودون هناك، وأن الأجواء العراقية تحت سيطرتهم. وأشيع قبل هذا الهجوم أنه قد تم اتخاذ عدة خطوات لتدمير بعض النقاط العسكرية والدفاعية في العراق أو حتى في سوريا، حتى تتمكن الطائرات الإسرائيلية من استخدام هذه الأجواء بسهولة.
وبالطبع، يمكن للدفاعات الجوية الإيرانية التعامل مع أهداف بعيدة، فالدفاع الجوي ينقسم إلى ثلاثة مستويات: بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى، وللتصدي للأهداف على مسافات أبعد، وتتوافر لدى إيران أنظمة مختلفة، ومن بينها نظام S-300 الذي تم شراؤه من روسيا قبل عدة سنوات، إضافة إلى نظام الدفاع الجوي باور 373 وهو إنتاج إيران، ونحن رأينا في التقارير والصور القليلة التي نُشرت أن الهجوم لم يكن كبيرا، ومن المحتمل أن يكون بعضها نتيجة للاشتباك الذي حدث في الدفاع الجوي خارج حدود إيران.
هل تم إطلاق صواريخ من أذربيجان وتركمانستان نحو إيران؟
لا أعتقد حدوث أمر كهذا، أي إنه ليس من المنطقي أن تقوم إسرائيل بالهجوم من شمال إيران، بدايةً، لأنه بعد التحركات الدبلوماسية التي قامت بها إيران والزيارات المتعددة التي قام بها وزير الخارجية تقريبا لجميع دول المنطقة، أعلنت معظم الدول أنها -على الأقل- لم تلعب دورا في هذه الاشتباكات، فقط العراق وبسبب سيطرة الولايات المتحدة الكبيرة عليه فقد أتاح ذلك لإسرائيل، لكن ليس منطقيا أن يتم هذا الإجراء من أماكن أخرى، ولم أر في التقارير أي شخص يؤكد أن الهجوم تم من جهة أذربيجان أو حتى تركمانستان.
هل كانت الصواريخ التي أُطلقت باليستية وتم إطلاقها عبر طائرات F-16؟
تظهر التحليلات أنه تم استخدام الصواريخ الباليستية المحمولة جوا بشكل رئيسي، وبالطبع من الممكن أنه تم استخدام صواريخ كروز والطائرات المسيرة أيضا، وعلى أي حال، فإن المنطقة غرب إيران منطقة جبلية، ويمكن أن تجعل الطائرات المسيرة وصواريخ كروز العمل أكثر صعوبة على الرادارات، ومع ذلك يبدو أن معظم الهجمات كانت بواسطة صواريخ باليستية تطلقها الطائرات المقاتلة F-15 وF-16 في إسرائيل، والتي يمكن أن تُطلق من مسافات بعيدة تتجاوز 1000 كيلومتر خارج حدود إيران، وبالطبع كانت هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها دفاعاتنا الجوية بشكل جدي في مواجهة مع الصواريخ الباليستية فائقة السرعة، وكانت لدينا سابقا خبرة في مواجهة الطائرات المسيرة والطائرات الصغيرة حتى في الحروب الإلكترونية، لكن كانت هذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها هجوما بصواريخ باليستية فائقة السرعة في ساحة المعركة الحقيقية، بغض النظر عن مدى نجاح هذا الأداء أو عدمه، ويجب أن ننتظر ظهور تقارير إضافية.
هل تعرض نظام الدفاع الإيراني لأضرار خلال هذا الهجوم؟
كانت المناطق العسكرية والدفاعية أهدافا رئيسية، وغالبا ما يُقال إنها كانت مواقع رادارية، ومن الطبيعي أن إيران نظرا إلى الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها في مجال الرادار والدفاع في السنوات الماضية قد استطاعت بسرعةٍ معالجة هذه الأضرار التي لا نعرف حاليا حجمها، كما يُقال إن بعض هذه الأنظمة عادت إلى المجال الدفاعي خلال اليومين التاليين، وبعضها قابل للاسترجاع، وبعضها الآخر يمكن استبداله، أي إن هناك أنظمة يمكن أن تحل محلها، ويحتمل أن تكون هذه رادارات إنذار مبكر على الأرجح، وهي رادارات قادرة على تحديد الأهداف عن بُعد وإبلاغ أنظمة الدفاع.
على أي حال، يمكن تلخيص الأمر بأن هذا الهجوم الإسرائيلي لم يكن له أي إنجاز استراتيجي بالنسبة لهم، فلم يتمكن حتى من التأثير على ساحة المعركة، وعلى أي حال فإن إسرائيل مشغولة جدا في الحرب بشمال وجنوب الأراضي المحتلة، ولم يكن لهذا الإجراء تأثير في تلك الساحة أو حتى على إيران لمنعها من الرد.
ومن الممكن أن ترد إيران على هذا الهجوم؛ نظرا إلى أن الإسرائيليين قد تجاوزوا على الأقل خطين أحمرين مهمين في هذا الهجوم، أحدهما الهجوم العلني والمباشر والواضح على أراضي إيران، ولم يكن هناك سابقة لذلك، والآخر أنهم قاموا بعمليات تخريب واغتيالات قبل ذلك، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها هذا الإجراء بشكل رسمي وعلني، ولم يكن الاعتداء فقط على أراضي إيران، بل أيضا على عاصمتها، والنقطة التالية هي أننا فقدنا في هذه العملية على الأقل أربعة من قوات الجيش، ويقال إن مدنيا أيضا قد استشهد. على أي حال، كانت هذه خطوط حمراء قام الإسرائيليون بتخطيها، واحتمال أن تقوم إيران بالرد على هذا الإجراء كبير جدا. إضافة إلى ذلك، فإن العمليتين السابقتين لإيران كانتا رد فعل، فكانت العملية الأولى “الوعد صادق 1” ردا على هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريا ومقتل بعض قادة الحرس الثوري، وكانت عملية “الوعد الصادق 2” ردا على اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران، وحسن نصر الله ونيلفروشان في بيروت، أي إن هذه ردود فعل من إيران.
وأشعر بأن الشيء الذي يمكن أن يوقف إسرائيل ويمنعها هو خوفهم من ردود الفعل الإيرانية، ففي عملية “الوعد الصادق 2” أظهرت إيران أن لديها القدرة على مواجهة الدفاع الجوي الإسرائيلي المتطور وعالي التكلفة، ويُقال إن من بين مائتي صاروخ تم إطلاقها، أُسقط أكثر من 180 صاروخا.