كتبت: يسرا شمندي
تسعى الحكومة الإيرانية إلى تعزيز سياسات الحجاب الإلزامي من خلال تنفيذ خطة “الحجاب والعفة”، التي تمولها من ميزانية الدولة، تأتي هذه الخطوة بعد مرور عامين على وفاة مهسا جينا أميني، التي فجرت موجة من الاحتجاجات ضد القيود المفروضة على النساء، وتمثل هذه الخطة تحولا لافتا، إذ يتضمن قانون الميزانية للمرة الأولى منذ 15 عاما بندا صريحا يتعلق بالحجاب، حيث تم تخصيص موارد مالية كبيرة لدعم المؤسسات الحكومية في تطبيق هذه السياسات وتعزيز قيم العفة في المجتمع.
تنفق إيران أكثر من 3000 مليار ريال إيراني، أي ما يعادل 71 مليون دولار، من الموارد العامة لتنفيذ خطة حكومية تسمى “الحجاب والعفة”، جاء ذلك بعد عامين من وفاة مهسا جينا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الآداب، وذلك بهدف فرض الحجاب الإسلامي وقوانين الزي على النساء والفتيات الإيرانيات، وخاصة المعارضات للحجاب الإلزامي، وتعد هذه المرة الأولى منذ 15 عاما التي تتضمن فيها الميزانية العامة بندا يتعلق بالحجاب، وقد صاغ قانون الميزانية هذا الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، الذي يؤيد فرض الحجاب بصرامة، ووافق عليه البرلمان مؤخرا، وذلك استنادا لما أورده موقع راديو فردا بتاريخ 17 سبتمبر 2024.
والجدير بالذكر أن تحقيقات راديو فردا تُظهر أن الحكومة السابقة خصصت 600 مليار ريال، أي ما يعادل 14.2 مليون دولار في الميزانية العامة لهذا العام مباشرة لتنفيذ خطط الحجاب الإسلامي التي قصدتها الحكومة الإيرانية، وهي كما يلي:
- “البرامج الإيجابية وخطاب بُناة العفة والحجاب”
- “الترويج للحجاب والعفة”
- “الترويج للأزياء الإيرانية والإسلامية”
في ضوء ذلك تقدم الحكومة الإيرانية هذه الـ600 مليار ريال (14.2) مليون دولار من الميزانية العامة إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي و”مقر التنسيق الثقافي والاجتماعي” الحكومي، كما تتلقى الجامعات الطبية ووزارة العلوم الإيرانية ميزانية إجمالية قدرها 2500 مليار ريال أي ما يعادل 59.4 مليون دولار لتنفيذ مشاريع “العفة والحجاب” في الجامعات، هذه الصفوف في ميزانية عام 2024 لإيران بأكملها هي كالتالي:
- جامعات وزارة العلوم
تدعيم الأنشطة الثقافية للجامعات في جميع أنحاء البلاد مع التركيز على “تشجيع الزواج وشباب السكان والعفة والحجاب” – 1500 مليار ريال أي ما يعادل 35,294,117 دولارا أمريكيا.
- الجامعات الطبية
تطوير الأعمال الثقافية للجامعات الطبية التي تركز على “تشجيع الزواج وشباب السكان والعفة والحجاب” – 1000 مليار ريال أي ما يعادل 23,529,411 دولار.
- مقر التنسيق الثقافي والاجتماعي الحكومي
تنظيم تدابير فعالة للترويج للأزياء والملابس وفقا ل “الأصول الإيرانية الإسلامية وتوافرها والبرامج الإيجابية والخطابية للعفة والحجاب” – 400 مليار ريال أي ما يعادل 9,411,764 دولارا.
- وزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية
تعزيز الأنشطة الفنية مثل المسرح والموسيقى مع مقاربة “القضايا الوطنية والدينية والثورية، وحل الأضرار الاجتماعية، وخلق الأمل، وتقوية الأسرة، وتشجيع العفة والحجاب – 200 مليار ريال أي ما يعادل 4,705,882 دولارا.
والنقطة المهمة أن موازنة 2024، التي بدأت في أواخر صيف 2023 خلال رئاسة رئيسي، تعد أول ميزانية للبلاد بأكملها يتم إعدادها والموافقة عليها بعد القمع الكامل والتراجع الجزئي لاحتجاجات 2022، قبل عامين من الاحتجاجات، حيث كانت تكاليف فرض الحجاب الإلزامي تموَّل من قِبل الوكالات الحكومية نفسها.
والجدير بالملاحظة أن بحث مجموعة راديو فردا لتعدين البيانات يُوضِّح أيضا أنه منذ عام 2011 حتى عام 2023، لم يتم استخدام كلمتي “الحجاب” و “العفة” في الميزانية السنوية للبلد بأكمله، ومع ذلك، خلال الفترة المذكورة، تم إنفاق جزء غير محدد من الموارد المالية للوكالات والمؤسسات التنفيذية على تمويل تدابير الحكومة لفرض الحجاب الإلزامي على النساء والفتيات الإيرانيات، ففي 16 سبتمبر 2022، مباشرة بعد وفاة مهسا (جينا) أميني، وهي فتاة كردية تبلغ من العمر 22 عاما من مدينة سقز، اشتعلت شرارة الاحتجاجات في كردستان وفي مدن أخرى في إيران، مما أثار احتجاجات شعبية غير مسبوقة في تاريخ حكم إيران الممتد 44 عاما، والذي استمر لعدة أشهر.
ميزانية الشرطة مقابل أجور العمال
المسألة المحورية هنا أنه لا توجد أي إشارة واضحة إلى النفقات المخصصة لـ (قوات الشرطة) و (القضاء الإيراني) في ميزانية البلاد لعام 2024، على الرغم من الدور المحوري الذي تلعبه هاتين الوكالتين التنفيذيتين في قمع معارضي الحجاب الإلزامي، وفي السياق ذاته، حلت “الدورية الخفيفة” (وهي نوع من الدوريات العسكرية أو الأمنية) محل دورية الأخلاق التابعة لقوة الشرطة في الأشهر الأخيرة.
وفي إطار عدم وجود ذكر لكلمتي “الحجاب” و”العفة” في ميزانية قوة الشرطة لهذا العام، فقد خصصت الحكومة الإيرانية 23000 مليار ريال أي ما يعادل 541,176,470 دولار من تسليم وبيع النفط الخام للبلاد إلى القيادة العامة للشرطة لتنفيذ “الخطط الخاصة”، وفي واقع الأمر لم يتم تحديد ما هي الخطط المحددة الأخرى المدرجة على جدول أعمال قوة شرطة إيران في عام 2024، بصرف النظر عن إطلاق ونشر “الدورية الخفيفة”.
وتبعا لذلك، تُظهر تقديرات “استخراج البيانات” لراديو فردا أن الميزانية المخصصة لهذه المشاريع تعادل الحد الأدنى للدخل الشهري لأكثر من 2,111,000 عامل إيراني، وقد تم تحديد الحد الأدنى لراتب العامل الذي لديه طفل واحد، بُناء على موافقات مجلس العمل الأعلى في عام 2024، ب 10,893,000 ريال أي ما يعادل 259.25 دولار شهريا.
وفضلا عن ميزانية مشاريعها الخاصة، تتلقى قيادة الشرطة العامة لإيران أيضا ميزانية قدرها 88,000 مليار ريال، ما يعادل 2,070,588,235 دولار، من الموارد العامة للبلاد، بالإضافة إلى 5,980 مليار ريال، أي ما يعادل 140,705,882 دولار، من عائدات تسليم النفط الخام.
بالإضافة إلى الشرطة الإيرانية، تتعاون 26 مؤسسة أخرى على الأقل مع الحكومة في تطبيق قوانين الحجاب الإلزامي والمساعدة في تنفيذها، ووفقا لمرسوم مجلس الثورة الثقافي، يتم تمويل نفقات هذه المؤسسات أيضا من الميزانية العامة للبلد ومن الأموال الناتجة عن بيع النفط والضرائب، ومع ذلك، لا توجد معلومات واضحة حول المبلغ الذي ينفقونه على فرض الحجاب والترويج له.
وفي غضون ذلك، أصبح تمويل ما يسمى بمشروع قانون “الحجاب والعفة” قضية مثيرة للجدل بين المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المشرعون والشخصيات المعروفة التي تدعو إلى الحجاب الإلزامي وتعارضه. كان مشروع القانون هذا أحد الإجراءات التي اتخذها البرلمان والحكومة في ذلك الوقت للسيطرة على الوضع بعد احتجاجات 2022، ومع ذلك، بعد أكثر من عام، لم يصبح مشروع القانون قانونا بسبب “عدم اليقين المالي”.