كتب: محمد بركات
مع تولي مسعود بزشكيان رئاسة الجمهورية الإيرانية، في يوليو/ أيلول 2024 واجه الاقتصاد الإيراني تحديات متزايدة وسط اضطرابات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية، وفي الأشهر الأخيرة، شهد الريال الإيراني تراجعا حادا أمام الدولار الأمريكي، مما أثار جدلا واسعا حول أسباب هذا التراجع وتأثيراته على الوضع المعيشي للمواطنين. تزامنت هذه الأزمة مع تصاعد التوترات الدولية، وتشديد العقوبات الاقتصادية، إلى جانب انتقادات داخلية للأداء الاقتصادي للحكومة.
حیث شهد سوق المال الإيراني سقوطا كبيرا للريال أمام الدولار ليسجل يوم الثلاثاء 4 فبراير/ شباط 2025، ذلك بعد توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار يقضي بخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر في اليوم نفسه، إلى 850 ألف ريال للدولار الواحد، وليصل لأدنى مستوياته السبت 8 فبراير/ شباط، وذلك بعد خطبة الجمعة التي ألقاها المرشد الإيراني على خامنئي والتي قلل فيها من جدوى المفاوضات مع الولايات المتحدة، ويسجل 930 ألف ريال، ليأتي يوم الثلاثاء 11 فبراير/ شباط، ويعود لحاجز 890.550 ألف ريال، بعد العودة من إجازة الاحتفال بذكرى الثورة الإيرانية ال 46.
وعلى إثر هذا السقوط، كتب موقع عصر إيران، الإثنين 10 فبراير/ شباط مقالا تحت عنوان ينتقد فيه الأداء الاقتصادي لحكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حيث جاء فيه ” اليوم الذي أصبحت فيه رئيسا للجمهورية، كانت قيمة الريال في هذا البلد أعلى بنسبة 57% مما هي عليه اليوم، أو بالأحرى مما هي عليه في هذه اللحظة! في ذلك اليوم، كان يمكن شراء دولار أمريكي واحد مقابل 590,000 ريال، أما الآن فالسعر هو 920,550، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث بعد يوم واحد، بل حتى بعد ساعة واحدة”.
وتابع ” نحن نعلم أن الرياح والعواصف والظروف السياسية اجتمعت خلال الأشهر الماضية لتصبّ المصائب فوق رأس حكومتك، بدءا من اغتيال ضيفك يوم التنصيب، وصولا إلى المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، والأسوأ من كل ذلك، عودة المجنون إلى رأس أقوى حكومة في العالم، كل هذه الأمور واضحة لنا، وندرك أيضا القيود والضغوط الداخلية إلى حدّ ما، لكن لا شيء من هذا كله يبرر السقوط والصمت، السقوط الحر لقيمة العملة الوطنية، وصمت مسؤولي حكومتك تجاه هذه الكارثة الوطنية
وحول دور وزير الاقتصاد، عبد الناصر همتي، ذكر التقرير” أين وزارة الاقتصاد والبنك المركزي يا سيادة الرئيس؟! هل يقفون كمجرد متفرجين يهزون رؤوسهم أسفا؟ أم أنهم يفعلون شيئا فعليا لإيقاف عجلة انهيار الريال؟ وإن كانوا لا يفعلون شيئا، فما الفرق بينهم وبين عامل النظافة في الحي الذي لا يمكنه أيضا منع تدهور العملة الوطنية؟! وإن كانوا يفعلون، فأين النتيجة؟ ربما هم يستخدمون أدوات خاطئة، لأن أسعار العملات الأجنبية تواصل الارتفاع أمام الريال دون توقف.
وأضاف” يا سيادة الرئيس إن الإيرانيون يزدادون فقرا. في بداية الفقر، يقلل الناس من نفقات الترفيه والسفر، ثم يبدأون في التخلي عن بعض تكاليف التعليم، وبعد ذلك يقللون من شراء الملابس والأحذية، ثم يخفضون كمية ونوعية طعامهم، فيشترون لحوما أقل، ثم يقللون من استهلاك الفواكه والمكسرات أو يستغنون عنها تماما، حتى يصلوا إلى الحد الأدنى الذي يسدّ الجوع فقط”.
وقد ناشد التقرير الرئيس الإيراني، حيث قال ” في اجتماعاتك مع كبار المسؤولين، قُل لهم إن الفقر وصل إلى حدّه الأقصى لكثير من المواطنين، وأن هذا الحدّ الأقصى ليس إلا بداية خطر أكبر يهدد الحكومة والشعب والوطن معا”.
وخلال كلمته التي ألقاها الإثنين 10 فبراير/ شباط اثناء الاحتفالات بذكرى الثورة الإيرانية، صرح بزشكيان فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، قائلا” نعلم أنه في أجواء الحرب والصراعات، لا يمكن تحقيق النمو والتطور، فالأعداء لا يريدون لنا السلام، ولا يرغبون في أن ينعم شعبنا العزيز بلذة التقدم والازدهار، لذلك يسعون إلى جرّنا إلى الحروب حتى لا نستطيع معالجة مشكلات البلاد”.
كما أضاف” نحن في خضم حرب اقتصادية شاملة، وعلينا أن نكون حذرين حتى لا نقع في الفخ الذي نصبه البعض عبر الاحتكار والفوضى في الأسواق، بهدف تشويه صورة الثورة والإدارة والقيادة في أذهان الناس. لكن، بفضل تعاون الشعب، وبُعد النظر، والسياسات الحكيمة، وبعون الله، سنتجاوز هذه الأزمات”.
إلا أن الأمر لم ينتهي عند ذلك، حيث كتب أحمد نادري، عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، الثلاثاء 11 فبراير/ شباط 2025، عبر حسابه على منصة إكس “تمت إحالة استجواب عبدالناصر همتي، وزير الشؤون الاقتصادية والمالية، إلى لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان بعد حصوله على 89 توقيعا”، ما يعني أن همتي يمكن أن يخضع للاستجواب أمام البرلمان قريبا.
ما الأسباب وراء سقوط العملة؟
حول أسباب سقوط العملة وسوء الأحوال الاقتصادية، قال وحيد شقاقي، الخبير الاقتصادي، في حوار مع وكالة مهر الثلاثاء 11 فبراير/ شباط 2025 ” شهد اليوم ارتفاعا مفاجئا في أسعار العملات الأجنبية. ومع ذلك، ورغم أن البرلمان وبعض الجهات تسعى لتحميل الحكومة المسؤولية، فإن هذه المسألة لا ترتبط بالحكومة مباشرة. كان ينبغي تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والتجهيزات اللازمة لها، ومتطلباتها الأساسية منذ سنوات، لأن هذه القضايا تستغرق وقتا طويلا، لذلك، لا يمكن تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية والمتطلبات الاقتصادية بشكل فوري، بل تحتاج إلى ما لا يقل عن سنتين إلى ثلاث سنوات لتعديل بعض المؤسسات والهياكل.”
وأضاف شقاقی “للأسف، يتم التعامل مع القضايا الاقتصادية والتغيرات في أسعار الصرف ببطء وتأخير، ونحن نشهد اليوم ارتفاعا في سعر الصرف كان من الواضح تماما أنه قادم، نظرا لازدياد التوقعات التضخمية وحالة عدم اليقين. بعبارة أخرى، كان من الممكن التنبؤ بهذا الأمر مسبقا، كان ينبغي على البنك المركزي أن يكون مستعدا مسبقً، حيث إنه وفقا للقانون، فإن مسؤولية إدارة العملة في البلاد تقع على عاتقه، كما أن القانون منحه الصلاحيات اللازمة، بل إن رؤساء السلطات الثلاث منحوه هذه الصلاحيات أيضا.”
وقد أشار شقاقي إلى أنه “مع ذلك، يجب التأكيد على أن قضية العملة لا يمكن إدارتها من قبل مؤسسة واحدة فقط، بل هي قضية متعددة الأطراف، بل وفوق حكومية، حيث تشارك فيها جهات مثل لجنة مكافحة تهريب السلع والعملات، ووزارتا الزراعة والصناعة، إضافة إلى استمرار الصادرات غير النفطية وإدارة الواردات، فضلاً عن السلطة القضائية والأجهزة الأمنية”.
وحول دور الحكومة، صرح شقاقي “لا ينبغي اليوم إلقاء اللوم على الحكومة، لأن المشكلات المتراكمة منذ عقود لا يمكن حلها في غضون بضعة أشهر أو حتى أكثر. منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة، واجهت مخاطر سياسية واقتصادية كبيرة، لم يكن حتى العديد من المحللين يتوقعونها. من اغتيال إسماعيل هنية إلى اغتيال زعيم حزب الله، وحرب لبنان، وسقوط الحكومة في سوريا، وصعود ترامب إلى السلطة، كلها أحداث وقعت خلال بضعة أشهر وأثرت سلبًا على الاقتصاد والسوق”.
كما أكد على ” إن الوقت لم يعد مناسبا للخلافات السياسية، بل يجب على جميع مؤسسات الدولة دعم الحكومة. نحن في خضم حرب اقتصادية شرسة منذ فترة طويلة، وجميع الجهات المختلفة يجب أن تبذل قصارى جهدها لتعزيز الرضا العام، ولتمكين الحكومة من الاستمرار في العمل وسط هذه الظروف الصعبة. لكن للأسف، لا يزال البعض يتعامل وكأننا في أجواء انتخابية، مما يعيق الحكومة عن أداء مهامها بفعالية في ظل هذه الحرب الاقتصادية.”
وعلى الجانب الأخر، صرح علي خضريان، نائب طهران في البرلمان، الثلاثاء 11 فبراير/ شباط 2025، معلقا على الأزمة” إن وسائل الإعلام المقربة من وزير الاقتصاد تدّعي أن السبب وراء ارتفاع سعر الصرف بنسبة 55% خلال الأشهر الثلاثة الماضية يعود إلى العوامل السياسية وعودة ترامب، لكن السؤال المطروح هو لماذا خلال الـ 18 شهرا التي سبقت تولي السيد همتي للمنصب، ورغم 18 حادثة سياسية وأمنية غير مسبوقة، مثل وفاة رئيس الجمهورية واغتيال قادة كبار في محور المقاومة، ظل سعر الدولار عند حدود 600 ألف ريال؟”
كما أشار خضريان إلى وعود وزير الاقتصاد، قائلا” لقد وعد همتي بالتحكم في سعر الصرف عبر رفع سعر الدولار في نظام “نيما” وخفض الدولار الحر، لكن ليس فقط أنه فشل في السيطرة، بل إن تصريحاته غير المدروسة، إلى جانب تحديده حدّا أدنى لسعر الدولار والذهب، زادت من اضطراب السوق وفاقمت الأزمة”، مضيفا” قبل ثلاثة أشهر حذّرت من أن سياسة همتي الخاطئة في إلغاء الدولار النيمائي هي السبب في عدم استقرار سوق الصرف؛ حينها كان الدولار بسعر 710 ألف ريال، أما اليوم، وبسبب استمرار السياسة الفاشلة لوزير الاقتصاد، فقد وصل إلى910 ريال”.
وفي ختام حديثه، شدّد خضريان على” نتوقع من السيد بزشكيان، الذي وقف بالأمس بحزم كرئيس جمهورية متمسك بمبادئ الثورة ووجّه صفعة قوية لترامب المجرم، أن يعيد النظر في فريقه الاقتصادي في أسرع وقت وقبل استجواب الوزير في البرلمان، حتى لا يزداد تدهور معيشة الناس أكثر مما هو عليه الآن.”
سقوط منذ البداية
لم تكن تلك المرة الأولى التي تسقط فيها قيمة العملة الوطنية في إيران منذ مجي مسعود بزشكيان على رأس السلطة في يوليو/ تموز من العام 2024، ففي هذا الشهر كان الدولار يعادل 590 ألف ريال، ليصل بعدها في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إلى 670 ألف ريال.
ولم يقف معدل السقوط هنا، فشهد الريال مع أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2024 سقوط أخر حيث بلغ سعر الدولار إلى800 ألف ريال، ليصل إلى أخر محطاته في فبراير/ شباط ويستقر عند 550 ألف ريال.